الرئيسيةالراي

رأي- أسئلة ليبية بشأن المبعوث الأممي الجديد

* كتب/ عمر كوش،

أخيراً، اتفق أعضاء مجلس الأمن على تسمية الديبلوماسي والوزير السنغالي السابق عبد الله باثيلي مبعوثاً أممياً جديداً إلى ليبيا، وذلك بعد مرور أشهر عديدة على شغور المنصب، نتيجة الخلافات والمماحكات بين القوى الدولية الفاعلة في أروقة المجلس، التي بدأت مع رفض روسيا تسمية الديبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز مبعوثاً أممياً إلى ليبيا خلفاً للسلوفاكي يان كوبيتش، الذي استقال في 23 نوفمبر 2021، بعد أقل من عام على تعيينه، الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى تسمية ويليامز مستشارة خاصة له في ليبيا في 6 من ديسمبر 2021، لكنها أعلنت انتهاء مهمتها في نهاية يوليو الماضي، من دون أن تتمكّن من إقناع الأطراف الليبية بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ نهاية العام الماضي، وتركت وراءها ملفاتٍ ساخنة وصعبة، سواء على المستوى السياسي، الذي زادت تعقيداته، أم على المستوى الأمني، الذي تردّى كثيراً، ووصل إلى درجة اندلاع حرب بين أطراف متصارعة، إثر محاولة اقتحام العاصمة في إطار الصراع على الشرعية بين حكومتين.

ويُعدّ المبعوث عبد الله باثيلي ثامن المبعوثين الأمميين إلى ليبيا، ولا تنقصه الخبرة وسعة الاطلاع على الوضع الليبي، إذ كان ضمن فريق المراجعة الاستراتيجية لعمل البعثة الأممية في ليبيا، كما لم يكن ينقص نظراءه السبعة السابقين، إذ لم تكن مشكلة فشل مهمتهم الأممية في قلة خبرتهم وتجربتهم وحنكتهم، بل في إيلائهم الأهمية القصوى للقوى الدولية والإقليمية ذات النفوذ والمصالح في الوضع الليبي، وخضوعهم لتأثيراتها وضغوطها، إضافة إلى المقدّمة الخاطئة التي انطلقوا منها لتنفيذ مهامهم الأممية، وجسّدتها قناعة مفادها بأن أصل الأزمة وفصلها يكمنان في صراع مسلح ما بين أطراف ليبية، من دون الإشارة إلى عمقها وجانبها الدولي والإقليمي، إذ بات الصراع ليس في ليبيا فقط، إنما عليها أيضاً، وبالتالي، يقتضي التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية توافقاً دولياً وإقليمياً، إلى جانب حلحلة الخلافات والتوصل إلى التوافق بين الأطراف والقوى الليبية.

ويبرز التساؤل لدى غالبية الليبيين، بعد تعيين باثيلي، عن الذي يمكن أن يقدّمه، كونهم يأملون منه القيام بكل ما يلزم من جهود ومساعٍ فعلية، من أجل تحقيق أهداف مهمته الأممية الرامية إلى حلحلة الأزمة الليبية، وينتظرون منه أن يشكّل قابلية الحل السياسي، بعد إخفاقات أسلافه السبعة، فيما عليه مواجهة تحديات وتعقيدات الملفات المتشابكة التي تراكمت خلال السنوات الماضية، خصوصاً أن تعيينه جاء في توقيتٍ حسّاس من عمر الأزمة الليبية، وذلك بعد فشل محاولات كثيرة للتوسط بين الأطراف الليبية المتنازعة، وفي ظل تزايد مخاطر الانقسام على مختلف المستويات، السياسية والعسكرية والمؤسساتية، ووجود حكومتين تتنافسان على السلطة. لذلك تزداد وجاهة التساؤلات بشأن مدى قدرة المبعوث الجديد على إحداث فارق في الأزمة الليبية، وماهية دوره، والكيفية التي يتعامل بها مع التحدّيات التي ستقف عثرة في مشواره نحو التوصل إلى حل سياسي، خصوصاً بعد أن ألقى ليبيون كثيرون اللوم على الأمم المتحدة، وعلى مجلس الأمن، في إطالة أمد الصراع، وعلى الخلافات الدولية التي أفضت إلى التأخر في تعيين ممثل أممي يقود مساعي الوساطة بين الأطراف الليبية.

ويواجه المبعوث الأممي الجديد عبد الله باثيلي تبعات صراع سياسي مستعر على السلطة في ليبيا منذ سقوط نظام معمّر القذافي، تكرّست مخرجاته في انقسام طاول السلطات والمؤسسات فيها، وأفضى إلى تشرذم السلطات التنفيذية والعسكرية وتعدّدها شرقاً وغرباً، وإلى إرهاصات كارثية على الليبيين وبلادهم، كما أسهم في بروز تحدّيات أساسية عديدة، تمثلت في معارك وتوترات أمنية وانهيار اقتصادي متزايد، وهي تحدّيات شكلت محور الجهود التي بذلت من أجل التوصل إلى حل سياسي طوال السنوات الماضية، من خلال التركيز على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وإخراج المليشيات المسلحة، وتوحيد المؤسسات الاقتصادية والمالية والإدارية الليبية، لكنها ذهبت هباء، ولم تثمر عن أي تقدّم يذكر.

وكعادتها، ركّزت الأمم المتحدة على إبراز خبرات باثيلي، من خلال بيان اعتبر أنه “سَيُثري” منصبه “بخبرة تزيد على 40 عاماً شغل خلالها مناصب ضمن مع حكومته الوطنية والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة”، لكن الأمر مرتبط بمدى الدعم الذي سيتلقاه باثيلي من القوى الفاعلة، وخصوصاً الولايات المتحدة وروسيا وتركيا ومصر وسواها من الأطراف الدولية والإقليمية، ودعم مختلف الأطراف الليبية، وذلك كي يتمكّن من إحراز أي تقدّم في مهمته الهادفة إلى حلحلة الأزمة الليبية المتفاقمة، نظراً إلى وجود عوامل عديدة تدفع باتجاه نجاح مهمته، وأهمها حالة الإنهاك التي اعترت مختلف القوى الليبية المتصارعة، وعدم قدرتها على الحسم العسكري. ولكن في المقابل هناك صعوبات وتحدّيات تواجه تنفيذ مهمته، وترتبط بمدى استقلاليته عن تأثيرات القوى الدولية والإقليمية الخائضة في الصراع الليبي وضغوطها، فضلاً عن تعقيدات الوضع الليبي وتحدّياته على مختلف المستويات، وذلك بعد مغادرة ستيفاني وليامز، وتجدّد المعارك والاشتباكات بين الأطراف المتناحرة التي اندلعت قبل أسبوع واحد من تولي باثيلي مهام عمله.

وينتظر ليبيون كثر ما سيقدمه باثيلي من أجل تحقيق مهمته، على أمل الخلاص من أوضاعهم الصعبة. ولذلك يطرحون أسئلة عديدة عن الطريقة التي سيتعامل بها مع الوضع في بلادهم، وعما إذا كان سيفرق في تعامله وأسلوبه عن أسلافه من المبعوثين الأمميين، الذين كانوا يركّزون على توافق الأطراف المتصارعة ومراعاة القوى الدولية، لذلك تطاول أسئلتهم إمكانية اتباعه نهجاً مختلفاً، يتجسّد في الاستقلالية والسعي إلى حلحلة الخلافات والبناء على التوافقات بين مختلف الفرقاء. لكن لم يعد كثير منهم يعول على الدور الأممي، بل يذهب إلى طرح أسئلة عن دور الأمم المتحدة في الأزمة التي تعصف منذ سنوات بالبلاد، وعما إذا كان دورها يهدف بالفعل إلى إيجاد حلول سياسية، تلبّي طموحات الشعب الليبي في التغيير السياسي، أم أنه بات عامل إعاقة أمام مطالبهم العادلة وطموحاتهم المشروعة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب سوري،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى