اخبارالرئيسيةعيون

قضية لوكربي من جديد: لغز اختفاء المريمي الذي تتهمه أميركا

العربي الجديد-

بعد 24 عاماً على حادثة لوكربي، التي وقعت عام 1988 إثر سقوط طائرة ركاب أميركية أثناء تحليقها فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا، لم يظن الليبيون أن هذا الملف سيُفتح من جديد، بعدما أغلقت السلطات هذا الملف الذي كلف ليبيا حصاراً اقتصادياً خانقاً في تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة لنحو 3 مليارات دولار من التعويضات المالية لأسر ضحايا الطائرة الأميركية، فضلاً عن الخلافات مع دول الغرب.

لكن الملف عاد إلى الواجهة من جديد، بعد الكشف منتصف نوفمبر الماضي، عن اختفاء الضابط السابق في جهاز الأمن الخارجي الليبي، أبوعجيلة مسعود المريمي، من منزله في العاصمة طرابلس، مع أحاديث عن احتمال اختطافه، من دون أي تصريح من حكومة الوحدة الوطنية يجلي الغموض حول مصيره.

علماً أن السلطات الأميركية كانت قد وجّهت في ديسمبر 2020 اتهاماً للمريمي باحتمال تورطه في تفجير طائرة “بان آم” فوق لوكربي، مستندة إلى تقارير تشير إلى مسؤوليته عن صناعة القنبلة المستخدمة في إسقاط الطائرة.

إعادة فتح القضية اليوم يفسرها البعض بمحاولة من قبل جهات أميركية لاستخدامها سياسياً، فيما يرى آخرون أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة تسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن في مواجهة الحكومة الموازية في بنغازي.

تساؤلات حول مصير المريمي

ولم يكن الليبيون يظنون عند توجيه الاتهامات للمريمي عام 2020، أن القضية ستُفتح من جديد، إذ اعتبروا أن ملفها أُغلق “نهائياً”، وفق تأكيد المندوب الليبي السابق لدى الأمم المتحدة، وزير الخارجية إبان أزمة لوكربي، عبدالرحمن شلقم.

وكتب آنذاك، على حسابه في “تويتر”: “ليبيا رفضت لسنوات التجاوب مع هذه القرارات، وفُرضت عليها عقوبات، لكنها في النهاية تجاوبت مع تلك الطلبات. وأغلق الملف نهائياً”. وتابع: “بيان وزير العدل الأميركي (حول المريمي) لا يفتح الملف المغلق، والتحقيق الذي يجرى أو سيجرى مع الشخص المذكور لن يغير شيئاً فيما تم الاتفاق عليه مع الحكومتين البريطانية والأميركية”.

لكن تصريحاً لوزيرة الخارجية في حكومة الوحدة نجلاء المنقوش، خالف تأكيدات شلقم. ففي نوفمبر 2021، أبدت المنقوش في تصريح لشبكة “بي بي سي” البريطانية استعداد الحكومة الليبية للتعاون في ملف القضية، وتحدثت عن إمكانية تسليم مشتبه به مطلوب من قبل الولايات المتحدة. وقالت إن الحكومة الليبية “منفتحة تماماً على التعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بتسليم المطلوبين”.

وعلى النقيض من تصريحات المنقوش، جاءت تصريحات وزارة العدل في حكومة طرابلس مخالفة، حين أصدرت قبل أسبوع بياناً أكدت فيه إقفال ملف القضية، رافضة إثارتها أو العودة إليها مجدداً. واستدلت الوزارة بنص الاتفاقية التي أبرمت بين ليبيا والولايات المتحدة في 14 أغسطس 2008، وتعزيز ذلك بموجب الأمر الرئاسي الموقّع من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن رقم 13477 الصادر في 31 أكتوبر 2008، بحسب نص البيان.

لكن بعد عام كامل، جاء خبر اختفاء المريمي من منزله في طرابلس، في منتصف نوفمبر الماضي، والأنباء عن احتمال اختطافه، من دون أي تصريحات من حكومة الوحدة للكشف عن مصيره، لتعيد القضية إلى الواجهة.

ووُزعت التهم في الشارع الليبي في كل الاتجاهات، فبعضها اتهم الحكومة بتسليم المريمي لواشنطن من أجل ضمان علاقات جيدة معها. فيما وُجهت أخرى لبعض الكتائب المسلحة، وتحديداً إلى قوة دعم الاستقرار التي تتمركز حيث يقيم المريمي، في حي بو سليم وسط طرابلس.

صفقة أميركية مع حكومة الوحدة؟

وحول مصير المريمي، لفت الكاتب الصحافي والمحلل السياسي عبدالله الكبير، إلى أن “المعلومات غير المؤكدة تشير إلى احتجازه من قوة رسمية، مع السماح لأهله بزيارته والتواصل معه، ولكن لم توجّه له أي تهمة ولم يتم التحقيق معه بعد”.

واستبعد الكبير، في حديث مع “العربي الجديد”، وجود صفقة مضمونها تسليم حكومة الوحدة المريمي لواشنطن مقابل استمرار اعتراف وتعامل الأخيرة معها. واعتبر أن “تعامل الطرفين يتعلق باستمرار العمل باتفاق جنيف الذي أنتج هذه الحكومة في إطار الرغبة الدولية لإجراء الانتخابات وعدم الذهاب إلى مرحلة انتقالية جديدة”.

وحول إعادة فتح قضية لوكربي، قال: “لا يمكن فصل الغرض السياسي عن القانوني في القضية منذ بداياتها الأولى حتى آخر فصولها. وبالطبع إذا قطعت وزارة الخارجية الليبية أي وعد بالتعاون في قضية منتهية تماماً، فهي ترتكب خطأ جسيماً. لأن القضية انتهت بتعويض الضحايا وتسليم المتهمين”.

ورأى الكبير أن إعادة فتح ملف القضية اليوم يعني أن “بعض الجهات في أميركا ما تزال ترغب في استخدامها سياسياً، أو لغرض الابتزاز، من أجل دفع المزيد من التعويضات. كما أنها ستضع أي سلطة ليبية تحت الضغط الأميركي، وهذا ربما يشي بقرب حدوث تحوّل سياسي في ليبيا لا يتماشى مع رغبة الولايات المتحدة في إحكام قبضتها على الأزمة الليبية”.

تفاصيل قضية لوكربي

وبدأت قصة لوكربي في ديسمبر 1988 إثر سقوط طائرة ركاب تتبع شركة خطوط “بان أميركان” الأميركية، أثناء تحليقها فوق لوكربي في اسكتلندا، ما أدى إلى مقتل 270 شخصاً، ووُجهت أصابع الاتهام أولا نحو إيران، قبل ان تتوسع دائرة الاتهامات لتشمل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” وإمكانية أن تكون إيران هي من موّلت العملية.

وفي العام اللاحق، أصدرت السلطات في اسكتلندا وفي الولايات المتحدة أيضاً أوامر اتهام لاثنين من رجال المخابرات الليبية، هما عبدالباسط المقرحي، وخليفة فحيمة بتفجير الطائرة. وطالبت واشنطن السلطات الليبية بتسليمهما إليها، وهو الطلب الذي عارضه القذافي. وسارعت بريطانيا وفرنسا لمساندة الطلب الأميركي، كما طالبت فرنسا بتسليم مسؤولين ليبيين اتهمتهم بالضلوع في تفجير طائرة UTA الفرنسية فوق النيجر عام 1989، وعلى رأسهم صهر القذافي، والرجل الثاني في ليبيا حينها، عبدالله السنوسي.

وإثر نقل القضية إلى مجلس الأمن، أصدر الأخير قراراً عام 1992، دعا فيه ليبيا إلى تسليم المطلوبين، لكن القذافي أصر على رفض المطالب بتسليمهما، إلا أنه في الوقت نفسه سمح بمحاكمة المواطنين الليبيين محلياً في بلدهما. إلا أن وتيرة الضغط زادت بأن تبنى مجلس الأمن قراراً آخر قضى بفرض حصار جوي على ليبيا وحظر بيع كل التجهيزات الخاصة بالطيران، مضافاً إليه قرار أميركي أوروبي بفرض حصار اقتصادي على ليبيا.

وفيما لم تثنِ هذه الخطوات التصعيدية القذافي عن قراره بعدم تسليم المقرحي وفحيمة، صدر قرار عن محكمة العدل الدولية عام 1998 لصالح الاعتراض الليبي بأن القضية ليست من اختصاص مجلس الأمن، إضافة لدعوة جامعة الدول العربية لتخفيف العقوبات على ليبيا، وقرار منظمة الوحدة الأفريقية سنة 1998 بعدم دعم الاستمرار في تنفيذ العقوبات.

دفعت كل هذه الإرهاصات إلى تقديم واشنطن بعض التنازلات بأن قبلت بقرار يقضي بمحاكمة المتهمين الليبيين في محكمة قضائية أقيمت في هولندا بشكل خاص للنظر في هذه القضية، وقبِل القذافي بتسليم المطلوبين في العام 1998. وفي يناير 2001 حُكم على المقرحي بالإدانة والسجن مدى الحياة وتبرئة فحيمة.

عام 2003، تمت تسوية القضية بين ليبيا والولايات المتحدة، بعد وساطات دولية وإقليمية غير معلنة، بأن يدفع القذافي 2.7 مليار دولار مقابل رفع العقوبات عن بلاده.

لكن كان لهذه القضية خلفيات سياسية وجّهتها العلاقة السابقة المتوترة بين نظام القذافي وواشنطن، وفقاً للباحث السياسي أشرف النيهوم، الذي لفت في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “القذافي منذ وصوله إلى الحكم جاهر بالعداء لواشنطن وأصدر قرارات بإجبار الولايات المتحدة على التخلي عن قاعدتها العسكرية في طرابلس وأعلن عن منع تصدير النفط لها بسبب دعمها لإسرائيل، واستمر في التصعيد”.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة من جهتها وجّهت ضربات جوية على طرابلس وبنغازي عام 1986. واعتبر أن اتهام نظام القذافي بالتورط في حادث لوكربي وفرض عزلة دولية حوله لا يمكن فكه من سياق خلفيات العلاقة بين البلدين.

ورأى النيهوم أن التحوّل في موقف القذافي بالاعتراف ضمنياً بمسؤوليته عن الحادث بقبوله دفع تعويضات مالية “لا يمكن فصله أيضاً عن سياق الأحداث وقتها، فهذا التحوّل جاء متزامناً مع تزايد صعود ملف الإرهاب على سطح الاهتمام الدولي، خصوصا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في أميركا، والقذافي كان متهماً بدعم الإرهاب من قبل واشنطن”.

وأضاف أن “المصير الذي آل إليه الرئيس العراقي صدام حسين، المعروف بمواقفه الشبيهة لمواقف القذافي من السياسات الأميركية، لا يمكن نزعه من سياق التحوّل في موقف القذافي”. ولفت النيهوم إلى أن تلك المتغيرات الدولية كانت سبباً رئيساً في تغير مواقف القذافي، خصوصاً أحداث العراق “ولا أدل على ذلك من قبوله التخلي عن برنامج تطوير أسلحة الدمار الشامل وكان ذلك إثر غزو العراق”.

ملف منتهٍ قانونياً وسياسياً

من جهته، أكد الباحث في الشأن القانوني والدستوري محمد محفوظ، أن قضية لوكربي منتهية من الجانبين القانوني والسياسي. وقال لـ”العربي الجديد”: “انتهى الأمر قانونياً بعد تسليم المتهمَين، وعندما دفعت ليبيا تعويضات لأسر الضحايا، وبهذا أنهيت كل الطعون القانونية المرفوعة، سواء ضد الأشخاص أو ضد الدولة الليبية آنذاك”.

وأكد أن الملف أغلق أيضاً “من الجانب السياسي في إطار اتفاقية أبرمت آنذاك، وكانت في إطار التحوّل الذي قام به نظام القذافي بعد دفع التعويضات والتخلي عن برنامج التسلح ورفع العقوبات والحصار الاقتصادي”.

ولم يستبعد محفوظ إعادة دخول القضية حالياً إلى البيت الليبي من باب ضعف الدولة حالياً، ومحدودية سيادتها، على حد قوله، مضيفاً: “من هم في سدة الحكم في ليبيا لا يهمهم مثل هذه القضايا، بقدر الاهتمام ببقائهم في السلطة، ولو كان الأمر على حساب فتح مثل هذه القضية التي قد تفتح على ليبيا أبواب جهنم إن أعيدت إلى الواجهة مرة أخرى”.

ورأى محفوظ أن ليبيا ليست في وضع يسمح باستحضار مثل هذا الملف، “والقانون الليبي لا يسمح بتسليم متهمين ليبيين إلى الخارج، إلا وفق الاتفاقيات المشتركة التي تعقد بين الدول، وتبعاً لبروتوكولات أمنية تسمح بوجود تسليم مشترك بين الدول في حالة وجود مذكرات طلب حمراء صادرة عن الإنتربول أو ملفات وقضايا مرفوعة ضد أشخاص”.

وأكد أنه لا توجد اتفاقيات مبرمة في هذا الصدد بين ليبيا والولايات المتحدة، لافتاً إلى أنه “لم تصدر بحق المريمي أي مذكرات قبض، لا في ليبيا ولا في أي دولة أخرى، كما لم تصدر بحقه مذكرة من الأنتربول، وبالتالي فإن تسليمه إن تم أمر غير صحيح قانوناً، وستكون له آثار سياسية كبيرة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى