الرئيسيةالراي

رأي- أنا فهمتكم… وفهمت “طروحكم”

* كتب/ عاطف الأطرش،

عندما أوشك الشعب التونسي على القبض بزمارة رقبة المخلوع الجنرال القرطاجي زين العابدين، خرج عليهم في خطاب متلفز عرف باسم خطاب “أنا فهمتكم”…

قد لا يتذكر العديدون تفاصيل هذا الخطاب سوى تلك العبارة، لكن ما أذكره في هذا الخطاب أنه أطلق سيلاً من الوعود الخلابة التي تسحر القلوب وتأسر الألباب… من باب القضاء على البطالة… أموال في متناول الجميع… رغد العيش الكريم وبكرامة… ديمقراطية عالمفاصل… وهكذا… إلى أن حدث ما حدث… وهرب المخلوع غير مأسوف عليه وبلا رجعة…

 

أسرّ لي أحد الرفاق ليلتها بأن مثل هذ الخطاب لو تحدث به أوباما أمام شعبه في لحظة تجل… لقاموا بتعليقه من قدميه دون محاكمة…

ومن ثم يحين دور المارشال الفرعوني حسني مبارك… ويتيقن أن ساعة الحساب قد أزفت… ويظهر في خطابات تلفزيونية مطلقاً سيلاً من الوعود الفضفاضة مشابهة لتلك التي أطلقها الوغد الذي سبقه في الرحيل من تونس… دون خروج عن نصوص ميكافيللي لخداع الشعوب… لكن هيهات… فقد سبق السيف العذل كما يقولون… وغادر منصبه إلى غير رجعة!!

وحين جاء دور الكولونيل القذافي لتصفية الحساب مع غضبة شعبه… لم يتذكرهم… نساهم رغم طول العشرة… ولا ينسى العشرة إلا أولاد الكلب كما جرت العادة… فسألهم بشكل فج: من أنتم؟… في خطاب يخلو من تلك الوعود التي ملها شعبه… فلا أحلام يدغدغها… ولا أكاذيب يسوقها… فأشعل البلاد ناراً حمراء كما وعد وهو حي… واستمر شعبه بتحقيق مراده حتى وهو ميت!!

 

ومن بعده يمر على شعبنا الليبي العتيد الكثير من الوجوه البائسة والتي لا تقل بؤساً عن كولونيلها… وجوه جائعة ونهمة لأي غنيمة سانحة… حيث أشعلوا حروباً طاحنة دفعنا جميعاً أثمانها ثالث ومثلث… بمحصلة صفرية تشبه ساعات الصفر التي نعرفها…

في هذه الزحمة من الأحداث والكوارث… يغافلنا حضرة الفوهرر حفتر بسلسلة من الوعود الشبيهة بوعوده السابقة… فتارة يعدنا بتأسيس جيش محترف… وإذا به يؤسس لمليشيات تأتمر بأوامر أبنائه لتصفية خصومه ومنافسيه… وتارة يعدنا بتحرير غير منقوص خال من الاغتيالات… ليفيق الجميع بتكدس الجثث بشكل رائع ولطيف…

وفي هذه الأيام المباركة… يستحضر الفيلد مارشال تجربة رفيقه الراحل… فأسس لنفسه قلعة ذات بروج عالية… ليجعلها قبلة لقطيع الأحرار المتيمين بعبادة الأفراد… والمتمسحين بعناية العصا… والمبررين لبركاتها اللاسعة والمكبلين بقيود الأمن والأمان… فها هو يتوسط الحشود… وسط الهتافات التي تدعو له بالعمر المديد والرأي السديد… كما كانت تدعوها لرفيقه السابق… فتفتق ذهنه العامر بفكرة بناء ثلاث مدن تحاصر المعمورة بنغازي… بحيث تسع هذه المدن ضعف تعداد الشعب الليبي بقضه وقضيضه… في تكرار ممل لأسلوب جنرالات العالم السفلي… في تدشين المشاريع الخالية من أي قيم إنسانية!!

وللتأكيد على وطنية هذا المشروع العظيم… أكد في ذات الخطاب الملهم… بأنها ستكون لليبيين بكافة أطيافهم ومشاربهم… لكن من أين سيأتي ذات الشعب بمن يسكن هذه المدن… الله أعلم…

 

عن نفسي حقيقة لا أشفق عليه… ولا على أتباعه… ولا على قطيع المريدين له… إنما أشفق على أعضاء حزب التبرير الذين يشرحون أهمية هذا المشروع… وكيفية تنفيذه… وتكلفته وزمن إنجازه… بدون أي دراسة… أو معلومة… أو حتى جدية أصلاً في تحقيق هذا المشروع أو الوهم… فكلاهما سيان!!

هكذا هم العسكرتاريا يا سادة… مجرد نفخ الوعود في جوف الجثث التي تتربع عليها مؤخراتهم… بتحقيق المنجزات والمعجزات… ودخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية… من باب أكبر خازوق… وأطول ليلة بلا عشاء… وأكثر مقابر جماعية يتم تدشينها في عهودهم… إلى أكثر الليالي المتشحة بسواد أفعالهم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى