الراي

رأي- مع السلامة .. يا سلامه  مع فائق القدير والاحترام**

 

*كتب/ د. محمد بالروين

 

السيد المحترم غسان سلامة
تحية طيبة وبعد

 

لقد استبشر الليبيون خيرا عند بداية قدومك لليبيا واستلامك لمهمة مبعوث أممي ورئيس لبعثة الدعم الي ليبيا, خصوصا وانك عربي تتحدث لغتهم وتعرف تاريخهم وعايشت تجاربهم السياسية، ولك تجارب عديد لمحاولة حل الصراعات في هذه المنطقة، وخصوصا في لبنان والعراق وسوريا. وبالإضافة لكل ذلك اعتقادهم في:

(أ)

أنك كمبعوث أممي جديد، تختلف عن الخمس مبعوثين السابقين، وبذلك أنك ستسعي جاداً في مساعدتهم ودعمهم لإيجاد الحلول العملية والمناسبة للتعامل مع التحديات التي تواجههم.

(ب)

أنك كمبعوث أممي جديد، قد تساعدهم في الوصول إلى شاطئ الأمان، وذلك بالعمل على إشراك كل الفرقاء السياسيين، والسعي لفتح قنوات التعاون والتشاور بينهم.

(جـ)

أنك كمبعوث أممي جديد، تدرك جيداً بأن دورك مُنحصر في مجرد “الدعم” لتحقيق  أهداف ثورة الشعب الليبي التي انطلقت في 17 فبراير 2011، والتي تهدف بالدرجة الأولي لتحقيق مبادئ الحرية والاستقرار والعدالة وقيام دولة ديمقراطية مدنية مزدهرة.

(د)

أنك كمبعوث أممي جديد، قد أدركت –ومند زياراتك الأولي لليبيا- أن جُل الليبيين قد تعبوا وسئموا من هذه الظروف الصعبة والمُزرية التي يعيشونها هذه الأيام، وأصبحوا مستعدين ومُصرين على الوصول لحلول مناسبة للخروج من هذا الوضع مهما كلف الثمن.

ولكن … وللأسف الشديد!!!

بدلا من انتهازك واستثمارك لهذه الفرص التاريخية والظروف المناسبة للقيام بدورك الحقيقي، والمُكلف به من قِبل الأمم المتحدة، وذلك بدعم الجهود المبذولة من النخب الوطنية، ومساعدة كل الليبيين الذين كانوا ينتظرون في اقتراحاتك ومبادراتك، وقيامك بلعب دور الحياد بين كل الأطراف المتنافسة والمتصارعة ومحاولة تقريب وجهات النظر بينها، بدلا من كل ذلك تحولت وبقدرة قادر للأسف الشديد: (أ) من طرف “مُحايد” و “داعم” إلى سياسي “مُتحيز!” وتحمل “أجندة خفية” و(ب) من مجرد موظف يمثل الأمم المتحدة إلى لعب دور “الحاكم الفعلي” بأسلوب فوقي وإملائي! مليء بالوعظ والإرشاد والتوجيه!

ويبقي السؤال؟

يبقى السؤال المهم الآن – عند جُلّ الليبيين هذه الأيام هو: هل فقد السيد غسان سلامة “حياديته” و “مصداقيته” وبذلك انتهى دوره كممثل فعلي وحقيقي للأمم المتحدة؟ بمعني آخر هل يستطيع السيد سلامة –بعد انتهاء هذه الحرب القذرة الدائرة على أسوار طرابلس، وبعد هذه الأخطاء الكارثية التي ارتكبها في التعامل معها، وبعد أن فقد ثقة الكثيرين من أبناء الشعب الليبي خاص النخب -أن يكون وسيطاً مُحايدا (أي على مسافة متساوية من كل الأطراف المتصارعة)، وداعما لكل الجهود المبذولة لإعادة بناء الدولة، وهل فعلا مستعداً وقادراً على أن يقف على مسافة واحدة من كل أطراف النزاع بغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم وعلاقاتهم الداخلية والدولية؟!!

الإجابة

في اعتقادي المتواضع، ومع احترامي الشديد لك يا سيد غسان سلامة، إن الإجابة على السؤال أعلاه هي –بالنفي.

وهذا يعني وباختصار شديد، أنه لم يبق أمامك يا سيادة المبعوث الأممي إلا الرحيل. بمعني آخر أن ترحل وتترك المشهد الليبي لليبيين أنفسهم، وذلك لأسباب عديدة لعل من أهمها:

أولا:

يبدو انك يا سيد سلامة (كغيره من المبعوثين الخمس السابقين للأمم المتحدة) لم تكن “جاداً” في السعي لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في ليبيا بقدر ما كنت تسعى لتحقيق مكاسب شخصية لتضيفها إلى سيرتك الذاتية، وبذلك لم تكن مستعدا للعب دور الحياد وعدم الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع دون الآخر! وهنا يمكن الاستنتاج بأن جُلّ ما حققه المبعوثون السابقون الذين جاءوا لمساعدة ودعم الشعب الليبي (بما فيهم أنت) –وللأسف الشديد- هو زيادة تعقيد المشهد السياسي والأزمة الراهنة واستمرار الفوضى وارتفاع درجة العدائية والاحتقان بين الفرقاء في الشارع الليبي، وما الهجوم الأخير علي العاصمة طرابلس إلا أكبر دليل على ما نقول!!

ثانيا:

عجزك يا سيد سلامة الواضح (أو على الأقل عدم جديتك) في إيقاف التدخلات الخارجية السافرة في الشؤون الداخلية الليبية، وخصوصا تدخلات مصر والإمارات والسعودية وفرنسا لمساعدة حفتر من جهة، وتدخلات قطر وتركيا في مساعدة بعض القوي السياسية في المنطقة الغربية من جهة أخرى!

ثالثا:

من المؤسف حقا أنك يا سيد سلامة قد نسيت (وربما تناسيت) دورك الحقيقي “كداعم” وهو الدور المُكلف به رسمياً من قبل الأمم المتحدة، وتقمصت – للأسف- أدوارا أخرى كــ: “لعب دور الأستاذية” و “الوصاية” والادعاء بأنك تعرف ماهي مصلحة الشعب الليبي أكثر من الليبيين أنفسهم!

وانطلاقاً من ذلك قمت باختيار من يجب أن يمثلهم، وكيف يجب أن يكون مستقبلهم!! ولعل محاولتك الفاشلة الأخيرة في عقد ما أسميته بــ “المؤتمر الجامع” لأكبر دليل علي ما أقول.

فبدلا من أن تُشرك كل شرائح الشعب الليبي الفاعلة على الأرض، حتي ينجح هذا المؤتمر ويكون فعلاً مؤتمر وطنياً جامعاً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، قامت بتحويل هذا الاجتماع إلى مُجرد لقاء سري ومغلق ونخبوي! ليس هذا فقط بل قمت باختيار الأعضاء المدعوين لهذا اللقاء، وحددت عدد أعضائه، ووضعت (دون استشارة القوى الفاعلة) الأجندة التي ستتم مناقشتها فيه، وحددت مكان اجتماعه، وتاريخ ومدة انعقاده، والأسوأ من كل ذلك هو أنك قمت بتوزيع الأدوار والمناصب السيادية بين مجموعة صغيرة من المشاركين الذين تعاونوا معك، وحددت النتائج المتوقعة من هذا اللقاء سلفاً، إذ قمت باختيار (بالتعاون مع هذه المجموعة السرية الصغيرة) من سيكون رئيسا للمجلس الرئاسي القادم ،ومن سيكون رئيسا للوزراء، ومن سيكون القائد العام للجيش الليبي! واتفقتم على أن يتم تمرير هذه الأجندة في جلسة قصيرة وسريعة وتحت شعار مبدأ “التوافق!”.. فهل يُعقل هذا الاستخفاف بالشعب الليبي ومُكوناته يا سيد سلامة!!! والحقيقة التي لا جدال فيها أنه لولا حماقة حفتر، وقيامه بالهجوم المفاجئ علي العاصمة طرابلس قبل موعد انعقاد هذا المؤتمر الجامع، لتحقق لك يا سيد سلامة ما كانت تحلم به، ولدخلت ليبيا إلى مرحلة انتقالية جديدة لا أحد يعرف ماذا ستكون نتائجها النهائية!

رابعا:

في الوقت الذي هاجمت فيه الطبقة السياسية في ليبيا لمرات عديدة، واتهمتها بكل أنواع الفساد، وبأنها تنهب أموال الليبيين وتقوم باستثمارها خارج ليبيا، وأنها طبقة تسعى من أجل مصالحها الشخصية الضيقة. وأن هؤلاء السياسيين الفاسدين متمسكين بمناصبهم لأنها تسمح لهم بنهب الثروة واستغلالها.

وفي الوقت الذي قمت فيه يا سيد سلامة بفتح النار على مُتصدري المشهد السياسي وقولك: “.. لا أريد أن أطمئن الفئة الحاكمة؛ أريد أن أطمئن الليبيين بأن مصلحتهم هي النجمة التي تشير إلي كيف أسير.. لا أريد أن أطمئن الطبقة السياسية في ليبيا التي لديها مستوى عالٍ من الفساد، والتقاتل على الكيكة، ومن عدم الاهتمام بمواطنيها الفقراء البؤساء بشكل يندى له الجبين” في هذا الوقت نكتشف بأن جُلّ الذين كنت تنوي دعوتهم لمؤتمرك الجامع الذي كان من المفترض أن ينعقد في مدينة غدامس يوم 14 مايو 2019، هم من هذه الطبقة السياسية التي وصفتها بالفساد والانتهازية وتحقيق المصالح الشخصية الضيقة، وتجاهلت السواد الأعظم من أبناء الشعب الشرفاء، وكأن ليبيا في نظرك يا سيد سلامة لم تنجب إلا هؤلاء؟ وأن الأزمة الليبية لا يمكن حلها إلا بالتوافق بين هؤلاء!!

الخلاصة

مما ذكرته أعلاه وغيره الكثير، يمكن لكل العقلاء الوصول إلى نتيجة واحدة ووحيدة مفادها أن السيد المحترم غسان سلامة، بصفته مبعوثا أمميا ورئيسا لبعثة الدعم في ليبيا، قد فقد مصداقيته بين جُلّ الليبيين وتحول من داعم ووسيط صادق وأمين ومُحايد إلى سياسي منحاز لأحد الأطراف المتصارعة، وبذلك يكون قد فقد فرصة ثمينة وحيوية لإنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا والمساهمة في إيجاد حل للأزمة السياسية وإعادة بناء الدولة الليبية المنشودة… وفي اعتقادي المتواضع، لم يبق للسيد غسان سلامة المحترم إلا خيار مُشرف ووحيد هو مغادرة منصبه مشكورا، وترك القضية الليبية لأبنائها الوطنيين الشرفاء لمحاولة حلها بأنفسهم، وأنا على ثقة بأنهم قادرون علي تحقيق ذلك..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

** منقول عن مدونة الكاتب “شيء من السياسة”

*كاتب وأكاديمي ليبي، وعضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى