اخبارالرئيسيةعيون

المجالس الاجتماعية في ليبيا تحل مكان مؤسسات الدولة في الأزمات

العربي الجديد-

دفع عجز الجهات السياسية عن نزع فتيل الحرب التي اشتعلت على مدى يومين في العاصمة الليبية طرابلس، إلى الاستعانة بأعيان المناطق ومجالسها الاجتماعية لحلحلة الأوضاع، وإقناع أطراف القتال بالتوقف والحوار، وهو ما حدث بالفعل. ولم يمر أكثر من يوم حتى عادت الأوضاع إلى الهدوء.

ولم يخف رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، نجاح الأعيان في وقف المواجهات الدامية. وما إن تنفّست العاصمة الصعداء، حتى عاود اللقاء بهم بشكل رسمي، وطالبهم بالاستمرار في التدخل لتنفيذ الاتفاق الذي توصلوا إليه مع قادة الطرفين. في هذا الإطار، يوضح الناشط خميس الرابطي، أن ما حدث يشير إلى أن “القيم المجتمعية والأعراف لا تفقد فاعليتها من جهة، ويعزز نفوذ هؤلاء الأعيان في المشهد في وقت لا يبدو مناسباً، بسبب عدم استقراره من جهة أخرى”.

يضيف الرابطي في حديثه لـ “العربي الجديد”، أن “دور الأعيان وخصوصاً في طرابلس، قد يرفع من دور المجالس الاجتماعية في المناطق الأخرى”.

بدوره، يرى أحد سكان عين زاره الذي كان مسرحاً للمواجهات المسلحة منتصف الأسبوع، رضا الحسوني: أن “الاتجاه صحيح. منذ سنوات، تتوالى الحكومات ولم تفعل شيئاً، ولاحظنا أن كل المشاكل التي يتدخل لحلها الأعيان والجانب الاجتماعي تنجح سريعاً”.

ويعرب عن تفاؤله بتداول وسائل الإعلام الأنباء عن تدخل المجلس الاجتماعي في سوق الجمعة لوقف الحرب. ويقول: “أعتقد أن الشيء الوحيد الذي يحسب للحكومة هو أنها اختارت التوجه لأعيان منطقة سوق الجمعة التي ينتمي إليها آمرا الفصيلين المتصارعين، وبالفعل وصل الأعيان إلى حل سريع”.

يضيف: “لو تركت الأزمة السياسية برمتها للمشايخ والأعيان، لجرى حلها خلال مدة قصرة. فأطماع الساسة وصراعاتهم لا تختلف عن دوافع ومصالح المسلحين ومعاركهم”

من جهته، يلفت أحد أعيان منطقة سوق الجمعة سالم المعلول، إلى أن ليبيا بلد شاسع الأطراف ومتعدد الأعراق والمكونات الاجتماعية والثقافات. ولطالما كانت القبيلة هي الضامن الوحيد لمعيشة واستقرار سكان البلاد في الماضي. ويقول إن “النسيج الاجتماعي متماسك بقوة. واجهت البلاد هزات عنيفة منذ بدء الاحتلال الإيطالي الذي عمل على استغلال البعد القبلي لإشعال الخلافات القديمة بين الأطياف المجتمعية، والتي تركت آثارها على الحياة السياسية فيما بعد. وعندما استقلت البلاد عام 1951، استقلت على أساس فيدرالي يقوم على التحالفات القبلية في الأساس. إلا أن كل ذلك لم يفت في عضد القبيلة وقوتها، لتتعافى سريعاً كما في كل مرة”.

يضيف المعلول في حديثه لـ “العربي الجديد”: “إذا نظرنا إلى سنوات الأزمة الأخيرة رغم قسوتها، يظهر أن انتماء الليبي لقبيلته أو جهته الاجتماعية لا يزال قوياً، ويؤثر في قراره وموقفه حتى وإن كان قائداً مسلحاً ولديه معسكرات ونفوذ”. ويشدد على أهمية الدور الاجتماعي كضامن للاستقرار، ويقول: “في الساعات التي تلت اندلاع القتال في طرابلس، كان الدور الاجتماعي قائماً. وساعدت اتصالات الأعيان بأطراف الصراع فرق الإنقاذ على المرور لفتح ممرات آمنة للأسر، ولا يخفى أن النازحين من بيوتهم لم تستقبلهم الدولة وتؤمن لهم السكن بل أقاربهم. وبعض المواطنين استقبلوا أسراً لا يعرفونها سابقاً بدافع اجتماعي وإنساني”.

ويؤكد أحد مخاتير منطقة الفرناج التي كانت هي الأخرى مسرحاً للحرب عبد الحكيم أنبيص، أن “اتصالنا بالطرفين نجح في وقف القتال لساعتين تقريباً استجابة لمطالبنا بأن تمر الأسر والعائلات العالقة في مناطق الاشتباكات. وكان للجهود الأهلية الاجتماعية دور حتى في مساعدة فرق الإسعاف ونقل الجرحى”، مشيراً إلى أن “الأعيان يشكلون حالياً جهوداً للضغط على السلطات من أجل صرف تعويضات لمن تضررت ممتلكاته أو منزله”

ويجدد الرابطي التعبير عن مخاوفه من اتجاه الأوضاع للتعويل بشكل أساسي على الأعيان والمجالس الاجتماعية. ففي وقت يقر “بضرورة حضور الجانب الاجتماعي، إلا أن المظهر الذي ظهر به الأعيان خلال الأزمة الأخيرة يؤدي إلى تهرب القادة السياسيين من مسؤولياتهم”. ويلفت إلى “وجود أخطاء في فهم الدور الاجتماعي وفعاليته”، متسائلاً: “أليس من المفترض أن يقوم هؤلاء الأعيان بإطلاق خطاب مجتمعي يقوم على توعية الشباب بمخاطر الانخراط في التشكيلات المسلحة؟ فالواقع أن المسلحين مدنيون ينتمون إلى أسر وعائلات يقودها هؤلاء الأعيان. فكيف لنا أن نفهم تركهم الشباب ينخرط في القتال ثم يقومون بأدوار لوقف القتال؟”.

ويتابع الرابطي حديثه قائلاً: “من مظاهر مضار الدور الاجتماعي، تشكل المشهد السياسي وفقاً لمنطق وعقل القبيلة. فالمناصب السياسية يجري تقسيمها بالمحاصصة بين القبائل والمناطق، وحتى المناصب العليا في القضاء والمحاكم. وإذا استمر هذا الدور، قد يتطور ليكون مظهر الصراع المقبل”.

بدأ القتال في وقت متأخر من مساء الاثنين الماضي، بعد احتجاز قوة الردع الخاصة، التي تسيطر على مطار معيتيقة الرئيسي بطرابلس، محمود حمزة قائد اللواء 444 أثناء محاولته السفر. وتوقفت الاشتباكات بعد اتفاق قضى بتسليم قوة الردع الخاصة حمزة لجهاز دعم الاستقرار، وعودة المقاتلين إلى قواعدهم، حسبما أعلن شيوخ المدينة الذين تفاوضوا على الاتفاق عبر شاشات التلفزيون.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى