اخبارالرئيسيةعيون

مهربو الوقود في تونس قلقون من إلغاء دعم المحروقات الليبية

العربي الجديد-

تثير توجهات الحكومة الليبية نحو إلغاء دعم الوقود قلقاً متزايداً لدى ما تعرف بأسواق الظل على الحدود مع تونس التي نشطت في تهريب الوقود وسلع أخرى للاستفادة من فارق الأسعار، حتى أضحت شرائح من سكان المناطق الحدودية جنوب تونس تعتمد على هذه الأنشطة في العيش.

ووفق رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، لا قضاء على ظاهرة تهريب الوقود إلا برفع الدعم عن المحروقات، مقترحاً استبداله بالدعم النقدي للمواطنين.

وأشار الدبيبة في تصريحات مؤخراً إلى أن نصف ميزانية ليبيا تذهب في دعم الوقود حتى إن أرقام الدعم أصبحت مخيفة. وأوضح أن الدولة تشتري الوقود بنحو 3.5 دنانير وتبيعه بـ 0.15 دينار (0.031 دولار).

وتخسر ليبيا ما لا يقل عن 750 مليون دولار سنوياً نتيجة أنشطة تهريب الوقود غير الشرعية، كما زادت مخصصات دعم الوقود في ليبيا لتتجاوز 12 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار مقارنة بعام 2021، وفق البيانات الرسمية.

ولتنفيذ خطتها شكلت حكومة الدبيبة خلال الأيام الماضية، لجنة لبحث حلول وآلية سداد المحروقات وتحديد كمياتها المحالة إلى شركات التوزيع المحلية مع وضع ضوابط ليستفيد المواطن من الكميات الموردة، على أن تنهي اللجنة المكلفة بالملف أعمالها قبل نهاية العام الجاري 2023. ويعتبر سعر المحروقات في ليبيا من بين الأرخص في العالم، وهو ما غذّى من عمليات تهريبه إلى دول الجوار.

وبينما يزيد تهريب الوقود من الهدر المالي للحكومة الليبية، فإنه يمثل من أبرز الحلول التشغيلية في محافظات الجنوب التونسي (قابس ومدنين وتطاوين) التي تصل إلى معدلات الفقر لدى سكانه إلى 17.8%، بينما تصل البطالة فيها إلى 24.8%، وفق أحدث البيانات المتاحة على موقع معهد الإحصاء الحكومي.

يقول الشاب التونسي الذي اكتفى بتعريف نفسه باسم فتحي، وهو ناشط في مجال تجارة المحروقات المهربة في منطقة بن قردان الحدودية، إن توجهات الحكومة الليبية لكبح تهريب المحروقات عبر تغيير أنظمة الدعم سيؤثر على فرع مهم في التجارة البينية الموازية (غير الرسمية) بين البلدين وقد يؤدي إلى خسارة مئات التونسيين لمصادر كسبهم.

يضيف المتحدث الذي فضل عدم الكشف عن هويته كاملة لـ”العربي الجديد” أن الضرر سيحصل للمهربين من الجانبين، معتبراً أن التجارة البينية فيها منافع متبادلة بين الطرفين.

ويوضح أن تجارة الوقود المهرب تعد جزءاً مهماً من التجارة غير المنظمة بين تونس وجارتها الجنوبية الليبية، غير أنها تحقق للعاملين فيها أرباحاً تعوّضهم عن نقص فرص العمل في المنطقة التي تشكو ضعفاً كبيراً في فرص العمل في منظمة تنعدم فيها التنمية في العديد من المجالات.

وكانت دراسة سابقة للبنك الدولي قد قدرت حجم كميات المحروقات المهربة عبر الحدود الليبية التونسية فقط بنحو 495 مليون لتر سنوياً، بما يمثل أكثر من 17% من استهلاك المحروقات في تونس.

ويستفيد تجار المحروقات المهربة من ضعف أسعار الوقود في ليبيا مقابل سعر مترفع في تونس، ما أدى إلى حدوث إقبال كبير على الوقود الليبي في أسواق الظل (غير المنظمة)، الأمر الذي تسبب في إفلاس عشرات محطات الوقود الرسمية التي تعمل في المنطقة.

وتوزّع البضاعة المهربة في كل محافظات الجنوب التونسي، لتصل حتى محافظات الوسط التي تبعد أكثر من 250 كيلومتراً عن منطقة بن قردان التي تعد منطقة التزود الرئيسية.

ويستخدم الناشطون في تهريب الوقود طرقاً عدة لإدخال السلع ومنها المعبر الحدودي الرئيسي في رأس الجدير أو طرق فرعية في الصحراء يجيد المهربون التحرك عبرها بعيداً عن المراقبة الأمنية، حيث تنقل السلع في خزانات الشاحنات الثقيلة ذات السعة الكبيرة، أو في صهاريج مخصصة لذلك.

ويقول حمزة المؤدب الباحث المختص في الشأن الليبي في معهد كارنيغي للشرق الأوسط، إن رفع الدعم عن المحروقات في ليبيا سيؤثر حتماً على تهريب الوقود إلى تونس.

ويشير المؤدب في تصريح لـ”العربي الجديد “إلى أن التهريب يستفيد أساساً من فارق سعر الوقود بين ليبيا وتونس، بينما يؤدي رفع أسعار الوقود في ليبيا وتحويلها إلى دعم نقدي مباشر للمستهلك إلى تأثيرات عميقة على شبكات التهريب على الحدود التونسية الليبية”

ويضيف: “هناك الكثير من محطات توزيع الوقود في الغرب الليبي التي تزود شبكات التهريب في تونس من بينها محطات تحصل على مخصصات من النفط ولكن لا وجود لها على الأرض”.

لكنه يلفت إلى المدى الزمني الذي قد تتطلبه عملية إلغاء الدعم عن الوقود وتحويله إلى دعم نقدي للمواطنين في ليبيا وهي عملية معقدة.

ويقول المؤدب “إذا ما سارعت حكومة الدبيبة في وضع الخطة فإن التأثير سيكون كبيراً ليس فقط على شبكات التهريب وإنما سيفاقم مشاكل تونس في السنوات المقبلة”.

وتشير التقديرات الرسمية الليبية إلى أن حوالي 25 مليون لتر بنزين يهرب يومياً، ويصل منه إلى تونس وحدها 4 ملايين لتر يومياً.

وعموماً تعتمد منطقة الحدود التونسية الليبية على التجارة غير الرسمية عبر الحدود، حيث تتسامح السلطات منذ سنوات طويلة في عبور السلع المهربة بين البلدين بغاية تعزيز الاستقرار الاجتماعي في منطقة فقيرة، مما دفع السلطات التونسية إلى اقتراح منطقة التجارة الحرة في بن قردان كحل.

وبينما تستفيد المالية العامة التونسية بشكل غير مباشر من تهريب الوقود الذي يقلص فاتورة الاستيراد الرسمية الباهظة، إلا أنها تشكو في المقابل من خسائر ضريبية تصل إلى 400 مليون دينار سنوياً (حوالي 129 مليون دولار) وفق دراسة أنجزنها مؤسسة “سيغما كونساي” للدراسات والإحصائيات. وفي عام 2015، قامت السلطات التونسية بتدشين حاجز مائي على حدودها مع ليبيا، في محاولة منها لكبح التهريب.

إلا أن عمليات التهريب تواصلت وارتفعت وتيرتها بسبب عدم استقرار الوضع السياسي في البلدين. وأخذت التجارة غير الرسمية بحسب دراسة لمعهد كارنيغي للشرق الأوسط صدرت عام 2022 شكل هيكل هرمي يتكون من 5 إلى 6 آلاف شخص يعملون بشكل مباشر في التجارة البينية غير الرسمية

يُقدر الخبير المالي خالد النوري رقم المعاملات المحقق من نشاط تهريب البنزين وحده بنحو مليار دينار تونسي سنوياً (حوالي 330 مليون دولار)، مؤكداً أن أرباح المهربين تصل إلى 25% من إجمالي هذا المبلغ.

ويقول النوري لـ”العربي الجديد” إن نشاط تهريب المحروقات مؤثر في التجارة البينية الموازية بين تونس وليبيا، غير أنه قابل للتعويض بأصناف أخرى من المواد التي تعبر الحدود بين البلدين بطريقة غير نظامية. ويشير إلى أن رفع السلطات الليبية الدعم عن المحروقات سيحول هذه التجارة إلى مادة مكلفة للمهربين.

ويرجح الخبير المالي التونسي أن يؤدي رفع الدعم عن المحروقات من الجانب الليبي إلى تغيير نوعية السلع المتبادلة بين المهربين من القطرين وأن تتوجه التجارة الموازية أكثر فأكثر نحو السلع الغذائية الحياتية المدعمة والأدوية المدعمة في تونس ما يزيد الضغط على الأسواق، مشيرا إلى أنه “سبق أن وجد المهربون إبان حائجة كورونا وتراجع الطلب على المحروقات في السوق الليبية أرضاً خصبة حيث زادت حينها تدفقات السلع التونسية نحو ليبيا، بما في ذلك السلع التي تدعمها الدولة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى