الرئيسيةالرايثقافة

الهوية الليبية الجامعة!

* كتب/ أسامة وريث،

أطلعني بعض الأصدقاء على محاور ندوة علمية حول (الهُويـة الليبيـة الجامعـة) وهو موضوع شيق، ولولا مشاغلي، لكنت قد شاركت بورقات بحثية لافتة للنظر فيه.

(استعمال مصطلح الهوية الليبية) في كل ما هو راهن وحاضر بالمجتمع المدني وفي السياسة والاقتصاد والدين والقانون والقضاء والدستور الخ هو استعمال طبيعي وصحيح لا غبار عليه.

لكن (من الجيد التنويه) إلى أن استعمال ذات المصطلح في مجال التاريخ والأنثربولوجيا والإرث والموروث والتراث، هو استعمال خاطئ، ولا ينم سوى عن جهل أصحابه بأبعاد التسمية! التي لا وجود لها في الوعي الجمعي الأهلي بين أجدادنا وأسلافنا قبل استقلال البلاد وبقرار/اختيار أممي، وتحت مسمى أممي وهو:  المملكة الليبية المتحدة United Kingdom of Libya

عليه؛ (غير صحيح تاريخيا وبالمرة) استعمال مصطلح ليبي وليبية، وليبيا وليبيين وليبيات، قبل بزوغ واعتماد الهُوية الليبية أصلا في 1951 مع إصدار أول جنسية دائمة، تحت اسم الجنسية الليبية سنة 1954 أما قبل ذلك فكان الناس ينسبون أنفسهم الى أقاليمهم الثلاث: طرابلسي أو برقاوي أو فزاني، أو بطونهم وقبائلهم ومدنهم ومناطقهم. والأدلة والدلائل في هذا السياق طويلة.

لأن (كلمة ليبيا وليبي وليبية الخ جميعها كلمات أجنبية) يونانية الأصل والفعل Λιβύη Livýi Libyae  لا وجود لها في أذهان السكان سواء بالعصور القديمة نفسها أم بالعصر الوسيط الإسلامي أم بالعصر الحديث وبدايات المعاصر. لأنها كلمات يونانية ولاتينية لم يستعملها إلا اليونانيون وسكان المدن البحرية من السكان البونيقيون والمتوسطيون؛ ممن هلكوا وغادروا مدنهم البحرية التي أضحت من بعدهم أطلالا وآثارا في مراحل متعاقبة، مع تفشي الغارات القبلية من الدواخل منذ مطلع العصر الوسيط ق4-7م

وما يجهله الكثيرون هو أن ليبيا كما نعرفها اليوم، (لم تكن يوما وحدة واحدة في تاريخها!) ففي العصور القديمة كان الاسم يعني قارة أفريقيا بكاملها، ثم أضحى بعد الميلاد يعني شمال أفريقيا. ومنذ الألف الأولى ق.م، قسّم الإغريق Graeci في الشرق والفينيقيونPhoenicum في الغرب مناطق النفوذ بينهم عند قوس فيليني Philonis aris –  ما بين العقيلة وراس لانوف حاليا – فيما بسط الجرمنت Garamantcs نفوذهم على مناطق الجنوب، واستمرت نفس الخصائص المناطقية حيّة بين الإقليمين منذ ذاك التاريخ وإلى نهار هذا اليوم.

(وطوال ذاك الوقت) ووصولا إلى العصر الوسيط بفرعيه المسيحي “الوندالي والبيزنطي” ثم الفرع الإسلامي “العربي والبربري/المغاربي” لم تكن البلد وحدة واحدة. بل كان كل إقليم يُدار من البلد المجاور له، تونس و مصر. حتى بداية العصر الحديث عندما شرع “العثمانيون” في صناعة (أول مجال جيوسياسي موحد) لكامل التراب الذي أطلق عليه وقتذاك اسم (إيالة طرابلس الغرب) وكان “القرمانليون” هم أول من صنع هوية لبلادنا كوحدة واحدة وتحت اسم الهوية (الطرابلسية) وفي عهدهم نشأت لأول مرة النزعة الوطنية الكاملة تجاه البلد. ثم استمر الإيطاليون في الحفاظ على نفس الهوية الجيوسياسية وإن بتغيرات وتقلصات جيوسياسية كبيرة، مستعملين الاسم اليوناني القديم: Λιβύη ليبيا Libyae.

( ولم تسترد الكلمة Libia إلا على يد الإيطاليين )، ومع ذلك وطوال الحقبة الإيطالية لم يستعمل أحد من الأهالي كلمة ليبي أو ليبية. بل كان (الكل يقول: أنا طرابلسي فزاني برقاوي) إلى أن (جـاء الاستقــلال) وتم استعمال اسم ليبيا من الداخل لأول مرة! ومع ذلك، حتى وبعد الاستقلال وإلى غاية بداية الستينات ظل بعذ الأسلاف يرفض القول بأنه ليبي! بل يقول مثلا أنا طرابلسي،، وهناك من توفي منهم بآخر الستينات وهو على هذه القناعة.

بل وأن ( مناضلي حقبة الاستقلال في 1940 ) رفضوا استقلال البلد تحت اسم ليبيا، معتبرينه اسما أجنبيا لا يمت لهم بصلة. وكان من المفترض أن تستقل البلد تحت اسم المملكة الطرابلسية تماشيا مع اسم البلاد الطرابلسية، تماما كما استقلت تونس والجزائر بأسمائها المتعارف عليها خلال العصر الحديث. غير أن ممثلي الوفد البرقاوي – وتحت تأثير الجهوية القديمة والمتجددة – رفضوا ذلك، وطالبوا بالبحث عن اسم لا علاقة لطرابلس أو غيرها به!

(ومن يراجع جميع المصادر والمؤلفات) التي كتبها جميع عامة ونخب البلاد، منذ ما قبل الحكم الإيطالي 1911، نزولا إلى تاريخ صدور أول كتاب بربري بالخط العربي في القرن الهجري 2، فإن المرء لن يجد نصا واحدا فقط، فيه كلمة واحدة فقط! تشير الى شيء واحد فقط! حول مفهوم ليبيا أو حتى تسمية ليبي وليبية!. ولن يكون في وسع أي باحث أو محاضر أكاديمي أن يأتي بما يخالف هذه الحقيقة. إلا إذا كان (يهدرز هدرزة عزايز)، غير مستندة على أية مصادر مجلدة أو نقوش أو مخطوطات ووثائق.

(والخلاصة) أن الهوية الليبية بجنسيتها ومفهومها وهويتها؛ هي صناعة أممية ومعاصرة، لا وجود لها قبل حكم الإيطاليين في 1911-1943 ولا استعمال لها بين أجدادنا وأسلافنا آنذاك، ولا اعتماد لها قبل استقلال البلد أصلا بشكل رسمي وفعلي، وتحت اسم ليبيا/المملكة الليبية في 24 ديسمبر 1951م. ومن الجهل والسذاجة والغباء استعمالها سواء بشكل جمعي، أم فردي؛ قبل أواسط القرن الفائت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى