الرئيسيةالراي

رأي- رفع الدعم.. بين الحقيقة والوهم..!

* كتب/ خالد الجربوعي،

رفع الدعم عن المحروقات والطاقة بشكل عام أمر ليس بجديد، وحدث مكرر بل وتهديد متواصل منذ سنوات وعقود من كل السلطات التي حكمت وتحكمت في مصير البلاد والعباد..

ففي كل فترة من الفترات أو مرحلة من المراحل يخرج أحد مسؤولي السلطة حتى ممن يجلس على أعلى كراسيها ومنذ عهد النظام السابق ليخبرنا بأهمية وضرورة رفع الدعم عن المحروقات، لأن هذا الدعم يتسبب في ضرب الاقتصاد الوطني ويرفع من حجم المصروفات العامة، ويساهم في فتح باب الفساد والتهريب.. حيث إن جزءا كبيرا من هذه المحروقات تذهب لغير مستحقيها، ومنها ما يذهب لخارج البلاد أصلا عن طريق التهريب والبيع خارج الطرق المحددة، وطبعا يرافق الأمر الحديث عن تعويض بدل مادي لهذا الدعم يصرف لكل مواطن، يكون مناسبا ويعوضه عن الدعم المرفوع.

والحديث عن رفع الدعم من الأساس في ليبيا له تاريخ طويل منذ عقود، حيث كان مثل هذا الرفع يتناول رفع الدعم بداية عن السلع الأساسية، والتي كانت تتوفر في السوق الليبية بشكل مدعوم ولسنوات وعقود طويلة منذ مرحلة الاستقلال تقريبا، لتتواصل مع مرحلة الجماهيرية خاصة عبر تحديد مواقع خاصة ومحددة تقوم بتوزيع جل هذه السلع مثل الجمعيات والأسواق الشعبية، في مرحلة من المراحل وما صاحبها من إذلال وفساد وتهريب للسلع لسنوات طويلة عانى معها المواطن الكثير للحصول على حاجياته خاصة الأساسية منها عبر هذه الأماكن الخاصة بالتوزيع.

ليبدأ منها تدريجيا مرحلة رفع الدعم أولا عن بعض السلع التي صنفت على أنها غير أساسية بداية ومنها البقوليات والألبان والتن وغيرها، ليبقى عدد محدد من السلع تباع بشكل مدعوم أعتقد أنها لم تتجاوز 7 سلع لفترة معينة، وتم ذلك دون أي تعويض مادي مقابل هذا الرفع، كما كان يقال عبر التصريحات خاصة ممن بيدهم الأمر والقرار.. ومر الأمر دون أي مشاكل أو اعتراض إلا في أضيق الحدود وفي الجلسات الخاصة لا أكثر، وأصبح واقعا معاشا تعود عليه الليبيون خاصة مع بقاء السلع المفترض أنها أساسية خارج هذا الرفع لفترة من الزمن.

حتى وصلها الدور في وقت من الأوقات ورفع عنها الدعم جميعا ودون أي تعويض فعلي عنها، كما كان يفترض، وإن تم صرف مقابل مادي محدود وهو أمر ربما لا يعرفه جل الليبيين تقريبا.. خاصة أن هذا المقابل لم يصل إليهم جميعا وتوقف عند العاملين بالقطاع العام، وهو لم يتجاوز ال4 دنانير لكل فرد من أفراد الأسرة شهريا، وحدث ذلك في نهاية سنة 2004 تقريبا.. لكنه لم يستمر طويلا ليتوقف هذا المقابل لاحقا ويرفع الدعم نهائيا على جميع السلع الأساسية، وتصبح خارج قائمة الدعم.. بل بدأ العمل فعليا على رفع الدعم عن المحروقات في فترة من الفترات وإن بشكل تدريجي محدود حتى وصل سعر لتر البنزين إلى ربع دينار تقريبا إن لم تخني الذاكرة.

واستمر الأمر إلى بداية أحداث 2011 وفي محاولة لمواجهة تلك الأحداث من قبل النظام الحاكم حينها عمل على إعادة الدعم لبعض السلع الغذائية الأساسية تحديدا، إضافة إلى إعادة سعر لتر البنزين إلى ما كان عليه سابقا قبل البدء في عملية الرفع التدريجي.

واستمر الأمر والحديث عن رفع الدعم بعد متغيرات 2011 من قبل كل الحكومات، مع ترويج فكرة دفع مقابل مادي مناسب بديلا عنه، تم تداول الكثير من أرقامه، وهنا أقصد الدعم عن السلع الأساسية تحديدا لكن وبدون سابق إنذار، تم هذا الرفع النهائي مرة أخرى ودون أي تعويض مادي، قدمت كل الوعود حوله ليصبح الأمر واقعا يتعايش معه كل الليبيين منذ سنوات.

ليبقى دعم المحروقات أس كل الحديث وكل الدعم وكل الأزمات كما يصورها البعض، وكما هو واقع إلى حد كبير لا يمكن إنكاره، ولم يتوقف الحديث عنه لدى كل الحكومات والسلطات، تشريعية وتنفيذية وفي كل البلاد.. وفي كل مرة يتم فتح هذا الموضوع والحديث عنه، ويمكن القول لمعرفة ردة الفعل العام والشعبي من مثل هذا الأمر إن أصبح واقعا، وماذا يمكن أن يحدث فعليا إن حدث الأمر حقيقة.. وهو ما يتواصل حتى اليوم وإن كان في كل أمر ينتهي الأمر عند التصريحات والاجتماعات وتشكيل اللجان لدراسة الأمر ونتائجه، وكيفية حدوثه وقيمة المقابل المادي المفترض للتعويض، ومدى تأثيره على الواقع المعاش والرأي العام دون أن يتحول إلى واقع طيلة هذه العقود والسنوات.

وها هو اليوم يطفو مرة أخرى على السطح وإن كان ليست المرة الأولى من نفس الحكومة فقد تم الحديث عنه أكثر من مرة طيلة السنتين الأخيريتين من نفس الحكومة الحالية، وفي كل مرة ينتهي إلى نفس النهاية، لا تنفيذ له ولا نتائج ولا فعل حقيقي حوله على الأرض.

إن موضوع الدعم ورفعه عن المحروقات وكل ما له علاقة بالطاقة أمر ليس جريمة ولا مرفوضا بشكل كامل، بل هو ضرورة لا يجب التغاضي عنها في مرحلة من المراحل من أجل توفير الأموال، وما يحدث من إهدار نتيجة هذا الدعم غير المقنن ومنع التهريب ووقف نزيفه الذي تجاوز كل حد.. بل سيكون له الكثير من الإيجابيات على حركة الشارع العام وتقليص الازدحام وغيرها الكثير.. لكن يبقى الأهم هو متى يمكن أن يصبح هذا الرفع متاحا ولا يسبب مضار أكثر من منافع وتكون سلبياته أكثر من إيجابياته.

فقبل رفع الدعم فعليا يجب توفير بدائل مادية حقيقية تكون تعويضا عن هذا الرفع بشكل مناسب للجميع، دون أي تقصير أو تمييع ويجب أن يتم الأمر عبر قانون رسمي حقيقي لا يسقط بالتقادم، لا عبر مجرد قرار محدود من أي سلطة تنفيذية يمكن أن يلغى، أو يسقط في أي لحطة من قبل نفس السلطة أو غيرها.

ثم نأتي لأمر لا يقل أهمية عن التعويض المادي المناسب ألا وهو ضرورة توفير مواصلات عامة مناسبة وفعلية وحقيقية في كل البلاد.

يمكن أن تساهم في التخفيف من مثل هذا الرفع، وتوفر البديل المناسب لاستعمال السيارات الخاصة التي ستواجه أزمة حقيقية خاصة إن تم رفع الأسعار بشكل كبير لتتوافق مع الأسعار الفعلية وأسعار السوق العالمية، وتكون هذه الموصلات متوفرة يشكل دائم وبأسعار معقولة ومناسبة.

لا كما يحدث الآن بغياب شبه تام لهذه الموصلات، وحتى المحاولات الأخيرة لإعادة تفعيل الحافلات.. التي توقفت منذ عقود في جريمة لا تحدث في جل دول العالم.. خاصة داخل مدينة طرابلس لم تحقق بعد المطلوب منها وتنجح في توفير مواصلات عامة حقيقية في كل الأوقات وبأنساب الأسعار، نتيجة رفع السعر وعدم توفر العدد المناسب منها لتكون بديلا فعليا لغيرها من المواصلات الخاصة، ومعاناتها وأسعارها التي أصبحت مبالغ فيها.. الأمر الذي جعل وجودها مثل عدمه إلى حد كبير، فرغم فرحة المواطن بها عند خروجها أول الأمر، ورغبته في الاستفادة منها لكن كل ذلك بقى مجرد حلم لا حقيقة له على أرض الواقع حتى اليوم على الأقل.

ودون أن ننسى ضرورة العمل عل تنفيذ مشروع مترو المدينة والذي سيكون البديل الحقيقي والمناسب لتفعيل مواصلات حقيقية تغني الكثيرين عن استعمال السيارات الخاصة في كل الأوقات كما يحدث اليوم.

إن الأمر قبل أن يصبح واقعا ويرفع الدعم فعليا، يجب اتخاذ الخطوات العملية لتوفير البدائل وإصدار القوانين التي تحفظ حق الموطن في البديل المادي المناسب، ولا يجب أن يكون حلا لمشاكل توجهها السلطة في توفير الأموال وإهدارها فيما لا طائل منه، لتحمل المواطن وزرها من خلال مثل هكذا قرارات دون دراسة وحلول فعلية وعملية..

وهناك أمر آخر مهم لا يجب تجاهله في هذه الفترة ألا وهو الانقسام السياسي ووجود أكثر من سلطة في البلاد، ما يمنع تنفيذ أو نجاح مثل هكذا أمر، فبالتأكيد إن السلطة المنافسة للسلطة التي ستتخذ مثل هكذا قرار “إن حدث فعلا” سترفض العمل به في مناطق نفوذها، ما يجعل الأمر غير واقعي، ويزيد في أسباب انقسام البلاد ومجالات هذا التقسيم.

فيكفي المواطن ما يتحمله من مثل هكذا قرارات وتوفير الأموال لخزينة الدول عبر رفع مزيد الأثقال المادية عليه، والتي كان أهمها رفع سعر الدينار مقابل الدولار ليكون جيبه هو الممول الأول لخزينة الدولة عبر مثل هذا السعر المبالغ فيه.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى