الراي

رأي- هل غيّر لقاء أبوظبي مسار التسوية السياسية في ليبيا؟

* كتب/ السنوسي بسيكري

نقطة في غاية الأهمية يمكن أن تساعد في فهم ما جرى خلال لقاء فايز السراج وخليفة حفتر بأبوظبي، هي أن الأخير ليس في موقف ضعف ليقبل بما كان يرفضه بقوة منذ أسابيع قليلة، أي خضوعه لسلطة مدنية ورضوخه لقيادة غير منتخبة.

المنطق وطبائع الأشياء تدفعنا للقول بأن ما تحقق لخليفة حفتر في الجنوب من مكاسب تجعله يشرئب بعنقه إلى السماء لا أن ينظر تحت قدميه، وهو العسكري الذي ينزع بجنون إلى القوة لتحقيق الغايات.

إذا تأكد أن حفتر قبل بتسوية سياسية، فإن عاملا آخر أسهم في دفعه للتخلي عن تعنته ورفضه للسراج والمجلس الرئاسي.

 

مقاربة استثمار الفراغ وممارسة الضغوط والتفكيك وتغيير الولاءات بوسائل عدة أثبتت نجاعتها في بنغازي وبوضوح ونتائج أكبر في الجنوب، ويمكن أن تنجح في المنطقة الغربية، فالتأييد لحفتر ليس محدودا في مدن عدة غرب البلاد، وهناك أطراف سياسية واجتماعية وعسكرية يمكن أن تنضم لحفتر إذا أقدم على الدخول للعاصمة، هكذا تبدو الأمور لحفتر وأنصاره، فلماذا يقبل بما اعتبره يوما استصغارا له؟!

لماذا غير حفتر موقفه؟

 

معطيات عديدة تشير إلى أن الأقرب هو أن ينساق حفتر لغريزته ويستجيب لنزوعه لاستخدام القوة لفرض الإرادة وتحقيق التغيير الذي ينشده، وينطلق من الجنوب لاكتساح المناطق المتاخمة له في جنوب غربي العاصمة ويتقدم شمالا.

لذا، وإذا تأكد أن حفتر قبل بتسوية سياسية، فإن عاملا آخر أسهم في دفعه للتخلي عن تعنته ورفضه للسراج والمجلس الرئاسي، عاملا ضاغطا أكبر من أن يتخطاه حفتر ويلتف عليه، هذا العامل هو التدخل الأمريكي المباشر لترتيب الوضع عبر العصا والجزرة.
ليس هناك من طرف قادر على إرغام حفتر على القبول بما دأب على رفضه إلا واشنطن، فالأطراف الداعمة للمشير لا تقوى على لجمه، نعم يمكن أن ترفع عنه الدعم جزئيا في محاولة لفرض بعض ما تراه في مصلحتها، لكنها لا تقوى على تغيير مساره الأساسي حتى إذا رغبت.

 

لكن بالمقابل فإن سيناريو فرض واشنطن على حفتر مقاربة سياسية مناقضة لمساره في الوصول لغايته لا يمكن أن يكون بلا مقابل أو ضمانة أن لا تذهب جهوده طوال خمس سنوات سدى لينتهي به الحال إلى منصب لا تأثير حقيقيا له، وهنا يقع المأزق ويكمن الخطر.

اتفاق ملغوم

ما تناقله بعض من لهم صلة بدوائر صناعة القرار أو حواشيها يتحدثون عن اتفاق لا يمكن أن يكون بديلا أفضل للاتفاق السياسي الراهن، بل هو استفراد سيؤجج الصراع، ولا يمكن تمرير اتفاق كهذا سياسيا إلا من خلال مظلة جامعة تشرعنه، وعسكريا عبر إدماج طرفين رئيسيين فيه، هما كتائب طرابلس ومدينة مصراتة ممثلة في مكوناتها السياسية والاجتماعية والعسكرية.

 

أي اتفاق لا مظلة جامعة تغطيه وقوة فاعلة تدعمه سيكون صعب التنفيذ، إذ إن المعارضة يمكن أن تكون كبيرة ليس فقط في الغرب الليبي بل أيضا في الشرق، فمن المتوقع أن يضاعف الاتفاق من تهميش البرلمان، وتقزيم دور ووزن رئيسه، بالإضافة إلى أن انتقال حفتر وقواته للعاصمة يعني ترك مدن الشرق خاصة بنغازي لوضع قد يقود إلى تأزيم وربما فوضى.

اتفاقات “الفجأة” عمرها قصير جدا حتى لو تم الضغط لتمريرها؛ والإصرار على تنفيذها بالقوة سيفضي إلى تفجر صراع قد يكون خطيرا ومريرا، فالطبيعة الاستفرادية للاتفاق يمكن أن تسهم في تعبئة وتكاثف قوى أمنية وعسكرية مواجهتها قد لا تكون شيئا مماثلا لما وقع في الجنوب أو حتى في بنغازي.

 

ما أردت قوله هو أن حفتر لا يمكن أن يقبل إلا بالتفرد والهيمنة على القرار العسكري بل وحتى الأمني، وهذا في حد ذاته يعني السعي لترويض كافة الفاعلين وإقصاء وحتى استئصال من يرفض الخضوع، وهو ما تتوقعه وتتخوف منه القوى الرافضة له.

والخلاصة عندي أن الحديث عن تسوية ناجزة لا يمكن أن تكون ممكنة إلا بمباركة كتائب طرابلس ومكونات مصراتة، وفي حال وقع الاتفاق وهذه بعيدة عنه فهو اتفاق هش وبالون اختبار لا يختلف عن سوابقه من لقاءات واتفاقات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى