الرئيسيةعربي ودولي

ما لا يحكى عن تحالف الشيكل والدرهم.. كيف سيقلب موازين صراع الموانئ؟

ساسة بوست-

أشعل اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 13 أغسطس2020، صراعًا من نوعٍ جديدٍ، يُسْهم في تغيير شكل ومصير النقاط المائية الواقعة بيْن الدولِ المطلةِ على الخليجِ العربيّ وبحر العرب، ويبرز تحدياتٍ جديدةٍ تواجه موانئ أخرى: من جزيرة سقطرى الواقعة على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، وميناء جوادر الباكستاني، النقطة المائية المهمة على طريق الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وقناة السويس المصرية الرابطة بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر. يستكشف هذا التقرير كيف ستتأثر تلك النقاط المائية بعد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.

«جوهرة خليج عدن».. لماذا تهتم الإمارات وإسرائيل بجزيرة «سقطرى»؟

في 27 يوليو 2008 صنفت منظمة الأمم المتحدة للعلم والثقافة «اليونسكو» جزيرة سقطرى اليمنية ضمن مواقع التراث العالمي، وعدَّتها صحيفة «نيويورك تايمز» ضمن أجمل جزر العالم. تقع سقطرى على بعد حوالي 240 كيلومترًا (150 ميل) شرق سواحل الصومال، و380 كيلومترًا (240 ميلًا) جنوب شبه الجزيرة العربية، وتطل على مضيق باب المندب الإستراتيجي، وهو طريق ملاحي رئيس يربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب.

هذا الموقع الإستراتيجي والمكانة الثقافية، بالإضافة إلى التنوع البيئي الفريد، جعل الجزيرة في بؤرة اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة، وأيضًا إسرائيل التي تسعى – بعد التطبيع الأخير مع الدولة الخليجية – لترسيخ قدمها في المنطقة، من خلال الجزيرة اليمنية، التي تعرف بـ«جوهرة خليج عدن».

بتعاونٍ إماراتيّ.. قاعدة تجسس إسرائيلية في سقطرى اليمنية

لم يكن الاهتمام الإماراتي الإسرائيلي بجزيرة سقطرى، من أجل تنميتها، والبدء في إعمار اليمن، بل كانت لمصالح استخباراتية كشفها موقع «south front»؛ فبعد 15 يومًا من إعلان تطبيع العلاقات بين دبي وتل أبيب، وصل وفدٌ من ضباط الاستخبارات الإسرائيلية، برفقة آخرين إماراتيين، إلى الجزيرة اليمنية.

كان هدف الوفد الاستخباراتي الإماراتي الإسرائيلي المشترك، بحسب موقع «Jforum» للجالية اليهودية الناطقة بالفرنسية، هو التخطيط لإنشاء قاعدة تجسس في جزيرة سقطرى، في موقع إستراتيجي مميز ببحر العرب، تزامنًا مع استعداداتٍ مكثفةٍ تجريها تل أبيب وأبوظبي لإنشاء قواعد استخباراتية؛ لجمع المعلومات في أنحاء خليج عدن، من باب المندب وحتى الجزيرة اليمنية.

وتمهيدًا للأجواء في «سقطرى» قبل إنشاء قاعدة التجسس، نشرت الإمارات في مايو  2018 نحو 300 جنديا، إلى جانب دبابات ومدفعية، وأربع طائرات عسكرية؛ ما أدى إلى خلافٍ مع الحكومةِ اليمنيةِ التي رفضت الانتشار، وسيطر الانفصاليون الجنوبيون (المجلس الانتقالي الجنوبي) – المدعوم إماراتيًا – في 21 يونيو 2020 على الجزيرة وعزلوا محافظها، وطردوا قوات الحكومة اليمنية، التي وصفت ما جرى بأنه “انقلاب”.

إيران والصين وباكستان.. على رادار الإمارات وإسرائيل

قاعدة التجسس في سقطرى – نتيجة التقارب الإماراتي الإسرائيلي – كانت تستهدف مراقبة الأنشطة الإيرانية في خليج عدن، وكبح علاقة طهران بالحوثيين، حسب رأي إبراهيم فريحات، أستاذ حل النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا.

لكن تلك الخطوة الأخيرة – التي رسمتها أبوظبي وتل أبيب بعد إعلان التطبيع بينهما – دقت أيضًا أجراسَ إنذارٍ في الصين، وأثارت مخاوفَ كبيرة، عبّرت عنها مقالة نشرتها صحيفة «South China Morning Post»، في أغسطس الماضي، قائلة: «تريد الولايات المتحدة دعمًا عربيًا إسرائيليًا في مواجهة نفوذ بكين على طرق الإمداد، التي يُنظر إليها على أنها مسألة حياة أو موت للاقتصاد الصيني».

وهنا يرى المحلل الهندي حيدر عباس، في مقالٍ له على «Countercurrents.org»، أن قاعدة التجسس في سقطرى، التي تسيطر عليها تل أبيب ومن ورائها واشنطن، لن تراقب الحوثيين فقط، بل ستُستخدم أيضًا لتكون باكستان – القريبة من الصين – تحت الرادار الإسرائيلي، ولن تخدم هذه الرقابة الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل ستُساعد الهند حليف إسرائيل، ومنافس بكين وإسلام آباد. ومن هنا نتساءل: لماذا استخدمت إسرائيل والإمارات قاعدة سقطرى للتجسس على باكستان؟

«جوادر».. لاعب جديد يُقلق تل أبيب ودبي

في باكستان، يوجد ميناء «جوادر» الذي تسعى الصين لاستخدامه نقطة تواصل بين الشرق والغرب على طريق الحرير الجديد، وأُطلق مؤخرًا للسيطرة على خط الملاحة البحرية الدولية، وبعد تطبيع العلاقات بين دبي وتل أبيب، بدأت تختمر خطة أمريكية – كشفتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، بحسب الأخبار اللبنانية – تهدف إلى عرقلة الميناء الباكستاني، من خلال جزيرة «سقطرى» التي تُعدّ أفضل موقع لضرب المشروع (الصيني – الباكستاني)، القائم على صياغة أجندة اقتصادية للمنطقة على أساس الاقتصاد الجيولوجي للميناء.

والسؤال المطروح هنا: ما هي أهمية ميناء جوادر الباكستاني التي أزعجت تل أبيب ودبي حتى استخدمت جزيرة سقطرى – عبر خطة أمريكية مفترضة – قاعدة تجسس لها؟

بالعودة للوراء قليلًا نجد أن الصين استأجرت في أبريل 2015، ميناء «جوادر» – الذي يُعدُّ مشروعًا أساسيًا في مبادرة «الحزام والطريق» – لمدة تتجاوز40 عاما، في اتفاقية ثنائية مع باكستان، ضمن مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني«CPEC»، الذي تقدّر تكلفته بـ46 مليار دولار (30.7 مليار جنيه استرليني)، ويمنح بكين حق الانتفاع بالميناء حتى 2059، وتُقدر استثماراته سنويًا بقيمة 150 مليار دولار سنويًا.

بصورةٍ عامةٍ الممر عبارة عن شبكة واسعة في مجالات الطرق، والاتصالات، والطاقة، وأُبرمت اتفاقيات تحت مظلة المشروع في فبراير 2018، بواقع 474 مليون دولار استثمرتها شركات أجنبية ومحلية، وتأمل باكستان أن ترتفع استثمارات جوادر إلى 790 مليون دولار بعد التشغيل الكامل.

وتعتزم الصين استخدام الميناء لتوسيع وجودها العسكري، كما تدرس إنشاء قاعدة بحرية ثانية في خليج جيواني غربي باكستان، والأقرب إلى مضيق هرمز، وتنوي أن يصبح «جوادر» أحد أكبر المرافئ من نوعه في العالم، وقادرًا على التعامل مع الأسطول الصيني المخطط له من حاملات الطائرات والغواصات النووية.

 

هذا الموقع الإستراتيجي لميناء «جوادر»، الذي يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط، جعله بحسب تقرير موقع «open democracy»، منافسًا كبيرًا لدبي؛ ما يعني سحب البساط من تحت أقدام «ميناء جبل علي» الإماراتي، الذي يستضيف حاليًا ما يقارب 5 آلاف شركة من 120 دولة.

وهنا أدركت الدوحة أهمية ميناء جوادر، وأثره في تغيير اللعبة الاقتصادية بالمنطقة؛ لذا تعتزم استثمار 15% من «الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني» (مجموعة من مشاريع البنية التحتية قيد الإنشاء حاليًا) في ظل العداء بين البلدين مؤخرًا.

بعد التطبيع.. تهديدات تواجه «جوادر» الباكستاني

أصبح ميناء جوادر الباكستاني – بعد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي – لاعبًا جديدًا يغير الوضع الجغرافي الاقتصادي والجيوسياسي، الآخذ في التغييرِ بسرعةٍ فائقةٍ، في جنوب آسيا، وتسبب في تنامي قلق واشنطن، إزاء الوجود البحري الصيني بالقرب من مضيق هرمز.

وتشاطر نيودلهي القلق مع واشنطن؛ لامتلاكها ميناء «تشابهار»، الواقع على بعد 72 كيلو مترًا فقط من «جوادر» الباكستاني، بما يمثل تهديدًا مباشرًا لموانئها، وفقدان لأسواقها التجارية بالمنطقة، حتى بلغت المناوشات بين البلدين حد تهديد الهند بتدمير البُنى التحتية المُتعلقة بالمشروع، لا سيّما أن مشروع الحزام والطريق يمر في منطقة كشمير المتنازع عليها مع باكستان، وبالتالي سيصبح الإقليم تحت الحماية الصينية.

وحين نرصد الرأي الباكستاني، إزاء إنشاء قاعدة التجسس بـ«سقطرى اليمنية» – بعد تطبيع العلاقات بين تل أبيب وأبوظبي – لمراقبة ميناء «جوادر»، فإنه إذا كان ذلك التحالف الإماراتي الإسرائيلي يشمل الهند، فإن هذا الثلاثي يمكن أن يُشكّل تهديدًا خطيرًا لباكستان (الدولة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي)، كما قد يتعرض السلام والأمن في كل جنوب آسيا والشرق الأوسط للخطر، وذلك بحسب تصريحات سيد قنديل الأكاديمي بجامعة عزام في إسلام آباد، لـ”وكالة الأناضول”.

واستكمالًا لرأي المحلل الهندي حيدر عباس؛ فإنه إذا حدث أي تخريب في جوادر فستُلقي باكستان والصين باللائمة على تل أبيب ودول الخليج، وبالتالي فإن العلاقات ستكون متوترة إلى الأبد.

وهنا ندرك أن الصين وباكستان وقطر تصوغ الأجندة الاقتصادية للمنطقة؛ استنادًا إلى الاقتصاد الجيولوجي لميناء جوادر، في حين أن الهند والإمارات العربية المتحدة تعارضان ذلك بشدة، وتحاولان عرقلة هذه الخطة، التي قد تُربّع بكين على عرش أكبر قوة اقتصادية عالمية.

ونستطيع أن نعزو سيطرة الإمارات – بعد تطبيع العلاقات مع إسرائيل – على جزيرة «سقطرى»؛ لوضع الملاحة البحرية في بحر العرب، وخليج عدن، ومضيق باب المندب، تحت المراقبة، وتعطيل ميناء جوادر الباكستاني، حال نشوب أي صراعات أو اضطرابات في المنطقة، لا سيَّما أن الميناء يعتمد الوصول إلى البحر المتوسط عبر البحر الأحمر.

ويمكننا القول: إن ميناء جوادر الباكستاني بات معرضًا لتهديداتٍ من دولٍ شتّى تحالفت، من أجل السيطرة والنفوذ، وحفاظًا على مصالحها الاقتصادية، كما تغيرت ملامح الجزيرة اليمنية (سقطرى) ذات الموقع الإستراتيجي الحيوي، حتى انقلبت إلى قاعدة تجسس ومراقبة؛ ما يُنْذر بتغير ملامح الصراع في حرب الموانئ.

بعد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.. قناة السويس في مرمى النار

وفي القاهرة، لم تسلم قناة السويس المصرية من آثار اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من تثمين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وترحيبه بتلك الخطوة التي «من شأنها إحلال السلام في الشرق الأوسط»، إلا أن تقارير أمريكية كشفت أن القناة ستكون على مرمى النار بعد ذلك الاتفاق.

إذ أخرج اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، خط أنابيب نفط صحراوي يربط بين ميناء إيلات ومحطة ناقلات النفط بعسقلان – بُني سرًا قبل الثورة الإيرانية (في 1956) – بين تل أبيب وطهران، إلى العلن، وأوشكت إسرائيل من خلاله أن تلعب دورًا أكبر في تجارة الطاقة وسياسة البترول بالمنطقة، بحسب تقرير مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.

وستُوفّر القناة التي يبلغ طولها 254 كيلومترًا من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط – بحسب إيزيك ليفي الرئيس التنفيذي لشركة خط أنابيب آسيا (EAPC) التي تدير الخط – بديلًا أرخص من قناة السويس، وخيارًا أفضل للاتصال بشبكة خط أنابيب العرب الناقلة للنفط والغاز للموانئ البحرية التي تزود العالم، وتسهم في خفض حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر القناة المصرية.

ويقول “ليفي” (وهو قبطان متقاعد في البحرية الإسرائيلية): «نريد أن يستحوذ خط الأنابيب على ما بين 12 إلى 17% من تجارة النفط التي تستخدم قناة السويس الآن، وبسبب القيود التي تفرضها القناة، يُضخُّ الكثير من النفط الخام الخليجي المُتَّجِه إلى أوروبا وأمريكا الشمالية عبر خط أنابيب السويس – البحر المتوسط (المعروف بخط سوميد) في مصر، الذي تمتلك فيه السعودية والإمارات حصة، ومع ذلك يعمل خط الأنابيب المصري في اتجاهٍ واحدٍ فقط، ما يجعله أقل فائدةً من منافسه الإسرائيلي، الذي يمكنه أيضًا التعامل على سبيل المثال مع النفط الروسي أو الأذربيجاني المُتَّجِه إلى آسيا».

وعلى ذلك، ستكون قناة السويس – بحسب المجلة الأمريكية – الخاسر الأكبر من اتفاق التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي، ما يساعد تل أبيب في تفعيل الخط الصحراوي لنقل النفط، ويسحب عملاء القناة، إلا أن مسؤولين في الخارجية الإسرائيلية أشاروا – في تصريحات لصحيفة” آسيا تايمز”-  إلى أن خط الأنابيب سيعكس تأثيرًا سلبيًا على العلاقات مع مصر، بما يستدعي التنسيق مع القاهرة أولًا، بدلًا عن محاولة الإضرار بموقفهم.

التطبيع الإماراتي الإسرائيلي يغير ملامح الصراع

وختامًا بعد اتفاق التطبيع الذي جرى بين الإمارات وإسرائيل، باتت الموانئ المطلة على بحر العرب وخليج عدن والبحرين الأبيض المتوسط والأحمر تواجه تحدياتٍ وتهديداتٍ، ستغير من ملامح النقاط المائية الواقعة هناك، وستصبح (الرادارات الإسرائيلية الأمريكية) – بعد التطبيع – ترتكز في أكثر الأماكن إستراتيجية بالمنطقة؛ لمراقبة الموانئ الأخرى؛ ما سيسهم في تحويلها إلى مسرح للصراع البحري، توشك من خلاله أن تتغير موازين القوى في العالم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى