الرئيسيةثقافة

الربيع العربي حركة تاريخية فرضت قوانينها.. هل هي مؤامرة؟

عربي 21-

الكتاب: “الربيع العربي.. الثورات والارتدادات”
المؤلف: عبدالله النقرش
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2017

كشف الربيع العربي عن إمكانيات الفعل، وأعاد تعريف الإنسان العربي، الذي تبين أن عقود الاستبداد الطويلة لم تنل من قدرته على الحركة والثورة، وأن صبره الطويل عليها لم يحل دون وقوع “الانفجار”.

لقد أسقط هذا “الربيع” الجدلية التاريخية التي عوّلت عليها الأنظمة السياسية العربية، التي تجعل من الاستقرار والظلم بديلا عن الحرية، بحجة الفوضى الناجمة عن الحرية.

إن المتناقضات التي تعيش في ظلها الدول العربية كبيرة جدا، بحيث لا يمكن تجاوزها إلا بالثورة، باعتبارها الوسيلة الأكثر أصالة وجذرية في إحداث التغيير. ففي العالم العربي تجتمع السلطوية مع أشكال من التعددية السياسية، وتجتمع اقتصادات الإقطاع مع رأسمالية السوق واشتراكية الرعايا، وتجتمع أفكار الحداثة مع مقولات الرجعية..

هذه منطلقات أساسية يبني عليها عبدالله النقرش، أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية، مقولات كتابه في جزأيه؛ الأول الصادر في 2011، والثاني الصادر في 2017.

يركز النقرش في الجزء الأول من كتابه على علاقة الحاكم بالمحكوم، ويناقش إشكالية العلاقة بين الحرية والعدالة والديمقراطية، والتجربة العربية في الإصلاح السياسي. كما يبحث في معنى الثورة، وأهم دروس ثورات الربيع العربي. ويقدم دراسة تحليلية في أبعاد الحراك الثوري السياسي والاجتماعي العربي، ويتناول مسألة الدولة الأمنية العربية، والبعد الإسلامي في الربيع العربي وموقف اليسار منه.

أما الجزء الثاني من الكتاب فيناقش ارتدادات ما وصفه بـ “الزلزال” التي يراها قد تجاوزت المحلي إلى الإقليمي والدولي، ومحاولات احتواء الربيع العربي أو إحباطه، وأحيانا التكيف معه، بالإضافة إلى محاولة تفسير دور العامل الخارجي في هذه الثورات من خلال مشاريع التدخل، أو التوغل، أو الهيمنة، في إطار مفهوم التوظيف المصلحي، وبعيدا عن نظريات المؤامرة.

بداية النهوض

يقول النقرش، إن “ردود فعل الأنظمة السياسية العربية على الحراك السياسي والاجتماعي الراهن أكدت على أمرين، الأول أن استجابتها لدعوات الإصلاح والديمقراطية، السابقة على هذا الحراك، لم تكن أكثر من نفاق دولي، والثاني إن انعدام إمكانية الإصلاح الحقيقي كان هو السبب في حجم التضحيات الثورية الكبيرة، والعنف الرسمي المضاد لها”.

ويضيف: “أوهمت الأنظمة العربية مواطنيها أنها تتبنى برامج إصلاح سياسي، لكنها في معظمها اقتصرت على إجراءات شكلية.. وكان كل ذلك تحت سيطرة الحكومات ووفقا لتوجهاتها، الأمر الذي لم يفتح الباب لتجارب ديمقراطية حقيقية.. كان من شأن ذلك أن زاد من اتساع الفجوة بين الحاكمين والمحكومين، ما أدى إلى أن تكون الثورة بمعناها العميق هي الخيار الاجتماعي السياسي العربي كما يبدو في مرحلة الربيع العربي”.

لذلك فإن شيوع التحرك الشعبي من المشرق إلى المغرب الأقصى لم يكن مجرد نتيجة لتأثير الثورتين المصرية والتونسية، وليس مجرد استجابة لعملية “تصدير الثورة”، إنما هو تعبير عن رغبة وعزم أكيد على إحداث التغيير.
بحسب النقرش فقد أقرت الثورات العربية جملة من الحقائق الموضوعية ليس من السهل التغاضي عنها مثل: إن ما يجري هو حركة تاريخ، وليس حركة نشطاء سياسيين وحسب، ستفرض قوانينها. وأن الشعوب العربية تجاوزت حكامها، وأن التاريخ الحقيقي لهذه الأمة هو بالأصل فعل الشعوب وليس فعل “الأبطال المزورين” الذين يركبون الموج ويهدرون باسم الناس، وأن الاستبداد السياسي هو العدو الأول للمجتمعات والكرامة الإنسانية، وأن الدولة الأمنية قاصرة عن فهم الحياة الإنسانية، وأن الكرامة الشخصية والحرية الفردية والوحدة الوطنية هي مركبات أصيلة في الذات العربية، وأن هذا الربيع العربي ليس فقط بداية النهوض إنما أيضا هو بداية الخريف لكل المشروعات النقيضة للمشروع العربي، ولا سيما المشروع الصهيوني من حيث أصوله وامتداداته في المنطقة.

احتواء وتكيّف

يشرح النقرش كيف سعت الأنظمة العربية إلى احتواء الربيع العربي، وبما يتفق مع أهداف القوى الدولية والإقليمية والمحلية، عبر مجموعة من الوسائل تنوعت وفقا لظروف كل حالة. فمثلا تم تقديم الدعم العسكري لقوى الثورة المضادة في ليبيا من مصر والإمارات، وفي المقابل تم دعم بعض الفصائل المحسوبة على الثورة السورية من قبل المملكة العربية السعودية، بمعنى أن الدعم العسكري استخدم بشكل متناقض لا يمكن تفسيره إلا باعتباره أداة من أدوات الاحتواء السياسي.

وهناك أيضا الدعم الاقتصادي والمالي لقوى الثورة المضادة، بشكل مباشر، أو عن طريق الاستثمارات التي تعزز قوة الأنظمة المتضررة من الثورات. فضلا عن الدعم الإعلامي والدبلوماسي، والعمل على تشكيل تحالفات سياسية إقليمية أو دولية للتأثير على تطورات الأحداث الإيجابية أو السلبية التي صاحبت الربيع العربي.

وفي هذا السياق يتناول النقرش بالتفصيل مواقف مجموعة من الدول العربية من هذه الثورات، وتحديدا دول الخليج العربي، مؤكدا على أن مواقفها اتسمت في أحيان كثيرة بالتناقض لأنها ارتبطت بشكل أساسي بأولوياتها ومجالات التنافس بينها، ومصالحها على الساحة التي يجري التدخل فيها.

على جانب آخر فإن هذا “الزلزال” الذي ضرب بعض الدول العربية دفع بعضها الآخر لمحاولة “التكيف” مع مطالب الحراكات الاجتماعية والسياسية، والمبادرة إلى الإصلاح، بدءا من استخدام خطاب سياسي مهادن يتبنى بعض شعارات الربيع العربي، والتبشير بمرحلة جديدة تفتح فيها أبواب الحوار مع مختلف القطاعات والقوى الاجتماعية والسياسية، مرورا بإجراء تعديلات قانونية وسياسية وفق صياغات معينة يتولى تنفيذها أعضاء من المؤسسات القائمة والنخب السياسية التقليدية التي تفهم حدود ما هو مطلوب، والعمل على إيجاد حلول جزئية للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالحدود التي يقبل بها النظام الحاكم. وانتهاء بتشجيع القوى الموالية للنظام لأخذ زمام المبادرة في الحياة السياسية، عن طريق المشاركة في الانتخابات، وتشكيل الأحزاب، حيث جرى تسويقها إعلاميا باعتبارها قوى إصلاحية وشعبية. من هذه الدول الأردن والمغرب والجزائر.

يقول النقرش إن ذلك قد لا يشكل مقدمة كافية لإيجاد دولة مدنية حديثة وديمقراطية، لكنه أدى إلى البدء في تحقيق مكتسبات يمكن البناء عليها، متسائلا في الوقت نفسه: إلى متى يمكن الاكتفاء بهذا؟ وإلى أين يمكن أن يصل تطور الأحداث والظروف؟.

 

ليست مؤامرة

في الحديث عن دور العامل الخارجي في ثورات الربيع العربي يرى النقرش أن ثمة افتراض شائع في العالم العربي مرتبط بنظرية المؤامرة، يحيل كل ما يجري إلى إرادة خارجية، تخطيطا وتنفيذا وأهدافا. وذلك بسبب وعي تاريخي متراكم يركز على التسليم بنوع من التأثير الحاسم لما يسمى بالعامل الخارجي ينعكس في حركة الأمة السياسية، ويتدخل في ردود فعلها، وبرامجها وخطابها.

يقول النقرش: إن هذه الطريقة في التفكير “تمت تغذيتها بواسطة أجهزة الأنظمة السياسية والأمنية والإعلامية من جهة، وبواسطة الرؤية الأيديولوجية للتاريخ والسياسة من جهة ثانية. وهذا التوجه ساهم إلى حد كبير في ديماغوجيا التبرير والإحالة، للمسلكيات غير المسؤولة لصناع القرار والحكام. وجرى توظيف ذلك في إحكام سيطرتهم على مجتمعاتهم وضبط حركتها ووعيها. وأدى إلى خلق حالة من الوعي الزائف الذي يدفع حكما إلى اللجوء لنظرية المؤامرة ودورها في تفسير الأحداث، وبما يتناقض مع الوعي العلمي الحقيقي، والفهم الصحيح للوقائع التاريخية”.
ويعود النقرش للتأكيد على أن ما يجري في الواقع من حراك يرجع أساسا إلى جملة من العوامل والأسباب الداخلية الخاصة بكل شعب عربي، وأن أدوار القوى الدولية تعتمد على تكييف مواقفها مع التحولات الجارية، حيث تسعى لتوظيف نتائج هذه التحولات بما يتناسب مع مصالحها وغاياتها. إنه دور يتعلق بالنتائج أكثر منه بالمسببات.

يقر النقرش في خاتمة كتابه بأن “قوى الثورة الجماهيرية لم تكن تملك البدائل الجاهزة والمؤثرة، ما جعل مقدمات الثورة المضادة تهيمن على نهايات الحراك الجماهيري. ولذلك كان الخطاب السياسي الإرضائي مقدمة لإقناع الثوار بإنجاز مهمتهم، بينما تصدت قوى الثورة المضادة العسكرية أو الأحزاب التقليدية ببناها المتوارثة لاستيعاب الثورة بأقل مستوى من التغيير المطلوب، ما أدى في الواقع أن لا تحكم الثورة… لكن الأهم من ذلك أن الحقائق الموضوعية التي ترتبت على هذا الحراك التاريخي تؤكد احتمالية استئنافه، وبقوة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى