اخبارالرئيسيةعيون

حفتر يستنفر مليشياته لحرب لا نصر فيها (تحليل)

الأناضول-

لم يعد احتمال تجدد المعارك في ليبيا مجرد تخمين، بعد أن دعا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، مليشياته للاستعداد للحرب، عقب 5 أيام من لقائه رئيس المخابرات العامة المصرية في مدينة بنغازي الليبية.

وعادة ما تكون هجمات مليشيات حفتر مفاجئة على غرار عدوانه على العاصمة طرابلس في 4 أبريل 2019، لكنه أعلن هذه المرة ساعة صفر جديدة دون أن يُقْدِم على خطوة سريعة في هذا الاتجاه.

ويعكس ذلك حالة الاستعداد والاستنفار لدى الجيش الحكومي ضد أي هجوم مُباغت، ما يُصعب على مليشيات حفتر الإقدام على عدوان شامل ومفاجئ.

وتركيز حفتر هجومه على تركيا في خطابه الأخير، راجع بالأساس لكونها تمثل أكبر رادع أمام أي تقدم لمليشياته نحو السيطرة على طرابلس، خصوصا بعد أن وافق البرلمان التركي في 22 ديسمبر الجاري، على تمديد مهام قوات بلاده في ليبيا 18 شهرا، اعتبارا من 2 يناير المقبل.

ولعبت الاستشارات والتدريبات والمعدات العسكرية التي قدمتها تركيا للجيش الليبي، دورا رئيسيا في إنقاذ طرابلس من السقوط بيد مليشيات حفتر المدعومة بمرتزقة روس محترفين وآخرين من التشاد والسودان.

ووقّعت الحكومتان التركية والليبية في نوفمبر 2019، مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والأمني، ساعدت في صد محاولات مليشيات حفتر للاستلاء على العاصمة.

ففي ديسمبر 2019، اقتربت مليشيات حفتر من وسط طرابلس حتى لم يعد يفصلها عنها سوى بضع كيلومترات فقط، قبل أن تتمكن القوات الحكومية، بعد وصول المساعدة التركية، من طرد المليشيات والمرتزقة الأجانب من كامل أرجاء العاصمة والمنطقة الغربية إلى غاية مشارف سرت والجفرة.

** خنادق ومناورات

منذ تقهقر مليشيات حفتر من جنوبي طرابلس في يونيو الماضي، بعد 14 شهرا من القتال، عملت على حفر خندق ممتد على طول خط سرت الجفرة، ولغمته، لمنع اكتساح الجيش الحكومي لمناطق سيطرتها في الشرق.

كما زودها حلفاؤها الروس والإماراتيون والمصريون وآخرون بأسلحة حديثة بينها طائرات سوخوي 24 وميغ 29، وراجمات ماروفا الصربية الحديثة.

واستغلت مليشيات حفتر توقف إطلاق النار، منذ يونيو الماضي، في حشد عناصرها قرب خطوط المواجهة، وإجراء مناورات بالذخيرة الحية لتجريب أسلحة جديدة.

ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه لجنة 5+5 العسكرية في 23 أكتوبر الماضي، ينص على سحب القوات من خطوط التماس، إلا أن مليشيات حفتر واصلت حشد عناصرها بسرت والجفرة مع استمرار وصول تعزيزات من المرتزقة الأجانب.

** المسار السياسي لا يخدم حفتر

لم يتحقق السيناريو الذي كان ينتظره حفتر من وراء الحوار السياسي، حيث فشل لحد الآن حليفه عقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق، في انتزاع منصب رئيس المجلس الرئاسي، أمام إصرار غالبية الأعضاء الـ75 في ملتقى الحوار على استبعاد الوجوه القديمة.

ولم تنفع محاولات عقيلة عبر حشد بعض شيوخ قبائل إقليم برقة ورؤساء بلدياتها للضغط على أعضاء ملتقى الحوار السياسي لاختياره رئيسا للمجلس الرئاسي، رغم تلويح بعضهم بورقة التقسيم وفصل الإقليم عن ليبيا.

وكان حفتر يُعول على فوز عقيلة برئاسة المجلس الرئاسي لتعيينه قائدا للجيش، إلا أن ذلك يبدو مستبعدا خاصة بعد تهديد 30 عضوا من ملتقى الحوار بالانسحاب بسبب مقترح للبعثة الأممية مفصل “على مقاس أشخاص بعينهم”.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل يكاد عقيلة يخسر منصب رئيس مجلس نواب طبرق، بعد تمكن النواب من الاجتماع بمدينة غدامس (جنوب غرب) بما يفوق النصاب القانوني لأول مرة منذ أشهر طويلة، ومناقشتهم مسألة انتخاب رئاسة جديدة للبرلمان.

وناور عقيلة على عدة أصعدة لمنع اجتماع النواب في جلسة مكتملة النصاب وانتخاب خليفة له، وآخر تلك المناورات سعيه لعزل 35 نائبا من مجلس النواب في طرابلس، لإحباط أي محاولة لتوحيد البرلمان واختيار بديل له.

وليس من المستبعد أن يلجأ حفتر ومعه عقيلة لإحداث فوضى في المشهد الليبي، وإعادة ترتيب الأوراق لفرض نفسيهما على رأس السلطات التنفيذية المقبلة.

ولا يملك حفتر الكثير من الوقت مع اقتراب موعد استلام جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، في 20 يناير المقبل، والذي لا يعرف عنه ميله إلى الدكتاتوريات العسكرية.

وخلال الأسابيع الأخيرة، أصبحت مواقف واشنطن أكثر تشددا مع معسكر حفتر، حيث اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، روسيا بإثارة عدم الاستقرار في دول البحر المتوسط، ومن بينها ليبيا، الأمر الذي نفته موسكو.

كما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية مليشيا الكانيات وقائدها محمد الكاني التابعين لحفتر ضمن قائمة العقوبات، ناهيك عن الدعاوى القضائية المرفوعة ضد حفتر نفسه في المحاكم الأمريكية بتهم قتل، والتي قد تتسبب في مصادرة ممتلكاته هناك، والمقدرة بـ8 مليون دولار.

وأمهلت محكمة فرجينيا وزارة الخارجية الأمريكية حتى 3 يناير القادم لإبداء الرأي في وجود “حصانة رئاسية أو شبه رئاسية” لحفتر بحسب محاميه، وعدم حصول حفتر على أي منصب سيادي إلى غاية هذا التاريخ سيعقد موقفه أمام القضاء الأمريكي.

** المراهنة على فتنة بطرابلس

بشكل مفاجئ، عاد القائد السابق لكتيبة “ثوار طرابلس” هيثم التاجوري، إلى العاصمة، عقب خروجه منها في يونيو 2019، بعد شهرين من هجوم حفتر على طرابلس.

وفي هذا الصدد، حذر اللواء أسامة الجويلي، قائد المنطقة الغربية في الجيش الليبي “أي طرف بالمنطقة الغربية يفكر في إثارة المشاكل أو إشعال فتيل الحرب”.

ويضيف الجويلي “ستكون العواقب وخيمة على كل طرف يسعى للاقتتال، وليضع في حسابه أننا سنتصدى له وبقوة”.

ويراهن حفتر على وقوع مواجهات مسلحة بين كتائب المنطقة الغربية، على غرار ما حدث في 2017، لبدء هجومه على العاصمة، بعد أن يُنهِك القتال خصومه.

إلا أن الجيش الليبي أكثر يقظة ووحدة اليوم مما كان عليه الوضع في 2017، ونجح بفضل التعاون مع تركيا في تخريج عدة دفعات عسكرية مدربة على مختلف الأسلحة.

كما أن الجيش الليبي يحشد قواته شرق مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) استعدادا لصد أي هجوم لمليشيات حفتر، باعتبارها أكبر تهديد على طرابلس وكامل المنطقة الغربية.

وامتلاك الجيش الحكومي لطائرات بيرقدار المسيرة التركية يمثل أكبر رادع لحفتر، الذي طالما مَثّل تسيده لسماء المعركة نقطة قوته الرئيسية.

وقد لا يخوض حفتر حربا إلا لضمان مقعده في المشهد السياسي المقبل، أو كبيدق في يد قوى أجنبية تتحرك ضمن معادلة دولية أكبر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى