اخبارالرئيسيةعيون

وفد بيلاروسي حكومي يزور بنغازي.. دلالات التوقيت والوجهة

العربي الجديد-

اختتم الوفد البيلاروسي الذي يترأسه نائب رئيس الوزراء فيكتور كارانكفيتش زيارة إلى مدينة بنغازي الليبية، دامت يومين، وُقع خلالها عدد من الاتفاقيات مع الحكومة المكلفة من مجلس النواب، في خطوة أثارت العديد من التساؤلات حولها هدفها وتوقيتها.

ووفقاً لبيان لحكومة مجلس النواب، فقد وقع رئيسها أسامة حماد مع كارانكفيتش اتفاقات في مجالات التعليم، والصحة، والزراعة، والصناعة، وصولاً إلى تعاون في “خدمات الاستكشاف الجيولوجي” باستخدام تكنولوجيا متقدمة لاستخراج الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى اتفاق في الجانب الأمني بهدف “الحفاظ على النظام العام، والوقاية من الكوارث الطبيعية، وتبادل الخبرات في الاستجابة للطوارئ وتوريد المعدات”. وضم الوفد البيلاروسي رئيس جهاز المخابرات إيفان تيرتل، ونائب وزير الخارجية سيرغي لوكاشفين، إلى جانب وزراء الصناعة، والزراعة، والصحة، والتعليم، ما يشير إلى أبعاد سياسية وأمنية للزيارة.

 

وجاءت الزيارة بعد أسبوعين من أخرى أجراها حفر إلى مينسك، التقى خلالها الرئيس البيلاروسي إلكسندر لوكاشينكو، الذي أكد له اطلاعه على تطورات الأوضاع في ليبيا، ووعده بـ”مساعدته بكل الطرق الممكنة”، وأن “كل ما سيُتفق عليه سينفذ في وقته المحدد”. وعلى الرغم مما يبديه عنوان التعاون الاقتصادي لزيارة الوفد البيلاروسي إلى بنغازي وقبله زيارة حفتر لمينسك، إلا أن الطابع العسكري كان واضحاً في لقاء صدام حفتر، بوزير الدفاع البيلاروسي فيكتور خرينين، حيث ناقش معه سبل تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات، وخاصة أن صدام أشرف بعد عشرة أيام من زيارة بيلاروسيا على تخريج دفعة من قوات الصاعقة، “بعد تدريبات متقدمة تلقتها في بيلاروسيا”، ما يكشف أن التعاون العسكري بين حفتر وبيلاروسيا ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من شراكة كانت خيوطها تنسج منذ فترة.

ووفقاً لقراءة الباحث في الشأن السياسي أحمد العاقل، فإن الإعلان عن العلاقة بين حفتر وبيلاروسيا في هذا التوقيت، وبهذا الزخم، يقع في سياق أوسع لاستراتيجية دفعت بها موسكو ضمن عمليات إعادة تقييم أوضاعها في المنطقة على وقع التهديدات التي تواجهها موسكو في سورية. ويلفت العاقل في حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أن زيارة الوفد البيلاروسي جاءت بالتزامن مع وجود نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف في بنغازي، التي وصل إليها يوم الجمعة الماضي، مشيراً الى إمكانية أن تكون موسكو قد دفعت بيلاروسيا إلى الواجهة بصفة وكيل لتدخلها لتتحكم بيد خفية في ديناميكيات التنافس في المنطقة مع أقطاب الصراع الدولي.

ويوضح العاقل رأيه أكثر، مشيراً إلى أن الزيارة البيلاروسية لا تنفصل عن المشروع الروسي الرامي إلى تعزيز وجوده في سياقين، الأول اقتصادي مستغلاً سيطرة حفتر على حقول النفط في شرقي البلاد لتجاوز العقوبات الغربية، وللانخراط أكثر في مشاريع التنمية التي يشرف عليها في الشرق والجنوب، والثاني عسكري، لزيادة حجم وجود روسيا في القاعدة العسكرية الليبية التي تشغلها.

لكن الرسالة الأبرز التي حملتها الزيارة البيلاروسية، وفقاً للعاقل، هي سعي موسكو لإضفاء الشرعية على حكومة بنغازي الموازية، من خلال تشجيع بيلاروسيا على عقد اتفاقيات دولية معها، مضيفاً “هذه أهم الرسائل، وقد تلقي بظلالها على الأوضاع السياسية الليبية، فترسم مساراً جديداً تقف وراءه موسكو لمواجهة مسار البعثة الأممية الذي تدعمه واشنطن وأوروبا، للتمهيد لانتخابات تجدد الوجه السياسي بما فيه مجلس النواب وحكومته التي تحفظ الشرعية لوجود حفتر”.

ولم يصدر عن حكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها دولياً، أي تعليق أو موقف حيال زيارة الوفد البيلاروسي والاتفاقيات التي وقعتها مع الحكومة في بنغازي التي تعتبرها حكومة الوحدة الوطنية حكومة موازية. وفيما يبدو أن الزيارة البيلاروسية جاءت بدفع وتشجيع من موسكو، في إطار سعي الأخيرة إلى إعادة ترتيب أوراقها في ليبيا عبر بوابة مينسك، تبدو تحالفات حفتر من جهة أخرى متضاربة، بالنظر إلى قبوله الانخراط في مشروع لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، تقوده واشنطن ولندن. وفي منتصف الأسبوع الماضي، أعلنت قيادة حفتر مشاركتها في تدريبات عسكرية جوية مع القوات الأميركية (أفريكوم)، قبالة خليج سرت، وذلك بعد ساعات من إعلان “أفريكوم” عن تنفيذ تدريبات عسكرية بالتنسيق مع ضباط من معسكري شرق البلاد وغربها.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بشير الجبيهي أن حفتر يحاول توظيف التنافس الدولي في ليبيا لتعزيز موقعه باعتباره طرفاً لا غنى عنه، بتقديم نفسه شريكاً قادراً على تحقيق مصالح جميع الأطراف، خاصة في ظل ملامح تقارب محتمل بين موسكو وواشنطن في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب. ويصف الجبيهي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، تعامل حفتر مع التنافس الدولي في ليبيا بأنه “مغامرة محفوفة بالمخاطر”، مشيراً إلى أن الأخير سيكون مجبراً على اختيار أي من طرفي التنافس الدولي إذا ما فشل مشروع التقارب الروسي الأميركي. ويضيف قائلاً “خيار حفتر قد يبدو صعباً، لكن ما يجب أن يقال إنه لن تكون لديه القدرة على الاختيار، بعدما صار الوجود الروسي واقعاً لا يمكن أن ينفض حفتر يديه منه، وفي الجانب الآخر واشنطن ضمت حفتر لمشروعها العسكري في ليبيا، فلم يعد لديه خيار إلا المغامرة”.

ويعتبر الجبيهي أن وجود حفتر بات رهينة التقارب الروسي الأميركي، “وأوراق القوة التي حازها حفتر، كسيطرته على المواقع الاستراتيجية ومواقع الموارد الطبيعية، ستتحول إلى أوراق ضعف لأنها ستكون مجال الصراع بين القوى الكبرى”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى