اخبارالرئيسيةعيون

هل نجا الدبيبة من أزمة لقاء المنقوش وكوهين؟

العربي الجديد-

لا يزال رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، يلملم تداعيات الأزمة التي واجهت حكومته جراء افتضاح لقاء وزيرة الخارجية في حكومته نجلاء المنقوش، مع وزير الخارجية الإسرائيلي ايلي كوهين في روما، قبل نحو أسبوعين.

وفور افتضاح خبر اللقاء تم الإعلان عن وقف المنقوش عن العمل وإحالتها إلى التحقيق. وفيما ترددت تسريبات عن إقالة المنقوش، إلا أن القرار المعلن من الدبيبة نصّ على وقفها عن العمل وإحالتها للتحقيق فقط.

وخرج الدبيبة في خطاب الخميس الماضي ليتهم أطرافاً باستغلال لقاء روما “لتصفية حسابات سياسية ضيقة، وهناك من توشح بعلم فلسطين لممارسة الوقاحة السياسية”. وإن لم يسمِ تلك الأطراف إلا أنه كان يعني مجلس النواب الذي عقد جلسة طارئة لمناقشة موقفه من لقاء روما، وظهر فيها كامل أعضائه يلبسون الكوفية الفلسطينية. وأعلن الدبيبة في كلمته خلال اجتماع الحكومة الخميس الماضي، استمرار التحقيقات مع المنقوش، وقال “سنعرف جميعاً تفاصيل ما حدث في روما”.

إجراءات الدبيبة لتجاوز الأزمة

وبالتوازي مع ذلك، اتخذ الدبيبة عدداً من الإجراءات لتجاوز الأزمة، خصوصاً إصدار جملة قرارات تمس الجانب الخدمي للمواطن، كالإفراج عن مرتبات 28 ألف موظف من 87 ألف موظف، وتسييل أموال لصرف ثلاثة أشهر من منح الأسرة والأطفال المقررة من قبل الحكومة في السابق، كدعم إضافي لمرتبات المواطنين. كما ألغى قراراً سابقاً لوزير التعليم العالي عمران القيب بشأن إيفاد عدد من الطلاب للدراسة بالخارج، كان قد أشعل جدلاً واسعاً إذ تضمن في أغلبه إيفاد أبناء مسؤولي الحكومة.

لكن حملة أمنية أطلقتها أجهزة أمن وزارة الداخلية، الأسبوع الماضي في طرابلس، واعتقلت خلالها عدداً من المتظاهرين، لاقت اعتراضاً من قِبل القوى السياسية في الزاوية وصبراتة، واحتجاجاً من قبل منظمات مدنية في طرابلس.

وتعليقاً على الحملة، ظهر وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، في جولة بالعاصمة، توقف خلالها أمام مجموعة من عناصر الأمن ليؤكد أن الحملة تهدف لضبط الوضع الأمني في طرابلس، ولا تهدف لمنع التظاهر، مطالباً المتظاهرين بضرورة أخذ إذن من وزارته للتظاهر.

وبالتزامن مع الحملة الأمنية في طرابلس، ركز الدبيبة جهوده على مصراتة، المدينة التي ينحدر منها وتشكل ثقلاً سياسياً وعسكرياً شرق طرابلس مقابل الزاوية وصبراتة غربها. وأشرف الأحد الماضي على تخريج دفعة جديدة من قوة مكافحة الإرهاب في مصراتة، وقال في كلمته بالمناسبة إن “عهد الحروب قد ولّى ولن يعود، وسنقف بالمرصاد أمام من يزرع الفتن ويزعزع أمن المواطن والوطن”. وفي اليوم التالي أصدر الدبيبة قراراً “بإنشاء غرفة أمنية لتوحيد الجهود داخل بلدية مصراتة”، مؤكداً في نص القرار اهتمام الحكومة بـ”بسط الأمن داخل بلدية مصراتة وكافة البلديات”.

وجاء نشاط الدبيبة في مصراتة بعد يوم من تصاعد حراك في المدينة قاده معارضو الدبيبة، وعلى رأسهم قائد “لواء الصمود” العقيد صلاح بادي، الذي ظهر برفقة أنصاره في فيديو تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، يدعو فيه لتحشيد القوى العسكرية للقضاء على “أعداء ثورة فبراير”، بحسب وصفه.

نحو بديل للمنقوش؟

بالتوازي مع هذه الإجراءات، يعمل الدبيبة على تحضير شخصية دبلوماسية مقربة منه لتكليفها بشغل منصب وزارة الخارجية إلى حين الانتهاء من التحقيقات مع المنقوش، وفقاً لمصادر حكومية من طرابلس تحدثت لـ”العربي الجديد”. وأشارت المصادر إلى أن هذا الإجراء يهدف إلى أمرين، الأول تعزيز الهدوء وإرسال تطمينات للرأي العام بشأن موقف الحكومة من المنقوش، والثاني امتصاص غضب المنقوش التي ترى أن الدبيبة ضحى بها للنجاة بنفسه وحكومته.

وبحسب أحد المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن الدبيبة يتحرك في أكثر من اتجاه، ففي الداخل أرسل رسائل بشكل غير مباشر إلى مختلف الأطراف الليبية بقبوله إجراء تغيير وزاري واسع وتمكين إدخال عناصر وشخصيات من مختلف الأطراف في تشكيلة وزارية جديدة مع احتفاظه بمنصبه كرئيس للوزراء. وفي الاتجاه الخارجي، وفق المصدر، مارس الدبيبة ضغطاً على الجانب الإيطالي من خلال ممانعته لعدة أيام قبول تعيين الاتحاد الأوروبي شخصية دبلوماسية إيطالية كمبعوث جديد للاتحاد لدى ليبيا.

وقال المصدر: “قبِل الدبيبة أخيراً بهذه الشخصية الإيطالية كممثل للاتحاد الأوروبي، بعد أن تلقى وعوداً من روما وتعهداً بسعيها للمشاركة في معالجة تداعيات اجتماع المنقوش وكوهين لكونها شريكا أساسيا في تنظيمه”. وأشار المصدر إلى عدم وضوح أي آفاق جديدة حتى الآن أمام الدبيبة، وأنه لا يزال يكافح من أجل الحد من تداعيات أزمة لقاء المنقوش وكوهين.

لكن أستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد رأى في المقابل أن الدبيبة “بدأ يتلمس طريق الخروج من دائرة الاتهامات التي تحيط به وبحكومته”. وأوضح الحداد في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الدبيبة يفهم جيداً أن المخاوف تتركز في الداخل، وهو ما دفعه لاتخاذ الإجراءات التي بدأنا نلاحظها”.

واعتبر الحداد أن الدبيبة تمكّن منذ حملته الأمنية التي أطلقها على مناطق غرب طرابلس، في مايو الماضي، تحت مبرر استهداف مواقع تهريب المهاجرين والوقود والجريمة، من تفتيت جبهة المقاومة فيها، خصوصاً في مدينة الزاوية التي ينحدر منها أبرز معارضيه كالرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ووزير الداخلية بحكومة مجلس النواب عصام أبوزريبة وشقيقه علي المقرب من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح. وتابع: “اتجه الدبيبة لتطويق جبهة معارضيه في مصراتة التي شكلت أخيراً منتظماً سياسياً تحت مسمى حراك فبراير”.

واعتبر الحداد تلك الإجراءات “أولى مظاهر جدية الدبيبة في تجاوز الأزمة التي يعيشها، خصوصاً أنه نجح في استثمار مظاهر العنف التي مارسها المحتجون في طرابلس وإظهارهم في شكل العابثين بأمن العاصمة، وأطلق يد وزير داخليته عماد الطرابلسي الذي يعرف أن قوته المسلحة ومنصبه الحكومي سيمكنانه من منع انزلاق الأوضاع إلى مستويات أخطر”.

ورأى أن الدبيبة “نجح في تمييع وضع المنقوش من خلال لجنة التحقيق الحكومية، كما أن قرار مكتب النائب العام بشأن تشكيل لجنة تحقيق جنائية هو الآخر ساعد الدبيبة في هدفه تمييع القضية ونقلها إلى دهاليز النسيان”. وتابع: “الحصيلة أن الدبيبة سينجو ويفرض نفسه مجدداً في خريطة التوافقات حول القوانين الانتخابية وسيعرقل تشكيل حكومة تقصيه من المشهد”.

وإثر اندلاع أزمة لقاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي، قرر الدبيبة وقف المنقوش عن العمل وإحالتها للتحقيق على أن تقدم لجنة تحقيق معها نتائج التحقيق “في أجل أقصاه ثلاثة أيام”. إلا أن اللجنة لم تعلن عن أي نتائج حتى اليوم. وبعد مرور أسبوع على الأزمة، أعلن مكتب النائب العام، السبت الماضي، عن تشكيل لجنة تقصي واقعة “مخالفة وزيرة الخارجية لقواعد مقاطعة إسرائيل”، مشيراً إلى أنه كلف لجنة التحقيق “بتحصيل مواد استدلالية تلزم لتأدية إجراء استجواب من دعوا إلى اللقاء بما في ذلك سماع أقوال من يمكن الحصول منهم على إيضاحات تلزم تحقيق الواقعة”.

تداعيات أزمة المنقوش مستمرة

مقابل ذلك، رأى الباحث بالشأن السياسي الجيلاني ازهيمة أن تداعيات أزمة المنقوش “ستستمر، فوصفها السياسي الحقيقي هو أنها فضيحة سياسية، خصوصاً أن التفاصيل تجاوزت لقاء المنقوش وكشفت عن سلسلة لقاءات أخرى سبقتها، ما يجعل الدبيبة ملاحقاً دوماً بهذه الفضيحة، ولن تفلح معها كل قراراته التي يحاول بها استرجاع شعبيته المفقودة”.

واعتبر ازهيمة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “استخدام الدبيبة للحل الأمني والعسكري لوأد جبهات معارضيه كلما برزت لن يستمر طويلاً، وسيولّد رد فعل عسكريا تتمكن من خلاله المعارضة من توحيد صفها والتحالف مع خصومه السياسيين في مجلس النواب، ومثل هذا التغيير لن يفيد الدبيبة بأن يستقوي على خصومه بالاعتراف الدولي”.

ولفت ازهيمة إلى بياني المبعوثين الأميركي ريتشارد نورلاند والفرنسي بول سولير اللذين أكدا قبل أيام دعمهما لجهود المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، في إنشاء حكومة تكنوقراط موحدة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، معتبراً أنهما بيانان قد يعبّران عن مواقف جديدة للمجتمع الدولي حيال الدبيبة، وإمكانية دعم استبداله بحكومة جديدة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى