الرئيسيةالراي

رأي- تتعدد الرايات والبؤس واحد

* كتب/ يوسف أبوراوي،

من أعجب العجب أن نحاول بناء دولة أو وطن بدون أدنى اهتمام لمفهوم الدولة والوطن، وتعريف الناس بهذه المفاهيم وتعليل وجودها وأهميتها للفرد والمجتمع… وترتيب الانتماءات من الأسرة إلى القبيلة إلى الإقليم إلى الدولة وتراتبياتها… ومعنى أن نكون مواطنين في دولة ما وما هي الحقوق والواجبات؟

إن كل الفوضى على الأرض ناتجة عن فوضى المفاهيم في الأذهان لأن نتيجتها المباشرة… أن مركب الجهل والفقر والمرض هو ما نعانيه على مستوى الأفكار، ولم نستطع تجاوزه رغم مراكمة الماديات وتغير طرق العيش واستعمال كل الأدوات الحديثة.

كما أن تلك الرغبة الدفينة في التسلط هي المهيمنة على كامل المشهد (السياسي) إن كنا نمارس السياسة فعلا.. إن كل ما نراه من خصومات ونقاشات وحروب ودماء هي انعكاس لرغبة التسلط لدى أفراد معدودين ولكنهم يدفعون البسطاء للمحاربة في سبيل رغباتهم وأوهامهم، عبر استغلال وتأجيج العواطف والانفعالات وتهييج النعرات والأيدولوجيات والتحيزات.

فالبعض يحشد الجماهير تحت راية العقيدة والدفاع عن الدين والبعض يستغل راية الوطن الذي ينبغي أن ندفع نفوسنا رخيصة في سبيله… والبعض يشتري المرتزقة بالمال ليحاربوا من أجله… وفي الأخير، وعند وصول أي من هذه النماذج إلى السلطة سنجد أنها لا تختلف في شيء عمن سبقها، بل هي تكرار ممل لأنواع من الدكتاتوريات لا أكثر ولا أقل.

إن اشتراك كل هذه الدعوات في القاعدة الأساسية وهي الجهل والتعصب وإن اختلفت أنواعه واتجاهاته تجعل من النتائج غالبا واحدة وكارثية… فالمواطن في السودان أو أفغانستان (الإسلامية) عانى كما يعاني أخوه المواطن في سوريا أو العراق (البعثية) أو في ليبيا (الجماهيرية) أو في المغرب أو دول الخليج (الملكية) أو في غيرها من المسميات المختلفة من (جمهورية) أو (ديمقراطية).

إن كل هذا الهراء والتصنيفات لم تغير من واقع إنساننا عبر كل هذه العقود، فهو مجرد إنسان مقهور بأنواع مختلفة من التسلطات… كان القاسم المشترك بين كل هذه الدول هو احتقار الإنسان وتحويله إلى مجرد مادة استعمالية يستخدمها السادة الحاكمون لإشباع رغبات التسلط والتحكم لا أكثر ولا أقل.. وما لم نغير هذه المعادلة بالاهتمام بالإنسان أولا قبل كل التصنيفات الأخرى.. والتأكيد أن حياته وكرامته فوق كل ألاعيب الطامعين في الحكم وثعالب السياسة والمال، فإن ما نقوم به هو مجرد استعباط وتكرار لتجارب فاشلة، مهما رفعنا أصواتنا واصطنعنا من خصومات وحروب!

للكاتب أيضا: 

رأي- المغضوب عليهم والضالين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى