ماذا وراء خلو الشوارع في مصر من احتجاجات “11/11″؟
عربي 21-
خلت شوارع مصر أمس الجمعة، من أي مظاهر احتجاجات، خلافا لما كان مخططا له من قبل معارضين، تزامنا مع انعقاد قمة المناخ “كوب 27” بشرم الشيخ، وزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وخلت الشوارع والميادين منذ صباح أمس الجمعة من أي تجمعات للمواطنين ومن المارة إلا من انتشار مكثف لقوات الأمن سواء بزيها الرسمي أو المدني، والتي عملت على اعتقال المئات من المواطنين على مدى الأسابيع التي تلت الدعوة للنزول تحسبا لحدوث أي احتجاجات.
ورفعت السلطات المصرية حالة التأهب الأمني إلى أعلى مستوى تحسبا لدعوات الاحتجاج، والتي باتت تعرف باسم “مظاهرات 11/11″، ولجأت الأجهزة الأمنية إلى ثلاثة مسارات بحسب ما رصده ناشطون، لمحاولة إجهاض دعوات النزول التي تتزامن مع استضافة البلاد قمة المناخ العالمية COP 27.
الأول؛ شن حملات اعتقال موسعة في عموم البلاد، والمسار الثاني؛ نشر قوات أمنية ومخبرين سريين وتوقيف عشوائي للمارة في الشوارع، والثالث؛ مراقبة شبكات التواصل ورواد مواقع السوشيال ميديا وتتبع حساباتهم وملاحقتهم والقبض على أصحاب تلك الحسابات.
وحصرت منظمات حقوقية محلية اعتقال المئات بشكل تعسفي في الحملات الأمنية التي تشنها السلطات في مصر، المرتبطة بالدعوات إلى احتجاجات 11/11 واحتجازهم في مقار أمنية متعددة والتحقيق معهم من قبل جهاز الأمن الوطني وإحالة بعضهم للنيابة.
صمت وغياب
وبدأت الدعوة للنزول مطلع شهر أكتوبر الماضي على لسان عدد من المعارضين بالخارج مثل عبد الله الشريف، معتز مطر، ومحمد علي، وعدد من الشخصيات السياسية الأخرى وتأييد واسع من أطياف المعارضة في المنفى، في ظل عدم وجود رد رسمي من جماعة الإخوان المسلمين أكبر كيان معارض بشأن المشاركة من عدمها، وكذلك بعض الأحزاب والكيانات السياسية المعارضة.
كما غابت القوى والحركات والشخصيات السياسية المعارضة في الداخل عن مشهد الدعوة للنزول والاحتجاج في ذلك اليوم والتزمت الصمت حيال المشاركة من عدمها، باستثناء حركة 6 أبريل الشبابية التي يقبع الكثير من قياداتها في السجون أو تحت المراقبة، لعدم مشاركتهم في أي احتجاجات.
واستغلت دعوات النزول التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة الاحتقان والغضب الشعبي في عموم البلاد بسبب الظروف المعيشية الصعبة وغلو الأسعار لجميع السلع والمستلزمات الضرورية، وانهيار العملة المحلية، وإثقال كاهل المواطنين بالضرائب والفواتير الباهظة، وحالة القمع غير المسبوقة للحريات، والغلق التام للمناخ العام.
الغضب الشعبي مستمر
في تقييمه يقول رئيس تيار الأمة، محمود فتحي، أحد الداعين والمؤيدين للنزول في 11/11: “هناك إيجابيات وسلبيات يمكن استخلاصها من تلك الدعوة؛ في مقدمتها، حالة القلق التي كانت بادية على نظام السيسي وأجهزته الأمنية والإعلامية، وارتفاع الوعي لدى النشطاء والشعب وتعاون النخب السياسية والإعلامية، ووصول رسالة مهمة للخارج مفادها أن النظام ليس في مأمن من حدوث انفجار شعبي، إلى جانب دعم قيادات الحراك العربي الحر”.
وأضاف لـ”عربي21″: “أما بخصوص السلبيات فهي استمرار العشوائية، وغياب التيار الشعبي والخطة والقيادة التي هي ركن أساسي ورئيسي من أي حراك شعبي ضد النظام رغم توفر جميع أسباب الحراك لدى الشعب المقهور والمظلوم”.
بخصوص غياب المظاهرات الشعبية استجابة لدعوة النزول، أوضح فتحي، أن “الشعوب لا تبدأ شرارة الثورة، ولكنها القاعدة الشعبية التي تعتمد عليها وتزيدها زخما؛ لأن شرارة الثورة يصنعها التيار الشعبي والقيادة الجماعية والرؤية والخطة ولجان العمل والمجموعات الثورية على الأرض؛ ثم تنضم الشعوب لتنتصر الثورة”.
بدوره، اعتبر الإعلامي معتز مطر أن يوم 11/11 كان فرصة سانحة للمصريين لاستغلال حالة الغضب الشعبي ضد النظام بالتزامن مع حضور قيادات العالم قمة المناخ، مشيرا إلى أن هذا الغضب سوف يصل إلى مرحلة حتمية في ظل حالة الغليان تحت أقدام النظام.
وأضاف في حلقة خاصة على قناته الشخصية على موقع “يوتيوب” أن “النظام يحاول ويواصل زرع الإحباط لدى المصريين بالخوف والتخويف، مؤكدا أن الرعب والخوف والألم سوف يزداد يوما تلو الآخر لدى الجانبين مع اقتراب لحظة الانفجار الوشيك الذي لا مفر منه”.
“آليات النجاح”
من جهته؛ قال مدير المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، الدكتور عمرو عادل، إن “عدم نجاح دعوات التظاهر ليست بالضرورة تعني غياب القدرة على التغيير أو حتى الفعل الثوري، أو الرضا عن النظام أو أنه لا يوجد غضب واحتقان شعبي حقيقي”.
مضيفا لـ”عربي21″: “من الضروري أيضا تأكيد أن كل عمل مجتمعي له تأثير إيجابي على تراكم الفعل الثوري حتى ولو كان محدودا، ولكن عدم نجاح تلك الدعوات تعني أن هناك خطأ ما يجب علينا التعامل معه ليستمر تراكم الفعل الثوري”.
وأوضح عادل أن “هذا الخطأ قد يكون واحدا من الأمور التالية، رؤيتنا لطبيعة الصراع والخصم ليست صحيحة، استخدام آليات وطرق غير مناسبة والخلط بين ما هو إعلامي وسياسي وثوري، فالتراتب الطبيعي لإدارة عمل ثوري هو تغيير العقل الجمعي لإدراكه طبيعة الصراع، والخروج من حصار العقل السياسي والإعلامي إلى رحابة العقل الثوري بكل اندفاعه وتمرده وإبداعه”.
واستدرك بالقول: “التوقف عن اللعب على المكشوف مع النظام، فنحن لسنا في انتخابات تجديد نصفي ولا انتخابات نقابة الصحفيين، عدم حرق الجماهير وتحميلها ما لا تطيق، وأخيرا الفكرة ثم التخطيط ثم الكوادر ثم الجماهير وربما أجد من الشجاعة أن أقول إن أي تغيير لهذا الترتيب مصيره كسابقه من 2011 حتى الآن”.
غياب الفاعلين على الأرض
واعتبر السياسي المصري المعارض عمرو عبد الهادي أن “غياب أحزاب معارضة كبيرة عن المشهد وحصر الدعوات في الخارج هو أحد الدروس المستفادة من الدعوة للاحتجاج ضد النظام في مصر، ولكنها كشفت أنه هش رغم مرور نحو عقد من الزمن على إحكام قبضته على الدولة”.
وأضاف لـ”عربي21″ أن “الشعب فهم درس استغلال الجيش له وليس على استعداد أن يكون أداة بيد الجيش مرة أخرى لإحداث انقلاب، ولن يتوقف السيسي عن مواصلة الإطاحة بأي شيء يمكن أن يشكل له تهديدا أو خطرا”، مشيرا إلى أن “هناك معركة بين النخب المساندة للنظام وانقساما واضحا بينها إشارة إلى عدم رضا جميع الأطراف”.
ورأى عبد الهادي أن “سقوط النظام مسألة وقت، وبعض الذين ادعوا أنهم رموز ورؤوس المعارضة سقطوا قبل سقوط السيسي، كما تأكد خروج جماعة الإخوان من المشهد وبالتالي لا وزن للمعارضة بدون الإخوان وتنظيمهم”.
“الدعوة من الداخل”
من جهته، دعا الحقوقي والسياسي المصري، الدكتور عبد الغفار أشرف، إلى أنه يجب عدم لوم الناس على عدم الخروج، وقال: “لا تلوموا الشعب المقهور ولكن لوموا أنفسكم، لأن الشعب لم يجد أمامه القيادات التي يثق فيها ويطمئن لها للنزول، ولو وجدوها ما تخلفوا عن القيام بواجبهم”.
واعتبر في حديثه لـ”عربي21″ أنه رغم توافر أسباب الغضب والانفجار الشعبي، ولكن غابت الخطة والقيادة في الداخل، لا حراك إلا من الداخل وبالداخل، وسبب غياب تلك القيادات معلوم للجميع فهم الآن خلف أسوار السجون يعانون هم وعائلاتهم ودفعت الأحزاب والحركات والكيانات السياسية أثمانا باهظة من التنكيل والنفي والحبس ومصادرة الأموال والحريات والحقوق”.
وأكد عبد الغفار أن “الحل يكمن في وجود كيانات وشخصيات معارضة قادرة على القيادة والتحريك والتأثير إذا توفرت الشروط في ظل اصطفاف وطني حقيقي مؤثر على المستوى الداخلي والعالمي الذي تحكمه المصالح المشتركة بين الدول وليس الشعوب”.