الرئيسيةالراي

استمرارا للفوضى.. وبعيدا عن تطلعات المهزومين. طالبان

* كتب/ هشام الشلوي،

في عالم عربي وإسلامي مهزوم باعد الفعل التاريخي منذ معاوية بن أبي سفيان، وحقبة الاستعمار، والدول الوطنية التي جاءت بعده، -باعد- بينه وبين إمكانيات الحكم الرشيد وتسلل اليأس إلى كل أركانه، وتمكن من عقول نخبه، وشُلت قدراته على التفكير القويم، وتفسخت فاعليته الاجتماعية، ورضخ لجبرية تاريخية أصلها الاستكانة والضعف والهزال..

في مثل هذه الأجواء يتطلع المهزومون من أمثالنا إلى بقع ضوء تتلألأ هنا أو هناك، لتختفي بعدها، ثم يدب اليأس في أوصالنا مرة أخرى، أشد مرارة وألما.

المدخل التاريخي يلمح إلى أن رحلة فقد القدرة بدأت مع توريث معاوية لابنه الفاسق يزيد عرش الخلافة، وهذا يعني التنازل عن القيم الإسلامية الرشيدة في الحكم، قاومت المجتمعات طوال عقود وحاولت الاحتفاظ بجزء من حيويتها، لكن طرق الاستبداد كانت أشد وأصعب وأفظع من أن تستمر المقاومة إلى ما نهاية، المقاومة التي لا ترجع إلى القيم الأولى في الحكم يدور عليها الزمن ويلفها بغطائه الكثيف.

المدخل التاريخي يخبرنا أيضا أن الاستبداد الذي دشنته كل دول الخلافة لم يكن بتأثير قوى أجنبية فرضت إرادتها على إراداتنا، بل كان تشبثا محموما من الخلفاء أدى في نهاية الصراع إلى تسلمنا خرقا بالية للدول الاستعمارية في العصر الحديث.

اليأس دفع بعضنا بسرعات شبه مجنونة إلى الاستبشار بسيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان

المدخل التاريخي على مستوى التحقيب الزمني ينتهي بنا إلى نتيجة مفادها أن جمع مدة جنايتنا على أنفسنا وإضافتها إلى جناية الدول الوطنية العسكرية الشمولية هي أطول بكثير من جناية الاستعمار علينا. وإن كان بعضنا يحاجج بأن الدولة الوطنية العربية الحديثة هي استمرار بفعل الاستعمار القديم.

تاريخنا السياسي مظلم وبالغ السوء، خاصة بعد البحث التاريخي الحديث الجاد، وما عادت الحجج بأن بعض الرواة كالطبري وابن الأثير وغيرهم كانوا رواة فقط يجمعون مختلف الروايات دون تمحيص، ما عادت تجدي في تغطية سوأتنا وعوارنا التاريخي السياسي.. أعي أن هذا اليأس دفع بعضنا بسرعات شبه مجنونة إلى الاستبشار بسيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان، وتمنى أن يعم نموذجها بعض عالمنا العربي والإسلامي المهزوم.. وبالتأكيد ثمة حق للمتطلعين المحبطين في عالمنا أن يركنوا إلى هذا التطبيق دون التفكير في عواقبه.

ولست بصدد التعرض لحجج الداعمين والرافضين لحركة طالبان، وأنا من الرافضين صراحة وجملة وتفصيلا لنموذجها، لا بسبب اتهامها بالتطرف الديني، أو تحولها البراغماتي، أو دعم المخابرات العسكرية الباكستانية الذي لولاه ما استمرت، أو استفادتها من التناقضات الروسية الصينية الإيرانية الأمريكية، ليس لكل هذه الأسباب مجتمعة؛ بل لأنها استمرار للفوضى التي تعم هذا البلد منذ أكثر من قرن، ولأن أفغانستان بلد محاط بقوى دولية غاشمة، اليوم تُعلي من طالبان ويمكن غدا أن تخفضها وتهزمها، ولأنها لا تمثل امتدادا لحراك اجتماعي في محيطها العربي الإسلامي أو الآسيوي، فهي ترس من لعبة كبرى لقوى صعبة المراس شديدة العنت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى