الرئيسيةالراي

استرجاع الحزب وانفراج المدرستين

* كتب/ عبدالرزاق العرادي

 

في نوفمبر 2011م قررت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، في مؤتمرها العام الذي عقد بمدينة بنغازي، خوض العملية السياسية من خلال الشراكة مع آخرين من أبناء المجتمع الليبي وذلك بالعمل على تأسيس حزب مستقل عن الجماعة، ثم أصدرت مؤخرا، أي قبل انعقاد اجتماع الهيئة العليا للحزب، بيانا داخليا يدعو فيه إلى الالتزام باللوائح وإجراء الانتخابات في حينها، دون أي اعتبار للتوقيت السياسي والوضع المأزوم الذي تمر به البلاد، ويحث أعضاء الجماعة المنتمين للحزب على تجديد عضويتهم، مما يُعد تدخلا في شؤون الحزب وانتكاسا عن قرار المؤتمر العام للجماعة، ويُقرأ على أنه محاولة لتوجيه الأعضاء لممارسة إرادة ما، في الجماعة، وليست إرادة الأفراد.

 

وبالرغم من أنني استقلت من الحزب ولم أعد عضوا فيه، أجد من الضروري أن نضع القارئ الكريم في صورة ما يحدث من مخاض يمر به حزب العدالة والبناء لكونه فاعلا في الساحة السياسية الليبية، وكذلك من الضروري الحديث عن المراجعات المتعثرة التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين الليبية لارتباطها بما سيحدث في الحزب في قابل الأيام، وهنا لابد من إلقاء الضوء على بعض الخلفيات المهمة.

 

حزب العدالة والبناء

 

منذ تأسيس الحزب في مارس 2012 دأبت قيادة الحزب الحالية؛ عبر تصريحاتها وممارساتها على نفي الرواية التي ارتبطت بالتأسيس، وهي أن حزب العدالة والبناء هو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وأكدت مرارا وتكرارا أن الحزب لا علاقة له بالجماعة؛ من كل النواحي التنظيمية والإدارية والمالية، وأن قرارات الحزب ومواقفه وسياساته مستقلة بشكل تام عن الجماعة. ولم تكن هذه الحدية في الفصل مقبولة عند بعض قيادات الجماعة.

مارس حزب العدالة والبناء السياسة باقتدار، وكانت قيادة الحزب في مقدمة القوى التي آمنت بالحوار السياسي وكان لها دور مفصلي في إنجاز اتفاق الصخيرات من خلال المرونة السياسية التي أبدتها قيادة الحزب، والتي واجهت رفضا شديدا من داخل الحزب ومن خارجه.

انقسم الرافضون للاتفاق السياسي، داخل الحزب إلى فئتين؛ قدم بعضهم استقالته من الحزب، وقرر البعض الآخر البقاء في الحزب إلى حين التعبير عن هذا الرفض من خلال الاستحقاق الانتخابي القادم داخل الحزب، وهذا قرار ناضج إذا خلا من الاستقواء بكتل انتخابية موجهة.

إذا، صار من الواضح أن هناك تياران داخل الحزب؛ أحدهما رافض للاتفاق السياسي؛ ويحن إلى نوع من الارتباط بجماعة الإخوان ومحيطها، وتيار آخر داعم لمسار الاتفاق السياسي؛ عاكف على تقديم مقترحات لتطوير الحزب من خلال جعله حزبا سياسيا غير مشوب بتأثيرات الايدولوجيا على توجهه السياسي، ومنفصل من خلال نظام البطاقة الواحدة عن المؤسسات الشمولية، التي تمارس الدعوة والسياسة والعمل الخيري وغيرها من الأعمال.

 

جماعة الإخوان المسلمين

 

منذ عام 2013 قامت قيادة الإخوان المسلمين الليبية بمراجعات فكرية وحركية كبيرة، تمخض عنها قرار مجمد بتغيير أو حل الجماعة، والعمل في إطار مؤسسة دعوية ليبية، لا علاقة لها بالخارج، وبعيدة عن العمل السياسي، كما تم الاتفاق على تغيير الاسم والشعار، وعقدت ثلاثة مؤتمرات عامة، وتم التأكيد فيها على هذه القرارات.

غير أن مجموعة داخل الجماعة، تعيش في الغالب خارج ليبيا، أصرت على إفشال كل هذه المساعي وعرقلة تطبيقها، مما دفع بأغلب كوادر الجماعة؛ إما إلى الانسحاب من الجماعة أو الاستقالة منها أو من المسؤولية فيها، كما فعل مؤخرا مسؤول الجماعة.

المشكل الحقيقي في جماعة الإخوان المسلمين الليبية أن هناك مدرستان؛ إحداهما مشرقية؛ وتميل إلى المدرسة المشرقية؛ ومن ذلك الاحتفاظ بالاسم والشعار وشيء من العلاقة مع تنظيمات الخارج، وإن كانت هذه العلاقة لا ترقى للتبعية كما يشيعه خصومها، وهناك مدرسة مغاربية؛ يقتصر انتماؤها على البعد الفكري؛ دون أي علاقة أو تشابه بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين الأم.

المدرسة المشرقية أغلب أعضائها من الشرق الليبي، والمدرسة المغاربية أغلب أعضائها ينتمون للغرب الليبي، مع وجود بعض الاستثناءات.

الخلاف في حقيقته داخل الإخوان هو بين مدرستين وتوجهين فكريين؛ فالمدرسة المغاربية؛ هي التي سعت إلى المراجعات وقامت بإعداد التوجهات الجديدة وشارفت على الإعلان عنها، بل المعلومات التي وصلتني من بعض القيادات في الجماعة أن الأمر وصل للحديث عن تفاصيل المؤتمر الصحفي الذي ستعلن فيه هذه المراجعات، إلا أن المجموعة المتشددة داخل الجماعة أجهضت هذه الفكرة واضطر مسؤول الجماعة، الذي ينتمي إلى المدرسة المغاربية، إلى الاستقالة من منصبه اعتراضا على التردد ومخالفة قرارات المؤتمر العام للجماعة.

 

مستقبل الحزب والجماعة

 

لا شك أن قيادة حزب العدالة والبناء استطاعت خلال السنوات السبع الماضية أن تلعب دورا بارزا في العديد من المحطات السياسية، وصمد الحزب؛ رغم كل العواصف الداخلية والخارجية في حين اختفت جل -إن لم يكن كل- الأحزاب الأخرى، كما أن قيادته راكمت خبرات كبيرة في الأداء السياسي وفي التعاطي مع المشهد الوطني.

لا أرى أن حزب العدالة والبناء سيستمر على حاله الذي عليه الآن، فهو يواجه ذات اللحظة التي واجهت حزب الرفاه التركي قبل صدور قرار الحل في حقه، وانقسامه بعد ذلك إلى حزبين، هما حزب السعادة وحزب العدالة والتنمية. والسؤال في ليبيا الآن: أيهما سيكون هذا وأيهما سيكون ذاك؟!

 

أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين فإنها ستعاني كثيرا من عرقلة المراجعات ومخالفة قيادتها لقرارات ثلاثة مؤتمرات عامة، وستتجه المدرسة المغاربية فيها –بحسب ما يبدو لي- نحو العمل المؤسسي، بعيدا عن الاسم والشعار من خلال حزب جديد ومؤسسات مجتمع مدني متعددة بعيدة عن جماعة الإخوان المسلمين في ثوبها المشرقي، وستبقى الجماعة الأخرى ذات التوجه المشرقي متمسكة بالجماعة في شكلها القديم، ولكنها ستظل معزولة وضعيفة وبعيدة عن صنع التأثير ومواقع القرار؛ كما هو شأن الجماعات الجامدة التي لا تراعي متغيرات الزمن ولا تطورات الأحداث وتسارع وتيرتها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى