اخباراقتصادالرئيسية

الليبيون يرزحون تحت “التضخم المستورد”: الغلاء يطاول السلع الأساسية

العربي الجديد-

يُقارب خبراء الاقتصاد مدى تأثر أي دولة بالأزمات الاقتصادية العالمية بِمستوى اعتمادها على الاستيراد، وتضع مثل هذه المقاربة ليبيا ضمن الدول الأكثر تأثراً بالغزو الروسي لأوكرانيا.
ومما يشير إلى صحة هذه المقاربة واقع الحال في ليبيا، فقد شهدت أسعار السلع الغذائية الأساسية فيها تضخماً مفاجئاً منذ بدء الحرب الأوكرانية، وصلت مع السلع المستوردة إلى 60%، والمحلية إلى 30%، بحسب تقديرات الخبير الاقتصادي الليبي سلامة الغويل.
يستغرب صاحب محل بقالة في طرابلس، عبد الله الغرياني، هذا التسارع في معدل الأسعار، ويقول لـ”العربي الجديد”: “لا نستطيع المواكبة حتى في وضع ملصقات الأسعار التي تتغير كل يوم نورّد فيه بضائعنا من تجّار الجملة. لقد وصلت قنينة زيت الذرة إلى 12 ديناراً، وكانت بـ8 دنانير قبل أسبوعين”.
مضيفا: “جل ما يقع علينا نفسياً هو الحرج من الزبائن، مع تأثر المبيعات قليلاً بسبب الغلاء. ولكن ما يحدث لزبائني من ذوي الدخل المحدود أفظع بكثير، والمشكلة أن الغلاء أصاب السلع التي يصعب الاستغناء عنها، بدءاً من الخبز والزيت، وصولاً إلى كل ما قد يوضع على المائدة”.
من جانبه، يصنف الخبير الاقتصادي الليبي عبد الحميد الفضيل المتأثرين في ليبيا بهذه الأزمة بذوي الدخل الثابت، والدخل المتغير. وتبعاً لذلك، يُعتبر صاحب البقالة من الفئة الثانية “قليلة التأثُّر بما يحدث”. أما الفئة الأولى فلا حيلة لها مع الدخل الثابت، والذي ينتج غالباً من وظيفة في دولة ريعية تعتمد على منتج واحد يستخرج من الأرض، كحال ليبيا واعتمادها بشكل شبه كلي على النفط طيلة نصف قرن.

يسمّي علم الاقتصاد مثل هذه الأزمات بـ”التضخّم المستورد”، التي قد تحدث بسبب ارتفاع مؤشر درجة الانكشاف الاقتصادي، الذي يعبِّر عن إمكانية تعرض اقتصاد أي دولة للاختلال نتيجة ظروف تحيط بالتجارة الخارجية، ويُحسب المؤشر بقسمة مجموع قيمتي: الصادرات والواردات على الناتج الإجمالي المحلي.
ويقدِّر الفضيل، خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، مؤشر درجة الانكشاف الاقتصادي في ليبيا بـ85%، وهو معدل مرتفع جداً، وسَهْل التأثر بارتفاع الأسعار العالمية، وهذا تحديداً ما وقع تزامناً مع الحرب التي تشغل العالم الآن وتهز اقتصاده، بحسب رأيه.
ويفصّل الفضيل أسباب الارتفاع المفاجئ والكبير في أسعار الغذاء في ليبيا بسببين. الأول خارجي مؤثر، والثاني داخلي أقل تأثيراً، مرجعا العوامل الخارجية “لارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، متأثرةً بالفاقد الناتج عن غياب إنتاج روسيا وأوكرانيا عن الأسواق، بالإضافة لتأثر الأسواق العالمية بالحرب وتداعياتها، وكذلك العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي، المنتج الأول للطاقة، وتأثيرها على أسعار النفط والغاز المشغّلين الرئيسيين للمصانع”.
من جانبه، يضيف سلامة الغويل، في حديثه لـ”العربي الجديد”، جزئية أخرى متعلقة بعدم تعافي الاقتصاد من تداعيات كورونا، من خلال تعطل سلاسل الامتدادات، وارتفاع تكاليف الشحن والنقل، واستمرار أزمة نقص الحاويات، واصفاً مزيج الأزمات هذا بـ”التداخل الهدّام”، وهو طرح يسانده الفضيل، ويستشهد له بإحصائيات منظمة الأغذية والزراعة FAO التي تتحدث عن ارتفاع كبير جداً حصل في أسعار الغذاء خلال عام 2021 بنسبة تراوحت بين 27 إلى 28%.
ويعتقد الفضيل أن الأحداث مجتمعة صنعت نوعاً من النظرة التشاؤمية حول المستقبل، أو ما يسمى بـ”ظروف عدم التأكد في الاقتصاد”، ولهذا يرى أن استمرار الحرب قد يدفع لارتفاع أكبر في أسعار الغذاء، في دائرة مفرغة، مفصلا رأيه بالقول “الدول المنتجة للسلع، وكذلك المؤسسات والتجّار، ستحاول تخزين كميات أكثر من السابق، وهذا سيؤدي لانخفاض المعروض من السلع”.

ويضيف أنه “مع تزايد حجم الطلب، فإن الدول غير المنتجة ستحاول أيضاً زيادة مخزونها، وتجّارها سيقومون بالمثل، ما سيزيد الطلب أكثر. ومع انخفاض العرض منذ البداية؛ ستتجه المحصلة لتسارع الارتفاع، طالما أن السلع ما زالت قابلة للتخزين”.
وتصل كل هذه المعطيات إلى السوق الليبي، لتستقبلها عوامل داخلية تزيد الأمر سوءاً، فشهر رمضان على الأبواب، وهو أكثر شهور السنة في معدلات الاستهلاك، وبحسب تصريح الفضيل “سيزيد التهافت على المواد الغذائية قبله وخلاله. هذا بالإضافة لِتبِعات احتكار بعض التجار السلع الأساسية. لقد جاءت الأزمة في وقت حسّاس، وفق قوله.
وضمن تداعيات الأزمة، يقِّدر الفضيل نسبة الإنفاق على السلع الغذائية في ليبيا بين 70 إلى 80% من حجم إنفاق الأسرة، وفي ظل ارتفاع أسعار الغذاء؛ سيعني الأمر انخفاض الدخول الحقيقية للمواطنين، محذرا من أن هذا التضخم قد يدفع لانتقال مجموعات “من المستوى المعيشي المتوسط إلى ما دون خط الفقر”، ما لم تُحل الأزمة.
ويطالب اقتصاديون ليبيون الحكومة والمصرف المركزي بالتدخل واتخاذ إجراءات تخفف من وطأة هذه الأزمة، قد تتمثل في دعم الأسر الفقيرة، أو السلع الأساسية، وبنسب لا تقل عن 40% .
وفي جانب آخر، يتوقع الفضيل عقد اجتماع لمجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، قد يتم فيه النظر في تعديل سعر صرف الدينار، أو تعزيز قيمته التي تقدّر الآن بـ0.55 وحدة حقوق سحب خاصة للدينار الواحد.

ويقدر الفضيل القيمة المطلوبة لتعزيز العملة المحلية بنسبة 25 إلى 30%، ما سينعكس، حسب رأيه، على رفع قيمة الدخول الحقيقية للأفراد، وبالتالي انخفاض أسعار السلع الأساسية المستوردة بنفس النِسب.
وفي العموم، يرى الغويل أن فرص الحل موجودة، وتكمن بالمقابل في استغلال ارتفاع أسعار النفط، خاصة مع استقرار الصادرات الليبية عند 1.2 مليون برميل في اليوم، شريطة الحيطة من أن الذهب الأسود سلاح ذو حدّين، ما دامت الدولة تستورد جلّ السلع. وهذا يتطلّب الحذر وترشيد الاستهلاك إلى أن تمر الأزمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى