الرئيسيةثقافة

صفحة من كتاب المراحل**

* كتب/ أحمد نصر،

في مساء يوم تال وقد ارتديت ملابسي للخروج ووقفت أمام المرآة أرجّل شعري، علق عبد الله: (زميلي في السكن عبدالله الهوني)

– عادت حليمة لعادتها القديمة..

قلت:

– لا حليمة، ولا قديمة.. هي تمشية أشم الهواء ساعة ثم أعود.

وهذا حقا ما في خاطري؛ فلم أقصد أن أركب حافلة إلى النادي ثم أعود آخر الليل كما هو ديدني في الأيام المنصرمة، وإنما انتويت المشي على كورنيش النيل، ترويحا عن النفس والاختلاء مع الذات لبعض الوقت ثم أعود.

النيل على يساري وأنا أخطو على الرصيف بمحاذاة الكورنيش، والأصيل ينسكب على سطحه الرائق؛ فيرتسم الأفق لوحة أخاذة تثير في الروح شجونا وحنينا..

“يا نيل يا ساحر الوجود” منغمة بإيقاع المساء يرددها الوادي، ويتجاوب رجعها بين الضلوع؛ فيهزني الشوق ويطير بي الحنين إليهم.. والدتي وأهلي وأحبابي. تهاجمني لحظات الاغتراب، ويعتصرني الحنين، ولا يلطف عني سوى بضعة أسابيع أعدها على أصابعي تفصلني عن عطلة نصف السنة..

..وقابلته مصادفة، يسير منفردا في الاتجاه المعاكس، فالتقينا على ابتسامة متبادلة وتصافحنا بود وحميمية:

– النيل والنسيم وشمس الأصيل

– هي مهربنا من الأزقة، والضوضاء، ووطأة الاغتراب.

هو شاب وسيم وضيء، أحد مبعوثي الجامعة الإسلامية إلى جامعة الأزهر للدراسات العليا في اللغة العربية، اسمه عبد المولى، التقيت به مرة أو مرتين بالنادي لا أكثر، وفي كل مرة أشعر بأن في شخصه مايشدني إليه. توافقنا في اتجاه واحد، وسرنا معا، نخطو جنبا إلى جنب، والعشاق اثنان اثنان وراءنا وأمامنا، يمشون هونا والذراع في الذراع، ومشهد الغروب على صفحة النيل تسابيح ومناجاة وصلاة..

ثم اعتلينا حائط الكورنيش، تركنا الأقدام تتدلى ودخلنا في المشهد، تحدثنا عن “النهر الخالد” و “شمس الأصيل” و”عاد السلام يا نيل”، وعن الشعر والشعراء والأدب.. حتى هبط الليل على الوادي ولمعت المصابيح على الضفة الأخرى فانثنينا وعدنا نمشي على الرصيف، وافترقنا كما التقينا، ومرت سنوات ولم نلتق، وما كنت أعرف تلك اللحظة ولا بعدها بأعوام أن ذلك الشاب الذي كان معي على شط النيل له علاقة بقرض الشعر، وأنه سوف يكون علما من أعلام الشعر في بلادنا اسمه الدكتور عبد المولى البغدادي صديق أعز أصدقائي عبد الله الهوني.

رحمهما الله وأسكنهما الفردوس الأعلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أديب ليبي- مؤلف كتاب المراحل

**الجزء الثاني من كتاب المراحل صدر عام2009

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى