الراي

رأي- غسان سلامة ضحية فوضى ليبيا

* كتب/ هشام الشلوي

لم يرق أي مبعوث أممي منذ عام 2011 للأطراف الليبية المتصارعة، سواء أكان عربيا كطارق متري وغسان سلامة، أم أوروبي، ويرجع ذلك إلى أن كل طرف سياسي يسعى إلى أن تكون البعثة الأممية ممثلة لتوجهه السياسي وطموحه العسكري.

يعتقد كل طرف أن ما تطرح البعثة من مبادرات هو نتاج مؤامرة دولية أو إقليمية على مصالحه، وأن المبعوث الأممي ليلا يحتسي شرابا ويشعل سيجارا كي “يمخمخ” في كيفية إسقاط الأطراف الليبية مجتمعة.

فلا أنصار النظام السابق بكافة نحلهم الثورجية والعملية، راضون، ولا أتباع فبراير بكل فرقهم وأهوائهم الدينية والعسكرية والسياسية مقتنعون، بأية مبادرة أو مشروع يطرحه المبعوث على الهواء مباشرة داخل أروقة مجلس الأمن.

يقول التاريخ أن البعثات الأممية إلى ليبيا، والممثلة لمصالح الدول الكبرى، كانت أحرص على مصلحة ليبيا من كافة الدول العربية مجتمعة، حيث حاولت مصر عبر تاريخها وأنظمتها الملكية والعسكرية الهيمنة على ليبيا، بعيد الاستقلال، وأثناء الحكم الناصري. مارست القاهرة أدوارا تخريبية في ليبيا من أيام النظام الملكي.
القاهرة تعيد التجربة ذاتها، إلا أنها هذه المرة بتمويل دولة عربية لم تكن على خريطة الأمم المتحدة حتى عهد قريب، وأخرى اشتهرت بضمان تدفق النفط وأمن إسرائيل، رغم دعواها الدينية.

بعد 2011 كال إسلاميون وليبراليون وثوريون يحملون البنادق، التهم العديدة للمبعوثين، الأردني عبد الإله الخطيب، والإنجليزي إيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني مارتن كوبلر، وختاما اللبناني غسان سلامة.
كل هذه التنويعات والخلفيات والخبرات الأممية لم ترق لعديد التيارات، حيث يسود افتراض غالب، أن هؤلاء ما هم إلا خياطون لما تشهى وتغوى وتهوى أنفسهم وذواتهم.

لذا لا تستغرب أن يظهر برلماني أو مرشح للرئاسة متهما المبعوث الأممي غسان سلامة بميله وحبه ورهفه بالإرهاب، وأنه داعم للإخوان المسلمين ولكل تيارات الإسلام السياسي، رغم أن الرجل مسيحي كاثوليكي، ورغم أن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ليس من بينها دولة واحدة مسلمة.
غسان تعامل بواقعية مع ملف شائك وطرح المبادرة تلو المبادرة ومنح الفرصة تلو الفرصة لمجلسي الدولة والنواب حتى يتوصلا إلى حل لأزمة السلطة والانقسام والدستور والانتخابات، عجز المجلسان عن التوصل لحل. نصح بأن أي انتخابات رئاسية ليست مبنية على قاعدة دستورية يقرها الشعب الليبي، فإن ذلك لا يعني إلا فتح بوابة الجحيم أمام استبداد الرئيس القادم، وأن استبدال استبداد الفوضى باستبداد الفرد، سينسف أي طموح نحو دولة مستقرة.
غسان اجتهد في نصحه لجميع الأطراف، بأن تأتي لطاولة المفاوضات وأن تتفق على أبجديات الدولة والاستقرار، فأبت أطراف معلومة للجميع. مرة يظنون فيه أنه تابع لفرنسا، لأنه يعيش فيها، ومرة أنه موال لحزب الله، كونه لم يصدر بيانا يرد فيه على حركة أمل التي حرقت بعض مليشياتها علم ليبيا، وكأن الرجل ممثل لبنان وليس الأمم المتحدة، مرة منحاز لحفتر وتارة للبرلمان وأخرى للأعلى للدولة.
مرة هواه قطري، وحينا ميله إماراتي سعودي. وزعوه وقسموه بين الدول والولاءات والكيانات والأحزاب السياسية والشخصيات العسكرية.

هذا البلد تأسس داخل الأمم المتحدة، بسبب اختلاف الدول الكبرى حول مصير ليبيا، وساعدته الأمم المتحدة على بناء مؤسساته السياسية. كما أثبتت تجربة السنين الماضية أن الليبيين يبدو أنه من المستحيل أن يتفقوا فيما بينهم، لقصر النظر وضحالة التجربة والاستقطاب الحاد والتدخل الإقليمي المنوع.

أذكر ذات مرة وفي حديث مع أحد شيوخ ليبيا، أنه قال لي، إن طارق متري قادم من لبنان وهي بلد طائفي، ولن يكون في مقدوره مساعدة ليبيا على الإطلاق. فسألته مستغربا ما الذي قدمه متري من مبادرة تدل على أنه طائفي؟ والآن بعد هذه السنوات لعله تبين للشيخ، أن متري كان أحرص على ليبيا منه ومن مبادراتك التي لا تنتهي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى