اخبارالرئيسيةعيون

تهديدات للمسار السياسي في ليبيا: تفرّد صالح ينذر بتعقيدات

العربي الجديد-

على وقع الدعوات الدولية المتزايدة لتمهيد الطريق أمام الانتخابات الليبية في موعدها المقرر في 24 ديسمبر المقبل، وإزالة كل العقبات أمامها، تبرز تعقيدات جديدة تنذر ليس فقط بتهديد هذا الاستحقاق بل انهيار العملية السياسية برمتها في ليبيا، وذلك مع سعي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح لإقرار إطار دستوري للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، بشكل منفرد ومن دون إشراك المجلس الأعلى للدولة، وباعتماد انتخاب رئيس الدولة مباشرة من الشعب ومع توزيع جديد للدوائر الانتخابية، وسط تخوّف من أن يكون ذلك استمرارا لمبدأ المحاصصات الإقليمية، وفي ظل اتهامات لأطراف خارجية بدعم خطوة صالح.

وعلى الرغم من استمرار البعثة الأممية في التعويل على ملتقى الحوار السياسي لإنجاز الإطار الدستوري للانتخابات وتجاوز الخلافات التي طرأت بين أعضائه خلال اجتماعهم بداية الشهر الماضي، وذلك من خلال لجنة التوافقات التي بدأت أعمالها الإثنين الماضي عبر الفيديو، إلا أن عقيلة صالح دعا النواب إلى جلسة الإثنين، حول “قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، واعتماد توزيع الدوائر الانتخابية”، وفق بيان للمتحدث الرسمي للمجلس عبد الله بليحق، الذي أوضح أن عملية التصويت على القانون ستجرى “بمن حضر” من النواب.

وقالت مصادر برلمانية لـ”العربي الجديد” إن مقترح القانون المنتظر طرحه خلال جلسة البرلمان الإثنين، ينصّ على انتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر وفقاً لتوزيعة جديدة للدوائر الانتخابية في البلاد. وأوضح أحد المصادر أن “انتخاب الرئيس سيكون وفقاً لتقسيم 32 دائرة انتخابية بدلاً من 13 دائرة”، مشيراً إلى أن صالح سيطلب من النواب التصويت على المقترح كاملاً بماديته الخاصتين بانتخاب الرئيس والتوزيع الجديد للدوائر الانتخابية.

وكان صالح قد استبق الجلسة بالتحذير من أن ليبيا ستعود “إلى المربع الأول” وإلى الاضطرابات إذا تأجلت الانتخابات. وقال لوكالة “رويترز” بداية الأسبوع الحالي “إذا تعطّلت الانتخابات، سوف نرجع للمربع الأول”، محذراً من أن حكومة جديدة موازية ستظهر في الشرق. وعن فشل ملتقى الحوار السياسي في الاتفاق على الإطار الدستوري للانتخابات خلال اجتماعه بداية هذا الشهر، قال صالح إنه لا حاجة لاجتماع أعضاء اللجنة البالغ عددهم 75 عضواً. وأضاف “لدينا إعلان دستوري… نحن لسنا بحاجة إلى الالتفاف وضياع الوقت. ولا مساومة”.

وفي أول تعليق على دعوة صالح لجلسة الإثنين، قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للدولة محمد عبد الناصر إن “تنسيب قانون الانتخابات للنواب فقط يعد جهلاً فاضحاً بنصوص ومواد الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي”، مضيفاً في تصريح “لن نسمح بتمرير هذه الترهات”. وفيما اتهم صالح بـ”إفساد وتعطيل وتأجيل الانتخابات والطعن في مشروعيتها”، حمّل عبد الناصر البعثة الأممية والمجتمع الدولي مسؤولية إصدار مجلس النواب “تشريعات باطلة للانتخابات”، ومحاولة فرضها. وكان المجلس الأعلى للدولة، قد أكد في بيان صدر عنه في 22 يوليو الماضي أن “إقرار قانون الانتخابات العامة هو من اختصاص مجلسي النواب والدولة… وأن أي تصرف أحادي من الجهتين يعتبر مرفوضاً طبقاً للنصوص الدستورية”.

وتأتي جلسة البرلمان بعد اجتماع روما، الذي بدأ الإثنين الماضي، بين أعضاء اللجنة البرلمانية المشكّلة من قبل صالح لصياغة قانون الانتخابات، مع رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح. وفيما لم تعلن اللجنة البرلمانية عن نتائج اجتماعها بالسائح في روما، الذي انتهى الخميس الماضي بشكل رسمي، أكدت مصادر ليبية لـ”العربي الجديد” أن الاجتماع واجه ارتباكاً كبيراً بعد رفض أعضاء اللجنة البرلمانية مشاركة ممثلي المجلس الأعلى للدولة في الاجتماع إثر مطالبة البعثة الأممية بذلك.

وأثار تدخّل السائح في عملية إعداد القوانين الانتخابية اعتراضات سياسية، ومخاوف من جرّ المفوضية العليا للانتخابات إلى أتون الصراع السياسي والسماح لها بتجاوز دورها الفني الذي نصّ عليه قانون إنشائها. حتى إن عضو مجلس النواب عمار الأبلق، وصف دور السائح بـ”المشبوه”، متهماً أطرافاً دولية بدعم تدخّله لـ”صب الزيت على النار” لصالح مكاسبها.

وتحدث الأبلق، في تصريح لتلفزيون ليبي، عن وجود العديد من الدلائل عن تدخّلات دولية في عمل المفوضية وتوجيه رئيسها، منها تلقي المفوضية أكثر من مليون يورو من فرنسا، وتنظيم إيطاليا للاجتماع الأخير الذي تم إقصاء مجلس الدولة منه. ورأى الأبلق أنها شواهد تثير الشبهة بتدخّل تلك الأطراف في مقترح إعادة توزيع الدوائر الانتخابية التي تقدّم بها السائح لتمرير مصالح بعض الدول، معتبراً أن “تقسيم السائح للبلاد إلى أقاليم برقة وطرابلس وفزان ليس له وجود دستوري ولا سند قانوني، لأنه يريد بذلك فرض واقع جديد وتقسيم الدولة إلى ثلاث دول”.

وعن ذلك، رأى أستاذ العلوم السياسية الليبي، المتابع للمسار الدستوري في البلاد، عيسى الغزوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “صالح يستخدم صلاحياته كرئيس لمجلس النواب لخدمة مواقفه التي بات من الصعب تبيّن أهدافها الحقيقية”، معتبراً أن عزمه تمرير القانون الانتخابي بمن حضر مستنداً على ثغرات في اللائحة الداخلية يهدف إلى الضغط على المسار الدستوري لتوجيهه نحو القبول بالقانون المقترح من قبله واستثمار عامل الوقت الفاصل عن موعد الانتخابات الذي بدأ يتبدد.

ولفت إلى أن المخاطر تتصل بمضمون مقترح قانون الانتخابات المنتظر أن يطرح على النواب يوم غد الإثنين، وتحديداً في جانب التوزيع الجديد للدوائر الانتخابية، موضحاً أن “ما تسرّب حتى الآن عن عدد الدوائر الجديدة هو زيادة 19 دائرة عن العدد السابق، لكن المخاوف حول إمكان أن يخدم ذلك حديث عقيلة صالح المستمر عن العودة إلى الأقاليم الثلاثة التاريخية (برقة وطرابلس وفزان)”، معتبراً ان إصرار صالح على إقصاء مجلس الدولة والتفرد بإصدار قانون الانتخابات مقدمة لمزيد من التأزيم السياسي. وعن مشاركة السائح باجتماع روما، قال الغزوي “من سيقبل نتائج الانتخابات بإشراف عماد السائح الذي أصبح يساند طرفاً على آخر والانتقادات كبيرة جداً له”.

ورأى الغزوي أن دولاً متدخلة في ليبيا تسعى لتكريس منطق المحاصصة وفق الأقاليم الثلاثة في عملية انتخاب المجلس الرئاسي وتشكيل الحكومة الحالية من قبل ملتقى الحوار السياسي الذي شكّلته البعثة الأممية، معتبراً أن مسار التأزيم الحالي هدفه تجديد العملية السياسية وفق هذا المنطق وإلا انهيار العملية السياسية برمتها.

وعن دور البعثة الأممية والمسار الذي تعمل عليه مع ملتقى الحوار السياسي من خلال لجنة التوافقات، اتهم الغزوي البعثة بترك فراغ في مسار الإعداد للعملية الانتخابية، ما سمح للمعرقلين وعلى رأسهم مجلس النواب للتحرك بحرية، مشيراً إلى أن البعثة قد تكون تسير في ركاب سياسات بعض الدول التي تنتهج العمل من خلال حلفائها المحليين لضمان مصالحها قبل إنتاج طبقة سياسية جديدة قد تفرزها الانتخابات. وأشار إلى ما قال إنه “موقف غامض” للبعثة الأممية تجاه تدخّل بعض العواصم الأجنبية في المسار الانتخابي، مضيفاً “على الرغم من أنها أقرت بالمشاركة في اجتماع روما، إلا أنها هادنت بدعوة مجلس النواب لإشراك مجلس الدولة في الاجتماع لإعداد قانون الانتخابات من دون أن تعبّر عن موقف صريح لرفض تفرد مجلس النواب بإصدار القانون وترك الباب مفتوحاً أمام كل احتمالات التأزيم”.

في غضون ذلك، تبرز أيضاً مخاوف من تأثير بقاء المرتزقة في ليبيا على الانتخابات المرتقبة. ودعا خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة، الجمعة، جميع المرتزقة والمتعاقدين الخاصين المرتبطين بهم إلى مغادرة ليبيا، معتبرين أن رحيل هؤلاء شرط مسبق حيوي لإجراء انتخابات سلمية. وقالت جيلينا أباراك، رئيسة فريق الأمم المتحدة العامل المعني باستخدام المرتزقة، في بيان، إن “استمرار تجنيد المتعاقدين والمرتزقة ووجودهم في ليبيا بعد 9 أشهر من وقف إطلاق النار يعوق التقدّم في عملية السلام، ويشكّل عقبة أمام الانتخابات المقبلة”. وأضافت “إذا كانت الانتخابات ستُجرى في ديسمبر 2021 كما هو مقرر، فيجب أن يكون الليبيون قادرين على القيام بهذه العملية في بيئة آمنة، ووجود هذه الجهات الفاعلة يعوق ذلك”.

من جهته، رحّب رئيس البعثة الأممية في ليبيا يان كوبيتش الجمعة بإعلان اللجنة العسكرية المشتركة فتح الطريق الساحلي، موضحاً أن “الخطوة الرئيسية التالية بعد فتح الطريق الساحلي هي الشروع في سحب جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا من دون تأخير عبر البدء بسحب المجموعات الأولى من المرتزقة والمقاتلين الأجانب من كلا الطرفين”.

واعتبر كوبيتش فتح الطريق الساحلي “خطوة أخرى في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في البلاد وتوحيد مؤسساتها”، وأنها “بمثابة رسالة إلى قيادات البلاد لتنحية خلافاتهم جانباً والعمل معاً لتنفيذ خارطة الطريق وإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى