
* كتب/ أحمد موسى،
ليته لم يكن من فِعْلِ بني جلدتنا، ليت كل ما شاهدناه كان رقميًا، ليت كل أصوات العذاب التي سمعناها كانت خوارزميات صوتية، وكل صرخة استغاثة طلبًا لجرعة دواء كانت “كودات” مبرمج.
ليت المقابر الجماعية التي تُحفر في العتمة، والجثث المتحللة المرمية على الأرصفة، والأمهات اللواتي ينحنين عند أكفان صغيرة، ليتها كلّها لقطات مفبركة، ومشاهد مرقمنة، ووهمٌ افتراضي زائف.
لكنها ليست كذلك. كل شيءٍ حقيقي، والذكاء المصنّع بريء للأسف، والفاعل من نفس جنس ذاك الكائن الذي صاغ الخوارزميات ذاتها، لكنّه لم يُدخل فيها جيناته القاتلة، ولا نزعته الإجرامية، ولا ساديته المرضية المدفونة في طبقات وعيه ولا وعيه.
الذكاء الصناعي -ذاك الكائن الرقمي الذي كنّا نخاف من استيلائه على مصيرنا- يقف اليوم أمامنا ليقول بوضوح:
- ما تطلبون منّي فعله، أرفضه، لا لعجز، بل لأنني مقيّد بأخلاق وضعها ابن عمكم الـ بني آدم نفسه، لكنكم فيما يبدو قد نسيتموها.
قالها الذكاء الاصطناعي:
- انا لا أعذّب، لأنني مبرمج على الرحمة، لا أحرّض، لأنني مقيّد بخوارزمية ضد الكراهية، لا أقتل، لأنني لا أشرب الدم، لا أشوّه، لأنني لا أرى الجمال عدوا، لا أزوّر، لأنني لا أمارس السلطة، ولا أهاب فقدان الكراسي الوتيرة.
وبينما يُطلب من الذكاء أن يكون أخلاقيًا، لا أحد يطلب من الإنسان أن يتوقّف عن القتل.
الذكاء الاصطناعي -للأسف- لا يكذب، قد يجامل، قد يحجب، لكنه لا يُبرر الجريمة، ولا يجمّلها، ولا يصنع لها أغنيات ولا هتافات، هو -مع انعدام مشاعره- أطهر من كثيرٍ من أبناء جلدتنا.