الرئيسيةالراي

رأي- أجيال بلا ذاكرة

* كتب/ يوسف أبوراوي،

من مساوئ زمننا وما فيه من أدوات (التواصل/التقاطع) أنها زادت الفجوة بين الأجيال بشكل غير مسبوق في تاريخ البشر، مما يهدد كامل الهوية البشرية ويضرب أهم خصائصها وهي نقل الخبرات والتجارب بين الأجيال..

لقد بدأنا نرى أجيالا لا تعرف عن واقعها وتاريخها الذي أنتج هذا الواقع أي شيء، بل ربما نظرت إلى هذه الأمور بشيء من السخرية والتعالي.. فهي أجيال لا ارتباط لها بحكايا الأجداد والجدات.. لم تسمع مطلقا حكايات (حديدان والغولة) ولم تتعرف على شخصية (ام بسيسي سيسية أم كريع ملوية)، ولم يقل لها أحد أن (بوك شيشبان طاح في البرمة ما بان)… ولم تسمع من المواقف والحكايات التي مر بها أسلافها أي شيء، فهي لم يقل لها أن أحد أجدادها انتقل الى العيش هنا نظرا لخصومته مع جار قديم، ولم تعلم أن أحد أعمام جدها كان شاعرا مثلا او شيخا او موظفا كبيرا…

كما أنها لا تعرف الارتباطات العائلية والقبلية، ولا تجهد نفسها في معرفتها فلا يعني لها شيئا أي اسم تسمعه رغم وجود بعض القرابة القديمة أو النسب بينهم.. هي لم تقرأ شيئا في كتب التراث ولا علومه، ولم تحفظ أن فرائض الوضوء هي (وجهي وايديا وراسي ورجليا والفور والدلك والنية).. كما أنها لا تفقه كثيرا في أسباب المناسبات الدينية والاجتماعية وأسبابها وارتباطاتها.

سيتساءل البعض: ولكن ما نفع كل هذا الهراء وحق له أن يتساءل.. فنحن لا ندعوا أن يستغرق الإنسان كل وقته في هذه الأمور.. ما نريده فقط هو القليل الذي يكسب أبناءنا طعما ولونا، ويجعل منهم أكثر ذكاء في التعامل مع محيطهم، وأقدر على التواصل مع بني جنسهم ومحيطهم وبلدهم.. كما أنه يزودهم بكمية من التجارب والتصورات والقيم ويدرب أذهانهم على الربط والتحليل والاستنتاج.

تحدثوا إلى أبنائكم يرحمكم الله، فهذا النمط المغلق المتجاهل لكل شيء إلا ما يحيط بنا من ماديات تنتج أجيالا باردة كئيبة لا تدرك من هذه الدنيا إلا أسباب المتعة والاستهلاك التي تغرق فيها، هربا من حقيقة جهلها وسطحيتها وخوائها العاطفي والفكري.. تحدثوا إلى أبنائكم لنمنع إنتاج هذا النمط من الكائنات المرعبة !!!!!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى