العربي الجديد-
يستمر التباعد بين الجزائر ومصر بشأن الملف الليبي. ففي الوقت الذي تدعم فيه الجزائر حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، وتحظى بدعم دولي وأممي، تساند مصر الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، فيما تتقاطع معلومات من القاهرة والجزائر وتفيد بتحذير الجزائر لمصر من خطورة اتخاذ أي خطوات تعزز الانقسام وتحاول فرض خيارات محددة في ليبيا.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية مقربة من اللجنة الوطنية المصرية المعنية بالملف الليبي، لـ”العربي الجديد” إن “القاهرة تلقت رسائل تحذيرية جزائرية شديدة اللهجة، بشأن تحركات جرت أخيراً، لدعم باشاغا ومساعدته على دخول العاصمة طرابلس، عبر تحالفات مع مليشيات ومجموعات مسلحة في غرب ليبيا”.
عسكرة الأزمة خط أحمر بالنسبة للجزائر
وبحسب المصادر، التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن الجزائر “شددت على أنها لن تسمح بمثل تلك الخطوة، وأن عسكرة الأزمة الليبية أو نشوب معارك عسكرية في العاصمة طرابلس، بمثابة خط أحمر بالنسبة لها، تجاوزه يعني انخراطها عسكرياً في دعم الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً”.
وجاءت الرسالة الجزائرية للقاهرة، على وجه الخصوص، عقب الاتصالات التي قادتها دوائر استخبارية مصرية مع مجموعات مسلحة، وكذلك التنسيق الذي قادته القاهرة بين باشاغا وتونس، من أجل توفير المناخ له لإجراء لقاءات مع قادة المليشيات، والشخصيات السياسية على الأراضي التونسية، بعد فشله في تسلم السلطة بشكل فعلي في ليبيا.
وأوضحت المصادر أن “رسائل الصدام المصري الجزائري فيما يخص الملف الليبي، جاءت بعدما توسطت القاهرة لدى الجزائر للاعتراف بالحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي، وتوجيه دعوة لباشاغا لزيارة الجزائر، على غرار الدعوة التي تلقاها رئيس حكومة الوحدة وزيارته إلى هناك”.
نقاش بين تبون والسيسي
وأشارت المصادر إلى أن “تطورات الموقف كانت محل نقاش موسع أخيراً، بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والمصري عبد الفتاح السيسي خلال اتصال هاتفي، شدد خلاله تبون على أنه يتعين على القاهرة أن تؤكد احترام الرؤى الجزائرية في إطار ما تراه يتوافق مع مصالح شعبها، كما تقدر للقيادة المصرية مواقفها التي ترى أنها في صالح دولتها وشعبها”.
ووفقاً للمصادر فقد “أكد الرئيس الجزائري لنظيره المصري، استشعار بلاده جدية تحركات حكومة الوحدة الوطنية لإجراء الانتخابات، والتجهيز لها، ونقل ليبيا إلى حالة الاستقرار الدستورية، بدلاً من مرحلة الحكومات الانتقالية”. يأتي ذلك فيما اكتفى البيان الرسمي الصادر عن مؤسسة الرئاسة المصرية بالإشارة إلى “تبادل الرئيسين التهنئة بحلول عيد الفطر”.
وبحسب المصادر، فإن الرؤية الجزائرية بشأن الأزمة السياسية في ليبيا، تتوافق بشكل تام مع ما تتحرك في نطاقه المستشارة الأممية ستيفاني وليامز”.
فشل مصري في استقطاب الجزائر
وكشفت أن “كافة محاولات القاهرة لاستقطاب الجزائر إلى موقفها الداعم لحكومة باشاغا، وتبني موقف موحد حول ليبيا، باءت بالفشل، في ظل رغبة جزائرية ترصدها الجهات المصرية المعنية، للظهور على الساحة الأفريقية كقوة إقليمية فاعلة، وسط توجهات من جانب النظام الحاكم هناك، للانخراط في أزمات القارة”.
وأكدت المصادر أن “استقبال مصر لجلسات الحوار بين أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين مؤخراً قبل تعطلها، أثارت غضب الجزائر التي ترى أن حل الأزمة الليبية لن يمر إلا عبر الجزائر”.
وأوضحت المصادر أن “المساعي الجزائرية المتعلقة بالانخراط في القارة الأفريقية، يأتي في الوقت الذي تتبنى فيه القاهرة نفس التوجه، في محاولة للسيطرة على ملف أزمة سد النهضة ومحاصرة إثيوبيا”.
وقالت إن القاهرة “فشلت أيضا في خلق أرضية مشتركة مع الجزائر بشأن الملف الليبي، وكذلك في ضم الجزائر إلى معسكر عربي أفريقي مناوئ لإثيوبيا في أزمة سد النهضة، خاصة بعدما أكدت الجزائر أن سياستها غير قائمة على الاصطفاف ضمن معسكرات، لكنها تسعى لقيادة دور وسيط، وهو ما يتعارض مع ما تراه مصر”.
وأخيراً أعلن تبون أن بلاده تدعم حكومة الوحدة الوطنية الليبية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، مؤكداً أن هذا الدعم نابع من دعم بلاده للشرعية الدولية.
وأوضح تبون أن بلاده تدرس طلباً تقدم به الليبيون من الجزائر لتنظيم مؤتمر دولي، مشدداً على أن بلاده تسير مع الشرعية الدولية في ليبيا ولا يوجد حل هناك دون الرجوع إلى الشعب. وأكد أنه “لابد من (إجراء) انتخابات تشريعية في ليبيا، لكي تعود الشرعية للشعب، والبرلمان الجديد هو من يقرر شكل الحكومة الجديدة”.
الجزائر تبلغ القاهرة بموقفها
من جهته، قال دبلوماسي جزائري، لـ”العربي الجديد”، إن “هناك قنوات دبلوماسية للتواصل بين الجزائر والقاهرة، وفي الغالب تمثل الأزمة الليبية ملفاً أساسياً في النقاشات المستمرة”.
وأشار إلى أن “الجزائر أبلغت القاهرة بموقفها من أن أية تغييرات، أو محاولة فرض خيارات أو تغيير قواعد التوافق السياسي، من دون توافقات ثلاثية، ليبية بالدرجة الأولى، وإقليمية ثانياً، ودولية ثالثاً، لضمان دعم المسار السياسي، ستكون لها نتائج وخيمة وتعزز الانقسام”.
ولفت إلى أن” الجزائر ترغب في أن يحتكم التصرف السياسي في الملف الليبي إلى منطق الدولة قبل المصالح، والجزائر ترفض أن تفرض عليها مواقف أو خيارات”، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الجزائر تشعر بانزعاج مصري من عودتها القوية في الملف الليبي.
واعتبر الدبلوماسي الجزائري أن هناك بعض الدول تتصرف في الأزمة بحسابات المصالح على حساب مستقبل الشعب الليبي. وذكر أن “الرئيس عبد المجيد تبون كان واضحاً وصريحاً في موقفه بشأن ليبيا، لأن تبرير التغييرات أو تعيين حكومة جديدة تحل محل الحكومة المعترف بها دولياً تكريس الانقسام ونسف للمسارات، وتعطيل اضافي لإمكانية إجراء الانتخابات، خصوصا أن تبون أكد أن الاستناد إلى المؤسسات النيابية الحالية مسألة نسبية لكونها لا تمثل، بشكل حقيقي، كل الليبيين”.
ويجنح الموقف الجزائري في الفترة الأخيرة نحو التباين بشكل واضح مع المقاربة المصرية، إذ كان تبون قد أعلن بصراحة حدوث تغير في الموقف من الأزمة الليبية بين الجزائر والقاهرة، بعد فترة من التفاعلات الإيجابية، منذ اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا في الجزائر في فبراير 2021، وبعد الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري الى القاهرة في يناير الماضي.