اخبارالرئيسيةعيون

التحرك المصري التركي في ليبيا.. تطور قد يقلب المشهد

الحرة-

زيارتان متزامنتان في اليومين الماضيين لدولتين تقفان على طرفي نقيض، فتحتا باب حديث واسع عن المرحلة الجديدة، التي تدخل بها طرابلس الواقعة في الغرب الليبي، والتي يبدو أنها مقبلة على تطورات فاصلة، من شأنها أن تقود إلى مشهد ليبي جديد، بعيدا عن أصوات القصف وأرتال الجند المدجج بالسلاح.

الزيارة الأولى هي لوزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، بصحبة وفد عسكري رفيع ضمن رؤساء الأركان البرية والبحرية، قبل أن يزور العاصمة وفد مصري رفيع مكون من شخصيات أمنية ودبلوماسية، لأول مرة منذ ست سنوات، في تحركات استبعد مراقبون أن تكون محض صدفة، بل تقف وراءهما رسائل وترتيبات قد لا تعرض على العلن في الوقت الحالي، إلا أن بوادرها باتت مكشوفة.

وتقود معظم التحليلات حاليا إلى أن الساحة الليبية تشهد في الوقت الحالي تفاهما أقرب من تقارب بين تركيا ومصر، وهو أمر كان الطرفان قد مهدا له في الأشهر الماضية، دون وضوح الغايات والنوايا، لكن وفي المقابل هناك عدة تعقيدات ونقاط عالقة تتعلق بطبيعة التحالفات المضادة التي تصطف بها أنقرة والقاهرة، والتي من شأنها أن تعيق أي تحرك إيجابي قد يقدم عليه الطرفان.

رسائل إيجابية من أنقرة

ومنذ قرابة شهرين مضيا كان هناك لهجة إيجابية من جانب أنقرة اتجاه نظيرتها القاهرة، وخاصة في الأمور المتعلقة بالساحة الليبية. الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان كان قد أطلق عدة رسائل، اعتبر فيها أن بلاده مستعدة لعقد اتفاق بحري مع مصر على غرار الاتفاق البحري مع ليبيا.

وأضاف في أغسطس الماضي: “جهاز استخباراتنا يواصل لقاءاته مع جهاز استخباراتهم (مصر)، ولا شك أن نظرة الشعب التركي تجاه الشعب المصري مختلفة، ولا يمكن أن يكون التضامن بينهما متشابها مع الشعب اليوناني”.

وإلى جانب رسائل إردوغان كان هناك تصريحات إيجابية من مسؤولين أتراك أكدوا فيها أن يكون هناك تواصل بين الطرفين بغض النظر عن أي خلافات سياسية بين الرئيس إردوغان وعبد الفتاح السيسي، من منطلق أن “الحكومتين والشعبين يجب أن يتقاربا”.

وبالعودة إلى تهديد حفتر الأخير ضد القوات التركية، فلم يصدر عن القاهرة أي موقف يشابه مواقفها السابقة، التي اعتبرت فيها سرت- الجفرة “خطا أحمر”، في يونيو الماضي، عندما اقتربت قوات “الوفاق”، بدعم تركي، منهما.

ووفق مراقبين، فإن مصر وعلى الرغم من اصطفافها في الحلف المضاد لتركيا في عدة ملفات، بينها الملف الليبي، إلا أنها تعتبر أشد المعارضين للحملة العسكرية التي شنها حفتر للسيطرة على طرابلس، وكانت قد تخوفت من سيناريو التوسع التركي في ليبيا، إذا ما فشل حفتر في ذلك، وهو الأمر الذي حصل تماما.

ويبدو أن الزيارة المصرية اللافتة إلى الغرب الليبي لن تقف عن ذلك، ولاسيما أنها أتبعت باتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ووزير خارجية ليبيا لحكومة الوفاق، محمد الطاهر سيالة، وذلك من أجل بحث الملف الليبي ودعم الاستقرار.

وذكر بيان صادر عن الناطق باسم وزارة الخارجية الليبية في “الوفاق”، محمد القبلاوي، اليوم أن “سامح شكري أثنى على استقبال الوفد المصري في العاصمة طرابلس، ويؤكد على استمرار التعاون بين الجانبين، وأن تكون الزيارة خطوة جدية في هذا الاتجاه”.

رسائل على عدة أصعدة

المحلل السياسي المختص بالشأن التركي، محمود علوش، يرى أن تزامن الزيارتين التركية والمصرية لطرابلس يحمل في طياته رسائل مهمة على عدة صعد، أهمها أن الهدف العريض لكلا البلدين في ليبيا متشابه، وهو الحفاظ على وحدة ليبيا ومركزية السلطة فيها.

ويقول علوش في تصريحات لموقع “الحرة” إن “الانفتاح المصري على حكومة السراج فرضه التدخل التركي، كما أن عدم ممانعة تركيا لانفتاح حلفائها الليبيين على القاهرة ووقف العمليات العسكرية على حدود سرت يؤكدان احترام الأتراك لمصالح المصريين واستعدادهم للتعاون معهم”.

وليبيا هي ساحة من ساحات التنافس التركي- المصري، والذي كان قد أخذ شكلا صداميا بدلا من أن يكون تعاونا تنافسيا على اعتبار أن مصالح البلدين تلتقي في جوانب عديدة على رأسها تحقيق الاستقرار في هذا البلد.

لكن القاهرة وأنقرة، يتابع المحلل السياسي: “باتتا تدركان أكثر من أي وقت مضى أهمية التعاون في ليبيا وعزله عن تأثير الخلافات بينهما في القضايا الأخرى كالموقف من الإسلام السياسي وصراع شرق المتوسط”.

جس نبض لاحتواء “الوفاق

الزيارة المصرية لقيت اهتماما كبيرا في أوساط حكومة الوفاق، خصوصا الشخصيات الحكومية الراغبة في موازنة العلاقات مع الأطراف الإقليمية، وإلى جانب ذلك كان هناك ترحيب ضمني في الأوساط التركية.

لكن هناك من يرى خلاف ما سبق، من منطلق أن الزيارة المصرية إلى طرابلس تأتي في إطار التنافس بعيدا عن أي تفاهمات أو تقارب مع الجانب التركي، إذ تسعى القاهرة لتعزيز وجود كبير في الغرب الليبي، كخطوة لكسر الوجود التركي الذي تعزز مؤخرا بزيارة آكار.

وفي حديثه لموقع “الحرة” استبعد المحلل السياسي الليبي، عبد السلام الراجحي، أن يكون هناك ربط بين الزيارتين التركية والمصرية إلى طرابلس.

ويقول الراجحي إن “زيارة آكار والوفد المرافق له إلى طرابلس لم تكن بعد تصريحات حفتر أو كردة فعل، بل كانت مرتبة بعد دعوة من وزير الدفاع الليبي في حكومة الوفاق، من أجل حضور خفر الدفعة 50 من الكلية الليبية التي استهدفها الطيران الإماراتي”.

ويضيف المحلل السياسي أن “الزيارة جاءت للمشاركة في الاحتفالية، وتزامنت مع زيارة المخابرات المصرية. لكن لا يوجد ارتباط بينهما”.

وحسب الراجحي، فإن هدف المصريين إلى غرب ليبيا يأتي من أجل “جس النبض، وإعادة تفعيل القنصلية، وإعادة تفعيل فتح الخطوط البحرية والجوية أمام الملاحة للبلدين، معتبرا أن “الزيارة المصرية نوع من الذريعة. مصر تريد جس نبض، وألا تخسر جميع الأطراف في ليبيا وتحاول احتواء حكومة الوفاق”.

استقطاب يتجاوز الجغرافيا الليبية

ما تشهده الساحة الليبية من تطورات يعتبر سابقة لم تشهدها المنطقة منذ سنوات، لكنه يطرح عدة تساؤلات عن التوقيت الذي يأتي فيه، بمعنى ما هي العوائق والعقبات التي حالت أمام الانفتاح المصري في الغرب الليبي سابقا؟

ويقول المحلل، محمود علوش، أن أبرز العقبات هو انخراط البلدين (مصر، غرب ليبيا) في “استقطاب إقليمي حاد يتجاوز الجغرافيا الليبية”.

ويضيف: “مصر الآن بدأت تفكر بطريقة مختلفة نسبيا، ووضعت مسافة بين مصالحها في ليبيا ضمن تحالف يجمعها مع الإمارات وفرنسا وأطرافا أخرى، وبين مصالحها المنفردة التي تفرض عليها فتح خطوط مع أطراف أخرى من خارج هذا التحالف”.

كما أن “الرهان المطلق على الجنرال حفتر انهار، فضلا عن أن تركيا باتت لاعبا بارزا في المعادلة الليبية، وبعض الأوروبيين كإيطاليا وألمانيا يدركون ذلك أيضا”، حسب علوش.

ويشير المحلل السياسي المقيم في إسطنبول إلى أن أي تعاون تركي- مصري في ليبيا سيساعد في دفع مسار التسوية السياسية للصراع، معتقدا أن “الأمور ستمضي في هذا الاتجاه لكن بشكل بطيء، إذ تبقى هناك بعض العقبات الرئيسية التي تواجه تحقيق التعاون، أهمها مسألة التواجد العسكري التركي في المستقبل”.

وفي الوقت الحالي تطمح تركيا إلى استثمار تدخلها وتحويله إلى تواجد استراتيجي في جنوب المتوسط من خلال إنشاء قاعدة عسكرية واستثمارات اقتصادية وغيرها، أما مصر فلا تريد لهذا الدور التركي أن يتوسع، لأنه سيكون على حسابها في منطقة واعدة اقتصاديا، وبوابة إلى دول القارة الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى