الرئيسيةعيون

عيون- حرب المعلومات الكاذبة… ترويج إلكتروني سعودي ــ إماراتي لحفتر**

 

* كتب/ رضا عيسى

 

فوجئ الباحث الإيطالي لورينزو مارينوني بأن 34.1% من المحتوى المنشور على شبكة الإنترنت والمتعلق بهجوم مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس مصدره المملكة العربية السعودية، وفق ما جاء في دراسة “حرب المعلومات في ليبيا. تقدم حفتر عبر الإنترنت”، التي نشرها في مايو الماضي مركز الدراسات الدولية الإيطالي (Cesi تأسس عام 2004 ومعني بالبحث في قضايا السياسة الدولية والأمن)، بعد عملية بحث وتحليل لـ 735 ألف محتوى إخباري رصد تطورات وانعكاسات هجوم قوات حفتر من منظور حرب المعلومات.

يقول مارينوني لـ”العربي الجديد”: “يسمح تحليل البيانات عبر منظور حرب المعلومات، بدراسة الترابط بين التطورات الميدانية على الأرض والتلاعب بالمعلومات والنظام التواصلي من أجل ترويج تصورات محددة للحرب داخليًا ودوليًا، وكذلك بيان الطرق التي تساهم بها في بناء الشرعية للمقاتلين واخترنا إطارًا زمنيًا محددًا لاختباره خلال الفترة من 1 إبريل وحتى 15 من الشهر ذاته. ثم جرى تحليل البيانات التي تم استردادها من خلال أدوات تحليل الويب والوسائط الاجتماعية”.

 

صحافة النسخ واللصق

أنتجت ستة مواقع أنشأها مطور مصري ويديرها مواطن سعودي 15 ألف خبر من نوع “صحافة النسخ واللصق” خلال فترة الدراسة، وتتمحور الرسالة الأساسية للمحتوى الخاص بالهجوم على طرابلس بأن حفتر “الرجل صاحب القرار في ليبيا، والذي يقود الحرب ضد داعش والقاعدة، ويعد حصنا منيعا ضد الإرهاب”.

وتصدرت اللغة العربية المحتوى المنشور حول ليبيا بنسبة 73%، تليها الإنكليزية 12% والإيطالية 5% والفرنسية 2% والتركية 2%، اللافت أن المحتوى المنشور ببعض اللغات غير العربية ينشر أيضاً أخباراً بنفس طريقة النسخ واللصق وفق ما جاء في الدراسة.

وظهرت فكرة إجراء الدراسة في الأيام الأولى من هجوم حفتر على طرابلس في إبريل الماضي، إذ كان الافتراض الأولي هو أنه من أجل نجاح هذا النوع من العمليات، لم يكن حفتر بحاجة إلى نصر عسكري فحسب، بل أيضاً وربما قبل كل شيء، إلى نصر سياسي، وشكل معزز من الشرعية محلياً ودوليًا كما يقول مارينوني، مضيفا: “بعبارة أخرى، ما هو على المحك في المرحلة الحالية من الصراع الليبي ليس مجرد العمليات على الأرض، ولكن تصور معين يروج للحرب وبهذا المعنى، فإن جودة الدعاية وتطور تدفق المعلومات المتعلقة بالأحداث الليبية عبر الإنترنت لها نفس الأهمية إلى جانب التطورات على أرض الواقع”.

ويمكن تقسيم أنشطة حرب المعلومات المكتشفة إلى مجموعتين: 1) الأنشطة الاستراتيجية ذات التأثير الكبير والإمكانات الكبيرة على المدى الطويل؛ 2) الإجراءات التكتيكية ذات التأثير المحدود والتي يتم إجراؤها بجودة أقل وفق الدراسة التي لفتت إلى أن الأنشطة الاستراتيجية المكتشفة مبنية على عمل مواقع bald-news.com – arabyoum.com – sabq-sa – alsharqtimes.com – medanelakhbar.com – uk.arabicnews.com)”.

وتعد هذه المواقع التي تبدو مستقلة جزءًا من شبكة مترابطة واحدة، تنشر كل يوم عددا كبيرا من المقالات بطريقة آلية، وفق الدراسة، والتي لفتت إلى نشر أكثر من 15 ألف إشارة إلى حفتر في الأيام الخمسة عشر للحرب وتمت فهرستها بواسطة أخبار Google td  في محاولة لإغراق مراجع الصحافة العربية لأخبار Google بمحتويات تبدو كأنها مستقلة، لغرض إعداد سرد دقيق للأحداث، على أن يتم تأجيجها مع مرور الوقت”.

 

وساهمت وسائل الإعلام التي تدعم حفتر علناً وبشكل مؤثر في نشر دعاياته وتمرير رواياته وفق ما قاله الباحث الإيطالي، مشيرا إلى أن لفظ “وطني” يتداول بغزارة في ما رصده، وهو الوصف المسند إلى جيش حفتر مع أن هذا الجيش ليس جيش ليبيا، لكن يتم استخدام هذا الوصف باطراد كلما يحصل التطرق إلى قوات حفتر.

وهنا يعلق المحلل السياسي الليبي، عبد الله الكبير، بأن الدراسة تكشف أن ثمة حربا أخرى لا تقل ضراوة عن القتال الحقيقي في ميدان الصراع وهي الحرب الإلكترونية، وقد جند لها حفتر وأنصاره في الداخل وداعموه الإقليميون خبراء في مجال النشر الإلكتروني والتأثير في الرأي العام وصناعة جمهور عريض من المؤيدين، وأيضا بث روح الإحباط في نفوس خصومه.

وتابع :”قوات حفتر ليست جيشا وليس وطنيا بكل المعايير المتعارف عليها للجيوش الوطنية، وقد فاقت في شناعة ممارساتها كل المجموعات المتطرفة التي نشطت في ليبيا خلال السنوات الماضية”.

وتنسجم إدارة الحملات الإعلامية عبر وسيط سعودي مع خبرة المملكة في استغلال الفضاء الإلكتروني، فهي تملك مؤسسات متخصصة يعمل بها من يسمون اصطلاحا بـ”الذباب الإلكتروني” في تويتر وغيره من المنصات لتكريس كل الروايات التي يرغب النظام بترويجها للداخل السعودي وللخارج كما قال الكبير، مضيفا: “ينبغي الاعتراف بأن الجهد في هذا الجانب قد صنع له صورة يرغب في تثبيتها لدى المتلقي الداخلي، فرغم كل الجرائم المروعة المرتكبة في معسكره إلا أنها لا تنال من التأييد الذي يحظى به إلا قليلا”.

المعركة على تويتر

تظهر الإجراءات التكتيكية التي تم تحليلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتكشف تغريدات تويتر التي جرى تحليلها في الدراسة، عن نشرها عبر حسابات تويتر المزيفة  (fakebot)  باللغة الإنكليزية ونادراً ما تكون بالفرنسية، وتتسم بكونها متطابقة إلى حد كبير، ويتم الأمر عبر عملية نشر تلقائية وبتوقيت متزامن لترويج رسائل حفتر، وفق ما جاء في الدراسة. ويضيف مارينوني إلى ما سبق أنه بين أواخر إبريل وأوائل مايو الماضيين، بدأت عشرات الآلاف من حسابات تويتر في متابعة العديد من الحسابات الخاصة بالسفارات الأوروبية في ليبيا والعاملين فيها. إلا أن أغلب هذه الحسابات مزيفة لأنه تم إنشاء الغالبية العظمى قبل أسابيع قليلة، ولم تغرّد بعد، وتعرض صورة ملف تعريف افتراضي. وفي حال تم تنشيط هذه البوتات، يمكنها التلاعب بمشهد المعلومات الليبي”.

ويحذر الباحث الإيطالي من خطر برز خلال دراسته ويتمثل في أن محتوى بهذا الحجم الكبير، متضمناً مفاتيح الكلمات الرئيسية المتداولة في الصراع الليبي، صار يحتلّ موقعاً بارزاً على غوغل، قائلا: “من المؤكد أنه يحتل مساحة هامة من التغطية للشأن الليبي ويحجب كماً واقعياً. إذ ركّز على أهم “الهاشتاغات” المتداولة حول الصراع في ليبيا”.

وخلال مدة الدراسة لم يبد أن هنالك تصرفات تكتيكية محددة، لصالح جبهة طرابلس أو بعض شخصياتها القيادية، بنفس القدر من الفعالية والانتشار مثل أولئك المؤيدين لحفتر.

 

التلاعب في النصوص

إضافة الى ما كشفته دراسة مارينوني، عمدت وسائل إعلام أخرى داعمة لحفتر إلى التلفيق والتلاعب بمواد إعلامية، إذ قال الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” عماد بادي لـ”العربي الجديد”: “أخبرني صديق بترجمة نشرت للتقرير التحليلي الذي نشره المعهد حول حالة الانقسامات الدولية بشأن الأزمة الليبية، بداية استغربت من عنوان الخبر المنشور على موقع قناة 218 الليبية الخاصة، وزاد استغرابي حين قرأت المحتوى الذي جرى التلاعب فيه مع تفادي ترجمة المقالة بشكل كامل عمداً، فنشرت تغريدة أشرت فيها إلى عدم رضاي عن هذا الأسلوب الرخيص، ففوجئت في اليوم التالي برسالة إلكترونية من المحرر المسؤول في المعهد الملكي يخبرني فيها عن إرسال قناة 218 رسالة إلكترونية “غريبة” للمعهد تتهمني بالكذب بخصوص ما كشفته عن تلاعبهم بالمحتوى، كما اتهمت في الرسالة نفسها بالتهجم على هدى السراري، مدير عام قناة 218. كان موقف المعهد واضحاً ورافضاً للتلاعب بمحتوى التقرير، والتغيير في مضمونه إذ استخدمت القناة عنواناً مضللاً، ولم تنشر الترجمة كاملة، بل جزئيات منها فقط بطريقة تخدم سياقا معينا، وتلقي باللوم على طرف معين دون الآخر، إضافة الى تعمّد تشويه الحقائق، كما أضاف بادي.

 

لم تكن تلك الحادثة الأولى وفق ما وثقه معد التحقيق، إذ قامت صحيفة المرصد الليبية (إلكترونية ومقرّها في العاصمة الأردنية) بالتلاعب في مقابلة للصحافية أليكس كراوفورد مراسلة سكاي نيوز الإنكليزية حين زارت طرابلس منتصف إبريل الماضي. وتقول كراوفورد لـ”العربي الجديد” إن مقابلتها مع رئيس الوزراء الليبي فائز السرّاج أعيدت صياغتها لتبدو بشكل داعم لجانب واحد وهو حفتر. أليكس وعقب صدور رواية المرصد “الملفقة”، نشرت في حسابها على تويتر تغريدتين باللغتين العربية والإنكليزية قالت فيهما: “أمر مرفوض أن تقوم بإعادة صياغة وطرح تقاريرنا التي تم العمل عليها بإيمان ودقة وإخلاص، يا صحيفة المرصد الليبية لا تقومي بالتلاعب باستقلالية تقاريرنا مع أجنداتك المنحازة لحفتر”. وفي التغريدة الثانية: “إعادة صياغته والتلاعب به ليعطي مضمونا آخر خاطئا كلياً. من فضلكم كونوا حذرين من صحيفة المرصد الليبية المدعومة من الإمارات والداعمة لحفتر. يا صحيفة المرصد شاهدي لقاءنا الحصري مع السيد رئيس الوزراء”.

 

وفي الرابع من يونيو الماضي نشرت وكالة الأنباء الفرنسية مقابلة مع كبيرة المحللين في الشأن الليبي لدى “مجموعة الأزمات الدولية”، كلوديا غازيني، وبعد يومين من المقابلة نشرت غازيني تغريدة تتهم قناة العربية الحدث بتحريف تصريحاتها التي نقلتها من مقابلتها، وتقول غازيني لـ”العربي الجديد”: “منذ اندلاع الحرب في طرابلس، أصبحت البيئة الإعلامية شديدة الاستقطاب. وأحد الأمثلة على الحرب استخدام الروايات المختلفة والميل إلى تشويه الحقائق من أجل دعم النظرة العالمية لطرف ما هو ما حدث لي في أوائل يونيو عندما أجريت مقابلة مع وكالة فرانس برس والتي التقطت من قبل قناة مؤيدة لحفتر “الحدث”. إذ عرضت من مقابلتي فقط ما يخدم توجهها، بعنوان: “مجموعة الأزمات الدولية: سبب الجمود في ليبيا هو دعم تركيا وقطر للحلف الوطني”.

ولم يكن هذا ما قلته على الإطلاق! تكمل غازيني وتضيف: “قاموا باختيار ما يريدون أن يُسمعوه لجمهورهم بشكل انتقائي”. ووفقاً لغازيني “بسبب وجود روابط أيديولوجية بين وسائل الإعلام الليبية والأجنبية تتجه وسائل الإعلام الموالية لحفتر إلى الاقتباس من قبل القنوات الموالية لمصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة؛ وفي حالة تقرير الحدث، استحوذت عليه قناة سكاي نيوز العربية، وبالتالي فإن “تفسير” ما قلته انتهى بالبث في جميع أنحاء المنطقة!

 

أذرع إعلامية

يرصد مصطفى المجعي، الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب (التابعة لحكومة الوفاق) 10 مؤسسات إعلامية تروج لسياسات حفتر على حساب العمل الإعلامي، كما قال لـ”العربي الجديد”، مضيفا هذه “الأذرع الإعلامية” واكبت الهجوم الذي تشنه مليشياته على العاصمة طرابلس منذ إعلان حفتر مساء الرابع من إبريل عن انطلاق ما سماها عملية “الفتح المبين لتحرير العاصمة” وهو ما رددته منابر مثل بوابة أفريقيا ومقرها في القاهرة، وأسسها عبد الباسط بن هامل والذي ترأس تحريرها قبل أن ينتقل منها إلى موقع المتوسط، ومثله قناة ليبيا 24 ومقرها لندن، وتشتهر القناة بخط تحريري يصنّف ما حدث في فبراير بالمؤامرة الغربية، وقناة وموقع 218. ومن وجهة نظره، فإن ما يؤكد تورط الإمارات في دعم هذه القنوات وجود عارف النايض السفير السابق لدولة ليبيا في الإمارات، والمدعوم بقوة منها، ضمن هذه المنظومة الإعلامية المتكاملة، عبر قناة ليبيا روحها الوطن، والتي يترأس أخوه مجلس إدارتها في عمّان، كما أن صحيفة المرصد في نفس مقر القناة ويديرها محمد خليفة”.

وتواصل مُعد التحقيق مع من وردت أسماؤهم ضمن دائرة اتهامات المجعي، غير أن إدارة قناة 218 امتنعت عن الرد حول حجم الميزانية سواء التأسيسية أو التسييرية للقناتين وكيفية تمويلهما وفقا لإجابة هدى السراري، فيما قال مدير قناة “ليبيا روحها الوطن” عارف النايض إنه أجاب عن هذا السؤال في مقابلة تلفزيونية سابقة معه دون أن يُجيب بشكل مباشر عن سؤالنا حول التمويل وعما إذا تلقى أموالا من دولة الإمارات للقناة الفضائية، فيما نفى عبد الباسط بن هامل إدارته بوابة أفريقيا قائلاً إنه كان موظفاً فيها قبل أن ينتقل موظفا أيضاً إلى موقع المتوسط.

 

حظر الإعلام المنافس

دعا المركز الليبي لحريّة الصحافة (مؤسسة ليبية إعلامية حقوقية أسّسها مجموعة من الصحافيين للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام) في الرابع عشر من إبريل الماضي عبر بيان صحافي، وسائل الإعلام التابعة لحفتر بالكف عن ممارساتها الفجّة في تغطيتها الأحداث في ليبيا مشيراً إلى قناة ليبيا الحدث وصفحة المرصد الليبية.

وقال محمد الناجم رئيس المركز لـ”العربي الجديد”: “نعتبر هذه الوسائل التي تنشر التأجيج والتهويل تُقاد بتعليمات عسكرية من مليشيات حفتر، لتبرير هجومها على طرابلس وقصفها المدنيّين والمنشآت المدنيّة ضمن محاولاتها البائسة لاقتحام المدينة”. ووفقاً للناجم “فإن المركز وجّه نداءً للمُحامين وأساتذة القانون الجنائي والدولي إلى إعداد ملفات قانونية ضد هذه المنصات الدعائية”.

وتنسجم الخطوات السابقة مع تحذير المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، التابعة لحفتر، المسؤولين والإعلاميين والصحافيين، من التعامل مع قنوات ووسائل إعلام معارضة لحرب حفتر على طرابلس، مشيرةً في يوليو الجاري، إلى بدء إجراءاتها لحظر بثّ عدد من هذه القنوات.

وذكر القرار عشر قنوات ومواقع إلكترونية ليبية تستعد حكومته لحظرها، من بينها ليبيا الأحرار، وليبيا بانوراما، وشبكة الرائد، وقناتا الوطنية والرسمية بطرابلس، ما يبقي المجال لمنصات حفتر “الدعائية”، والتي يتهمها رئيس المركز العربي لحرية الصحافة، باستخدام التمييز العنصري والدعوة للإيذاء الجسدي والاعتقال التعسفي للناشطين والصحافيين المناهضين لمعركة تدمير طرابلس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

** نشر على موقع صحيفة العربي الجديد يوم الأحد (21 يوليو 2019م)

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى