الرئيسيةالراي

رأي- تعليق على الحكم الصادر من دائرة الجنايات بمحكمة استئناف مصراتة بتطبيق حد الردة

* كتب/ المستشار، جمعة عبدالله بوزيد،

لقد صدر الحكم من محكمة استئناف مصراته دائرة الجنايات بتاريخ 4/9/2022 في الدعوى الجنائية رقم 211/ 2019 سجل عام وقد جاء منطوقه كالآتي : (( … حكمت المحكمة بإدانة المتهم ….. عن التهمة المسندة اليه ومعاقبته حدا بالإعدام لإصراره على الردة عن دين الإسلام وتأمر المحكمة بنشر الحكم الصادر ضده ثلاث مرات على نفقته بإحدى الصحف وإلصاق إعلان بذلك بمقر أقامته ومقر المحكمة وإذاعته مع الزامه بالمصاريف . )) وكان قرار الاتهام ا لصادر من النيابة العامة المؤيد من غرفة الاتهام والمعتمد من رئيس النيابة قد نص على وصف التهمة))  كونه مسلما مكلفا ارتد عن الإسلام بالقول والفعل وذلك بأن اعتنق الديانة النصرانية المسيحية قولا وفعلا بعد ان كان مسلما وعلى النحو المبين في الأوراق .)) وقيدها بالمادة 291 من قانون العقوبات المعدلة بالمادة الثانية من القانون رقم 20 لسنة 2016 .

الوقائع :

وتخلص الوقائع في انه بتاريخ 21/4/2019 بدائرة مركز شرطة مصراته حضر الى مركز الشرطة المواطن….. مبلغا عن جماعة باكستانيين يرددون تراتيل اجنبيه مسيحية ومعهم شخص ليبي يدعى ….. وعندما ناقشه قال له انه مسيحي و أن الكتاب الذي بين يديه هو الإنجيل وبالتحقيق معه قال انه : حفظ القران الكريم إلا انه لم يقتنع به ثم قام بتعاطي المخدرات ، ثم دعا الله فألهمه المسيحية ، لأنها أعطته ا لسلام الحقيقي الداخلي ، ويعتقد أن المسيح هو كلمة الله … وان المسيح قد كلمه وقال له : لقد سمعتك ، واكمل دراستك يا …… واعترف بتهمة الردة وقد تمت استنابته ثلاث مرات إلا انه كان مصرا ، وقد كلفت لجنة من الوعاظ الا انه رفض التحدث معهم ومناقشتهم .

التعليق :

رغم أن الأصل في التعليق على الأحكام القضائية أن يكون على أحكام النقض لأنها أحكام تتعلق بالفهم ولتطبيق الصحيح للقانون ، إلا أن بعض الأحكام الموضوعية قد يتكون من المناسب التعليق عليها لأهميتها خاصة اذا وجدت أخطاء جسيمة في التطبيق والفهم ا لصحيح للقانون .

لقد طبقت المحكمة نص المادة 291 المعدلة، والتي عدلت بموجب القانون رقم 20 لسنة 2016 الصادر من المؤتمر الوطني بعد انتهاء ولايته ، والمعروف ان المؤتمر الوطني العام بعد انتهاء ولايته اصدر مجموعة قوانين في جلسة واحدة دون دراسة كافية وبحث مستفيض فاربكت المشهد القضائي في ليبيا ، والنص المعدل جاء كالاتي (( يعاقب بالإعدام حداً كل مسلم مكلف ارتد عن الإسلام بقول أو فعل, وتسقط العقوبة بتوبة الجاني في أي مرحلة قبل تنفيذ الحكم. يعاقب بالسجن كل من صدر منه ما يعد إساءة للدين الإسلامي ما لم يبلغ حد الردة. يعاقب غير المسلم بالإعدام إذا أهان دين الإسلام علانية. )) أما اصل نص المادة 291 عقوبات تحت عنوان إهانة دين الدولة فهو كالاتي (( كل من اعتدى علانية على الدين الإسلامي الذي هو دين الدولة الرسمي بموجب دستور ليبيا أوفاه بألفاظ لا تليق بالذات الإلهية أو الرسول أو الأنبياء يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنتين. )) .

ان هذا القانون الذي طبقته المحكمة قد الغي بموجب القانون رقم 1 لسنة 2020 فالمادة رقم (1) منه نصت على أن (( تعتبر ملغاة كافة القوانين والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني العام بعد انتهاء ولايته بتاريخ 3/8/ 2014 م )) ونصت الماد (2) منه على أن (( يستمر العمل بالقوانين والقرارات الصادرة قبل تاريخ 3/8/ 2014 م إلى حين تعديلها أو إلغائها من الجهة التشريعية المختصة. )) وقد صدر هذا القانون بتاريخ 15/1/2020م ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 15/1/2020م يعمل به اعتبارا من تاريخ صدوره ، ومن ثم فإن التعديل الذي أجراه المؤتمر الوطني يعتبر معدوما لصدوره من جهة لا ولاية لها بعد أن قررت بنفسها حل نفسها قبل انتخاب مجلس النواب .. ومن ثم ؛ وفي كل الفروض وبعيدا عن الخلافات في الراي فإنه بموجب القانون رقم 1 لسنة 2020 تعتبر جريمة الردة غير معاقب عليها في القانون الليبي إلا بعقوبة الإساءة إلى الدين الإسلامي اذا قامت شروطها وهي عقوبة الجنحة . والغريب أن المتهم دافع عنه محاميان لم يقم أي منهما بالدفع بعدم انطباق نص قرار الاتهام ، ويقنع المحكمة بأن النص الأقرب هو النص الأصلي للمادة 291 ، وقبل ذلك مرت على وكيل نيابة ورئيس نيابة ثم قاضي غرفة الاتهام ثم هيئة المحكمة بمعنى أنها مرت على تسعة أعضاء قانونيين لم ينتبه أي منهم الى القانون الذي ألغى هذا التعديل وهو إلغاء في مصلحة المتهم يوجب على المحكمة الأخذ به خاصة وان العقوبة ليست بالهينة فهي عقوبة الإعدام ، والمعروف ان القاضي الجنائي يتلمس أسباب البراءة ، و الشك يفسر في مصلحة المتهم ، والأدهى من ذلك ما ورد بالحكم من ان الدفاع طلب من المحكمة عرض المتهم على الطبيب النفسي للتحقق من مدى سلامة قواه العقلية إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب وقالت في أسبابها (( … فإنه دفع غير سديد لأن المتهم ذكر مرارا وتكرارا انه لا يعاني من أي مرض عقلي كما أن مناقشته لعضو النيابة المحقق في الأمور العقائدية التي تتعلق بعقيدته الجديدة وردوده على أسئلة النيابة العامة ودفعه القانوني الذي ما انفك يردده سواء للمحكمة او للجنة الوعاظ ، كل ذلك يبين ان المتهم لا يعاني من أي مرض عقلي ، حيث اقر صراحة بانه لا يعاني من أي مرض ولم يتعرض لإكراه من احد وحيث انه لا يوجد بملف الدعوى أي دليل يشير الى وجود تاريخ مرضي للمتهم من هذا ا لقبيل فانه يتعين الالتفات عن هذا الطلب .))

وانا أرى ان هذا الرد غير كاف، بل الوقائع تبين بوضوح ان المتهم يعاني من اضطراب ومشاكل عقلية ، فقد قال انه كلم السيد المسيح وتخاطب معه وقال له لقد سمعتك يا ….. وواصل دراستك ، فهل ترى المحكمة ان الحوار بين السيد المسيح الذي رفعه الله اليه قبل الفي عام والمتهم الذي يعيش في القرن الواحد والعشرين شيئا طبيعيا ، وانه لا يشير الى خلل يجعلها – من قبيل التحوط – ان تعرضه على الطب النفسي ، كذلك قال انه حفظ القران الكريم ثم لحقه بتعاطي المخدرات ، والمعروف ان تعاطي المخدرات على مدى طويل يرتب في الغالب خللا في القوى العقلية … فلماذا تشدد التشريعات في عقوبات المخدرات التي قد تصل للإعدام ألا لأنها تحدث خللا في القوى العقلية ثم رفضه الحوار الذي رتب له مع الوعاظ ، و قوله انه يعلم أن عقوبة هذه الجريمة الإعدام فالطبيعي ان يتحوط لنفسه ويدعي انه رجع للإسلام لا ا ن يصر على بقائه في المسيحية ، وقد فات على المحكمة أن أغلب المصابين بالأمراض العقلية لا يعترفون بانهم مرضى ويرون نفسهم انهم طبيعيون فكيف تستند الى إقراره بأنه غير مريض باي مرض عقلي .

وعلى كل حال قد التمس عذرا للقانونيين التسعة الذي مرت عليهم هذه ا لقضية باعتبار أن هذه القانون ربما لم يصل اليهم فالجريدة الرسمية التي تصدر لا تعمم بالقدر الكافي الذي تعودنا عليه في فترة ما قبل عام 1980 حيث كانت الجريدة الرسمية تصل إلى جميع أعضاء الهيئات القضائية أما الآن فإن الجريدة الرسمية قد يصدر منها عدد واحد أو أعداد محدودة ويقال أنها نشرت ، ورغم أن قانون الجريدة الرسيمة قد نص على توزيعها وتوفيرها لكل المواطنين بالإضافة الى إنشاء موقع الكتروني رسمي في الانترنت تنشر فيه الجريدة الرسمية إلا أن هذا الموقع معطل منذ سنة 2019 وقد صدرت عشرات القوانين والقرارت التنظيمية التي لم تنشر ولم تعمم ، ولم تصل الى المطبقين الا بالاجتهاد الشخصي والمتابعة … وعلى كل حال فجل من لا يخطئ وما و جد نظام الطعون والتصديق الا لتلافي مثل هذه الأخطاء .. ولا نملك الا ان نقول سامح الله المؤتمر الوطني العام بإصداره اكثر من خمسين قانونا و تعديلا للتشريعات المستقرة منذ خمسينات القرن الماضي رغم ان ولايته قد انتهت ورغم ان المرحلة التي تمر بها البلاد هي مرحلة انتقالية بمعنى انه يحب عدم مس التشريعات المستقرة الا لضرورة قصوى .. وان هذه التشريعات أدت الى انقسام في النظام التشريعي وكان الواجب على سلطة منتخبة – ولو انتهت ولايتها – ان تحافظ على وحدة النظام القضائي ولا تساهم في تشتيته . بالإضافة الى ذلك كله فإن حد الردة محل خلاف بين الفقهاء أنفسهم فمنهم من لا يراه حدا .. وترك لولي الأمر وضع العقوبة التي يراها مناسبة … فكان الأجدى ان يؤجل النظر في مثل هذه التشريعات الى ان يصدر الدستور الدائم وتنتخب سلطة تشريعية وفقا له .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى