اخبارالرئيسيةعيون

غربة المصريّين تتحول إلى موت

العربي الجديد-

تتكرّر القصص المأساوية للأشخاص الذين يهربون من الفقر والبطالة في مصر بحثاً عن حياة أفضل، ويجدون أنفسهم في مواجهة الخطر والموت في البلدان التي يتوجهون إليها، وكان آخرها وفاة مصريين من جراء العاصفة دانيال في ليبيا، وقد خسروا حياتهم في الغربة خلال سعيهم لتأمين لقمة العيش.
ويشكل الفقر والبطالة تحدياً كبيراً في مصر، ما يدفع العديد من الشباب إلى البحث عن حياة أفضل في الخارج. وتصبح الهجرة، حتى وإن كانت إلى دول غير آمنة، الخيار الأفضل للبعض. وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة عن ارتفاع حصيلة الوفيات بين المصريين لتصل إلى 250 حالة. وأوضحت أن غالبية الوفيات حصلت في مدينة درنة بسبب الفيضانات العارمة التي ضربت البلاد. وشيّع مئات المصريين في مختلف المحافظات جثامين عدد من ذويهم، وألغى الأهالي الاحتفالات المقررة سابقاً، وساد الحزن غالبية القرى التي تعمل أعداد كبيرة من أبنائها في ليبيا.
وتحوّلت شوارع العديد من القرى إلى ساحات للعزاء، كما يقول عم أحد الضحايا محمد حامد العربي، القاطن في قرية رمسيس بمحافظة قنا، التي شيعت جثامين 4 من أبناء القرية. ويشير إلى أنه تلقّى خبر وفاة ابن شقيقه من أحد أصدقائه بعد وقوع العاصفة.
وإلى مدينة سمالوط في محافظة المنيا التي توفي عدد من أبنائها من جراء العاصفة دانيال، يقول أحد أفراد عائلات الضحايا إنه تلقّى الخبر عبر اتصال هاتفي من ليبيا، ووصلت جثتان حتى الآن إلى المنيا، وتم تسليمهما إلى ذويهما لدفنهما.
ومن بين الشباب المهاجرين إلى ليبيا، أحمد محمود (37 عاماً) وهو ابن مركز البصايرة في محافظة كفر الشيخ الريفية. وصل إلى مدينة بنغازي منذ 8 سنوات للعمل في مهنة الحدادة. واستقدم زوجته بعد 6 أشهر وأنجبا طفلين. حاول الصمود وتحقيق طموحاته وادخار المال، لكن النزاع المسلح بين الفرقاء الليبيين دفعه للهرب إلى مدينة درنة.
ويقول شقيقه عبد العال محمود لـ “العربي الجديد”: “تمكن أحمد من الحصول على فرصة عمل في مهنة البناء في درنة، واستقر مع أسرته فيها، لكن القدر لم يكن رحيماً، فقد ضربت العاصفة دانيال المدمرة المنطقة التي يعيش فيها، وتحوّلت الأمطار الغزيرة والرياح العاتية إلى كارثة حقيقية وانهارت المدينة تماماً”. يضيف: “أحمد وأفراد عائلته كانوا يعيشون في مسكن بسيط، ولم يتمكنوا من الهرب من قوة الإعصار. علقوا تحت الأنقاض وكان إنقاذهم صعباً في ظل الظروف الصعبة والافتقار للإمكانيات”.
من جهتها، تقول سوسن عبد الحي، وهي زوجة فريد طه (32 عاماً) الذي كان يعمل في ليبيا منذ عامين، لـ “العربي الجديد”: “كل ما أريده هو معرفة مصير زوجي. أنا راضية بقضاء الله، لكن الانتظار يقتلني في كل دقيقة، فيما تطلب مني الجهات الحكومية اعتباره متوفى”.

ويقول الحاج أشرف عبد العزيز، وهو والد شابين توجها إلى ليبيا منذ أسابيع قليلة: “لا أحد يعرف عنهما شيئاً. سافرا تهريباً عبر الحدود للبحث عن فرصة عمل. كنت أتحدث هاتفياً مع ابني الأكبر عزت قبل العاصفة، لأسمع صرخات وعويلاً قبل أن ينقطع الاتصال”. وتشير الهيئة العامة للاستعلامات المصرية في تقرير حديث إلى أن العوامل الاقتصادية هي أول ما يدفع المصريين إلى الهجرة السرية، في ظل الانفجار السكاني وارتفاع أعداد السكان والفقر والتلوّث ونقص المياه. يضيف أن “90 في المائة من المهاجرين المصريين يعودون إلى بلادهم بعد فترة”.

بدوره، يقول الباحث الاقتصادي أحمد عبد السلام، لـ “العربي الجديد”، إن قصة هؤلاء المهاجرين المصريين إلى ليبيا تعكس المأساة الإنسانية التي يواجهونها، وتعرضهم لمخاطر جسيمة أثناء رحلاتهم، بدءاً من عبور الحدود الخطرة. وبمجرد وصولهم إلى وجهتهم، يواجهون تحديات جديدة مثل النزاعات المسلحة، والبطالة، وسوء المعاملة، وعدم وجود حماية قانونية”. ويؤكد أن رغبة الشباب في العثور على عمل تجعلهم يتجاوزون الحدود، علماً أن الأمر قد يحمل مخاطر جسيمة، لافتاً إلى أن البحث عن فرص عمل في بلدان غير آمنة أو مستقرة يمكن أن يؤدي إلى نتائج مأساوية. يضيف: “تتطلب القضية اهتماماً دولياً وحلولاً شاملة لمعالجة أسبابها، وتوفير بيئة آمنة وكريمة للمهاجرين واللاجئين في البلدان الأخرى، ويجب على المجتمع الدولي التحرك بسرعة للتصدي لهذه الأزمة الإنسانية وتقديم الدعم والمساعدة اللازمة للمهاجرين والمجتمعات المضيفة”.

يتابع: “يجب تعزيز التوعية حول مخاطر الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير، وتعزيز القدرات في المناطق المعرضة للخطر. كما يتوجب على الحكومات والمنظمات الإنسانية العمل لمساعدة الضحايا وتعزيز البنية التحتية لتقليل الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية”.
من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم إن لجوء الشباب المصري للسفر والعمل في الخارج كوسيلة للهرب من الفقر وتحقيق فرص أفضل، يرتبط بجوانب عدة تتعلق بالفقر متعدد الأبعاد في البلاد. تضيف أن الشباب في مصر يواجه صعوبة لتأمين فرص عمل مناسبة ومستدامة، في ظل نقص الاستثمارات والتوجهات الاقتصادية غير الملائمة، ما يجعل العمل في الخارج بمثابة فرصة للشباب لتحقيق دخل أفضل وتحسين ظروف حياتهم.

وتشير إلى أن الضغوط الاجتماعية والثقافية لها دور مؤثر في دفع الشباب للهجرة والعمل في الخارج، إذ يشعرون بالضغط لتوفير الدخل لأسرهم وتحمل المسؤولية المالية، ويعتبرون أيضاً العمل في الخارج فرصة لاكتساب مهارات جديدة وتوسيع آفاقهم الشخصية والمهنية.
وتؤكد أن الشباب يعيشون في مصر تحت ظروف اقتصادية صعبة، منها ارتفاع معدلات البطالة وتدهور المعيشة، ويُعدّ العمل في الخارج خياراً جذاباً لتحسين وضعهم المادي وتوفير فرص أفضل لهم ولعائلاتهم، ويعزز فرصهم في التعلم والنمو وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم المهنية. وتشدد على أن الدولة تتحمل المسؤولية الكبرى في مواجهة الظاهرة، والتأكيد على أن اللجوء للسفر والعمل في الخارج ليس هو الحل الشامل لمشكلة الفقر والتحديات الاجتماعية في مصر. ويتطلب حل هذه المشكلة بحثاً شاملاً وجهوداً متعددة، بما في ذلك تعزيز فرص العمل المحلية، وتنمية الاقتصاد المحلي، وتحسين البنية التحتية، وتوفير التعليم والتدريب المهني، وتعزيز المشاركة المجتمعية والتنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى