الرئيسيةالراي

رأي- أزمة ما بعد توافقات الحوار السياسي.. أين الخلل؟

* كتب/ السنوسي بسيكري،

حالة من التفاؤل سادت الأوساط السياسية والاجتماعية وحتى الأمنية بعد التوافق الذي وقع بين الفرقاء الليبيين وأنتج السلطة التنفيذية الجديدة ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.

لكن الفرحة لم تدم طويلا، فقد دخلت البلاد منعطف تأزيم بات يهدد ما تحقق من مكاسب، ويدفع المسار السياسي إلى دهاليز ومزالق أقل ما يقال فيها إنها لن توصلنا إلى بر الأمان.

يمكن إرجاع العقبات الرئيسية التي ترسم مشهد التأزيم إلى فشل المسار الأمني وإخفاق لجنة 5+5، فقد انتهت المدة الزمنية لتنفيذ الاتفاق الأمني والعسكري الذي تم توقيعه في (أكتوبر) الماضي دون أن يتم إخراج المرتزقة، أو فتح الطرق الرئيسية، أو أن تزال الألغام خاصة في الطرف الذي تسيطر عليه قوات حفتر.

والوضع على العكس تماما، إذ يمكنني القول إن وجود الفاغنر كوسيلة دعم عسكرية محدودة تحول إلى وجود روسي آخذ في التوسع والتغول، وانتشار القوات الروسية اليوم في الوسط والجنوب ينبئ عن ذلك، ولقد مثل ما وقع في دولة مالي مؤشرا خطيرا على تحول كبير في دور الفاغنر وانكشاف لمخطط روسي يتعدى مجرد تغليب كفة حفتر على حكومة الوفاق.

جمود المسار الأمني بل تحوله باتجاه تأزيمي أكبر يلقي بظلاله على المسار السياسي، إذ لم ينطلق المسار السياسي إلا بعد تحول كبير في الوضع الأمني الذي كان عنوانه هزيمة حفتر على أسوار طرابلس، وأي جمود أو تطور سلبي أمنيا يعني جمودا أو تطورا سلبيا في المسار السياسي، ولا يخفى على أحد أن القلق أو التوتر أو التأزيم الأمني والعسكري بات حكرا على حفتر فهو صانع التأزيم ومحركه. والنتيجة أن تحكم حفتر في صمام الأمن له تداعيات استثنائية على العملية السياسية.
من جهة أخرى، فإن التعقيدات والعراقيل التي تواجه المسار السياسي وفي مقدمتها الخلاف حول الأساس الدستوري والمناصب السيادية قابلة للحل، إلا ما يتعلق منها بالمشير، فتلك لا يمكن تجاوزها، كما أن الضغط لتمريرها سيكون بمثابة إعلان حرب بالنسبة لحفتر.

الأمازيغ، وهم من أبرز معارضي مسودة الدستور التي أنتجتها الهيئة المنتخبة، يقبلون بمقترح اعتماد المسودة كقاعدة دستورية لدورة واحدة، ويمكن أن تقيس مواقف كل أو جُل المتحفظين على المسودة على موقف الأمازيغ، لكن حفتر لن يقبل بها لأنها ببساطة تدفعه خارج حلبة التنافس السياسي، والأسباب منطقية من بينها اشتراط المسودة تخلي المترشحين للرئاسة عن الجنسية غير الليبية قبيل الانتخابات بسنة، مع التنبيه أن المقترح الأول كان لخمس سنوات ثم خفض إلى سنتين ثم إلى سنة واحدة، ولا أستبعد أن يكون من ضغطوا في هذا الاتجاه قد قاموا به لأجل “سواد عيون حفتر”.
والأمر لا يختلف كثيرا في ما يتعلق بالمناصب السيادية، فمع إقرارانا بأن الموضوع له اقتران باتجاهات جهوية وبمطالب تفكيك المركزية، إلا أن التوافق ممكن لمعالجة هذه التحفظات، غير أن حفتر لن يقبل بغير التحكم والتفرد بقرار الأمن والمال في البلاد، ولقد وقع هذا بجلاء من خلال تحكمه المطلق في القرار العسكري والقرار المالي في الشرق، فلم يسمح للبرلمان الذي يعينه أن يستجوبه حتى على سبيل ذر الرماد في العيون، وصار المصرف المركزي بالبيضاء يقدم نفقات “الجيش” على كل شيء حتى قاربت تلك النفقات 50% من الإنفاق العام خلال الست سنوات الماضية.
أما التركيز على وجود المرتزقة وضرورة إخراجهم من البلاد كشرط لنجاح التسوية السياسية وتحول ذلك إلى موقف دولي، أمريكي أوروبي وحتى إقليمي، فهو أيضا ملف متصل بحفتر، فقد تورط في جلب المرتزقة السود والبيض ومن ملل ونحل مختلفة، وهو الذي استقدم المرتزقة الروس لليبيا فباتوا يشكلون خطرا كبيرا في منطقة نفوذ ومصالح غربية، حتى إن أمرهم خرج عن سيطرة حفتر، وبات تحييدهم يتطلب جهدا أمريكيا أوروبيا أكثر من سياسي ودبلوماسي.
قد يقول قائل وماذا عن مليشيات العاصمة ومدن الغرب، والرد هو أنه مع الإقرار بأنهم جزء من الأزمة وأن جراب مساوئهم ليس بصغير، إلا أن تهديدهم ينحصر في نفوذ ومصالح محدودة، فهم لم يتطلعوا إلى السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ولم يقفوا ضد توافقات الليبيين، كما هو موقف حفتر دوما.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى