الرئيسيةثقافة

في ذكرى رحيل الناقد كامل عراب

* كتب/ إبراهيم حميدان،

تصادف اليوم** الذكرى الثالثة لرحيل الكاتب والناقد الليبي كامل الهادي عراب الذي توفي في مثل هذا اليوم من عام 2013 بعد مرض عضال لم يمهله طويلا.

الكاتب الراحل من مواليد الرجبان العام 1935، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة غريان، ونشأ في طرابلس، عمل مذيعًا مطلع ستينات القرن الماضي مع بداية تأسيس الإذاعة الليبية في طرابلس، وقد اتجه إلى إعداد وتقديم البرامج الثقافية التي لمع نجمه من خلالها، وكان يحتفي عبر برامجه تلك بنصوص الكتاب اليساريين من أمثال لوركا ونيرودا ومايكوفسكي وآراجون وغيرهم من أدباء العالم، وهو ماجعله في بؤرة التصنيف السياسي الأمني الذي كان سائدا آنذاك لدى السلطات الملكية، وإن كان النظام السياسي الملكي قد غض النظر عن هذا التوجه، إلا أن نظام القذافي لم يغفر لكاتبنا الراحل توجهه اليساري حيث تم اعتقاله وسجنه في عام 1973م خلال ماسمي آنذاك بالثورة الثقافية، وهي الفترة التي سجن فيها الكثير من المثقفين والأدباء والكتاب ذوي الاتجاهات السياسية اليسارية والقومية والبعثية من بينهم الكاتب الراحل عبدالله القويري ويوسف القويري وأمين مازن وغيرهم، وقد تعرض الكاتب الراحل خلال سجنه للضرب بالسياط وبعصا الفلقة، مثله مثل الكاتب الراحل عبد الله القويري، ويروى أن الكاتب الراحل كامل عراب قال يومها يصف عصا الفلقة التي كانت تنهال على قدميه:

ياما كلت من فلقة

ويا ما جرت في الساقية منطلقة..

والسوط على الكتاف ينزل يرقى

من كلب مايسواش حتى باره,,

برز كامل عراب كاتبا عبر الصحافة الأدبية منذ أواخر الخمسينات، وخاض معارك أدبية وثقافية دفاعا عن التجديد في الشعر والأدب والالتزام بقضايا الجماهير، ونشر مقالاته في صحف الستينات مثل: طرابلس الغرب ومجلة الإذاعة ومجلة المرأة وغيرها من المطبوعات، وقد جمع بعض مقالات تلك المرحلة في كتاب حمل عنوان “معارك الأمس. تميز كامل عراب بانتمائه إلى المدرسة الواقعية في الأدب ودفاعه عن هذا الاتجاه دون الوقوع في الشعاراتية والمباشرة، فقد كان أيضا مدافعا عن جماليات النص الأدبي، فالانتساب إلى الواقعية لا يعني إهدار الجوانب الفنية في العمل الأدبي، وفقا لرؤيته التي عبر عنها في أكثر من دراسة ومن مقال، وكان متابعا للجديد في الأدب محليا وعربيا وعالميا ومشجعا للأصوات الشابة، وقد كتب عن الكثيرين منهم وأذكر منهم القاصتين نجوى بن شتوان، وتركية الواعر .

تولى الكاتب الراحل كامل عراب خلال السبعينات إدارة التخطيط والبحوث بالمؤسسة العامة للصحافة، كما تولى في فترة لاحقة إدارة التأليف والترجمة والنشر بمعهد الإنماء العربي.

وفي أواخر التسعينات تولى رئاسة صندوق تنمية الإبداع الثقافي حين كان مقره الرجبان، قبل أن يتم تغيير اسمه إلى مجلس الثقافة العام وينقل مقره إلى بنغازي، كما ترأس تحرير مجلة الفصول الأربعة، خلال السنوات الأولى من التسعينات حين كان صديقه الأستاذ الأمين مازن أمينا عاما لرابطة الأدباء والكتاب الليبيين، كما تولاها في فترة أخرى بعد سنة 2000 حين كان المرحوم الدكتور علي فهمي خشيم أمينا للرابطة.

مؤلفاته

يعد االكاتب الراحل “كامل الهادي عراب” من أهم كتاب المقالة النقدية والأدبية في ليبيا

وقد صدرت له المؤلفات التالية:

1/ معارك الأمس.-طرابلس: المنشأة العامة للنشر،1986.-“سلسلة كتاب الشعب؛98”

2/ الكلمات.-طرابلس: المنشأة…،1986.

3/ عين على الواقع.-طرابلس: المنشأة…،1986.

4/ انتقام الغزلان المسحورة.-طرابلس: المنشأة…،1987.

5/ أوقات للتأمل.-طرابلس:،2006.

6/ بهجة الصمت رغبة الكلام.-طرابلس:،2006.

7/ وصل ما انفصل.-طرابلس:،2006

8/ اختلاجات الزمن الساخن.-طرابلس:2008.

9/ بنكهة الأدب أحياناً.-طرابلس:2008.

كما شارك بالكتابة في مؤلفين نقديين هما:

  • أراء في كتابات جديدة.-طرابلس: المنشأة العامة للنشر،1983.-“سلسلة كتابات جديدة”
  • دراسات في الأدب.-طرابلس: المنشأة العامة للنشر،1986.-“سلسلة كتاب الشعب؛100”

كامل عراب شاعرا

رغم أن الكاتب كامل عراب عرف ناقدا أدبيا إلا أنه في السنوات الأخيرة كتب نصوصا شعرية نشرها عبر الصحف والمجلات ثم جمعها في ديوان حمل عنوان “بهجة الصمت رغبة الكلام” صدر عام 2006 ومن قصائده نختار هذه الأبيات من قصيدة بعنوان “يفصل بيننا العويل”:

غلالة من بهاء وخصوبة

تتسربين بين إطلالة الغسق وهبة النسيم

القلب الذي ينهض متحاملا على أسقامه

تخذله الدورة الواهنة

تبتسمين فيغمر الكون ضوء باهر

وتزدحم الفضاءات باللآلئ

رجفة اللهفة التي لا تلبث أن تتحول إلى دوي بطيء

في قاع بئر مهجورة

أنا المعطوب

أتوكأ على عجزي في هذه المتاهات

جوانب من شخصيته

كان الكاتب الراحل دمثا ودودا محبا لأصدقائه، وجمعته علاقات طيبة بالجميع، وعلى الرغم من أن البعض يصفه بأنه جاف في التعامل، وأنه دائم التجهم والعبوس، إلا أن هذا انطباع الذي لم يعرفه عن قرب، أما الذين عرفوه عن قرب، فيعرفون أنه كان شخصية ساخرة من الدرجة الأولى، ويعرف المقربون منه محبته للفكاهة والضحك، والتعليقات المتهكمة ورواية النكتة على العكس مما كان يشيعه عنه البعض، ومن الطرائف الشهيرة التي كانت تروى عن “الحاج كامل” كما كنا نحب أن نناديه، أنه كان جالسا في مقهى ذات مرة رائق المزاج ، فلاحظ وجود الشاعر الجيلاني طريبشان الذي كان في بداية مشواره الأدبي يشق طريقه في الحياة الثقافية بدأب ومثابرة، وكان الأستاذ كامل عراب تربطه صلة قرابة بالشاعر الجيلاني طريبشان، فنادى الأستاذ كامل عراب الشاعر الجيلاني طريبشان واحتفى به وراح يتودد إليه بالكلام على غير عادته، ويقول له: شاعر وقريبي وابن منطقتي، يجب أن تزورني ونلتقي سويا باستمرار، فقد أساعدك في النشر وفي الولوج إلى الساحة الثقافية من خلال علاقاتي الشخصية بالوسط الإعلامي والثقافي.

كان الشاعر الجيلاني يستمع إلى كلام الحاج كامل مرتابا، وعندما أنهى كلامه، رد عليه الجيلاني قائلا: أنت تقول هذا الكلام لأنك الآن رائق المزاج، لكنك في الأوقات العادية يا أستاذ كامل تحرق على مسافة 4000 فرسخ !!

وصيته

قالت الصحفية أسماء سعيد في مقال لها عنه في موقع الوسط  في العام 2102 كان لي الحوار الأخير معه، قبل رحيله وقال فيه: “أملك مكتبة ضخمة جدًّا، فيها جُل ما كُتب عن الأدب والنقد والسياسة والفلسفة، لدي عناوين لأمهات الكتب أيضًا، الأدب العربي من الجاهلي وحتى هذا اليوم وأدب أميركا الجنوبية والشمالية والأدب الروسي.. أعتقد بأنَّ غالبية العناوين موجودة بها، ولأنَّ زوجتي سيدة لا تُعتَبر بعيدة عن الوسط هي الأخرى أتمنى أنْ تمنحها لمركز جهاد الليبيين ليتم الاستفادة منها لأعرف أنَّ مصير الكُتب صار في مكان آمن”.

وفعلا تم الالتزام بوصيته وإن لم يتم تسليمها إلى مركز جهاد الليبيين إلا أنها أهديت لمرفق ثقافي عام آخر لا يقل أهمية عن مركز الجهاد حيث تم إهداء مكتبته لبيت نويجي الثقافي في حفل أقيم بمناسبة الذكرى الأولى لوفاته في عام 2014، حيث خصصت له إحدى قاعات هذه الدار لتحمل اسم “مكتبة الكاتب كامل عراب ولتكون عونا للباحثين والدارسين والقراء عموما الذين يترددون على بيت نويجي للثقافة أحد الفضاءات الثقافية بالمدينة القديمة طرابلس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أمين عام رابطة الكتاب والأدباء

** توفي كامل عراب يوم (26 فبراير 2013م)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى