اخبارالرئيسيةعيون

مدارس ليبيا… عودة التلاميذ إلى الصفوف إلا في درنة

العربي الجديد-

بعد تعثر دام ثلاثة أسابيع، عادت المدارس الليبية إلى فتح أبوابها لاستئناف العام الدراسي الذي انطلق في 3 سبتمبر، والذي خصص أسبوعه الأول للنشاط المفتوح، وبدأت الدراسة الفعلية في الأسبوع الثاني، قبل أن تعطل العاصفة دانيال وما خلفته من فيضانات وسيول الدراسة.
مع حلول العاصفة، أعلنت السلطات التعليمية منح مراقبات التعليم في المناطق صلاحيات تعطيل الدراسية على خلفية هطول الأمطار الغزيرة على العديد من المناطق في غربي ليبيا، ومع حلول يوم العاشر من سبتمبر، وصلت العاصفة المدمرة إلى الشرق الليبي، وتسببت رياحها وأمطارها في خسائر كبيرة بمدن الجبل الأخضر، كما دمرت السدين اللذين يحميان مدينة درنة، بعد تراكم المياه خلفهما، ليجرف الفيضان الهائل وسط مدينة درنة بما فيها من مساكن ومدارس وبشر.
على وقع الفاجعة التي حلت بمدينة درنة، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في الغرب، وحكومة مجلس النواب في الشرق، في يوم 12 سبتمبر، الحداد في جميع أنحاء البلاد، ووقف الدراسة لمدة عشرة أيام.
واهتمت سلطات التعليم بمتابعة عودة الطلاب إلى مدارسهم، وأظهرت تقارير عدة إقبالاً كبيراً من الطلاب على الذهاب إلى المدارس في أغلب أنحاء البلاد، باستثناء مدينة درنة وبعض المناطق والقرى والمحيطة بها.
وأكد وزير التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية، موسى المقريف، أن الوِزارة لن تتخلى عن تلاميذ المناطق المتضرِّرة، وكشف عن تعميمه لمراقبي التربية والتعليم وإدارة التعليم الخاص بشأن قبول التلاميذ والطلاب النازحين، وتسجيلهم بمدارس التعليم الخاص “من دون قيد أو شرط”، مشيراً إلى أن الوِزارة باشرت في حصر التلاميذ والطلاب النازحين من المناطق المنكوبة، وإصدار قرار بتشكيل لجنة برئاسة مراقب التربية والتعليم ببلدية بنغازي لتولي مهام تمكين تلاميذ المناطق المنكوبة النازحين من الدراسة عند استئنافها، ومتابعة أوضاعهم، وتذليل الصعوبات التي تواجههم.

عدد ضحايا الفيضانات في درنة وحدها فاق 300 معلم ومعلمة

في إحصائية لها، كشفت مصلحة المرافق التعليمية التابعة للوزارة، عن تضرر 114 مؤسسة تعليمية يدرس بها 189157 تلميذا وطالبا في بلديات درنة، وأم الرزم، والقبة، والأبرق، والقيقب، وشحات، وسوسة، وردامة، والبيضاء، وعمر المختار، والساحل، والمرج، وجردس العبيد، والمليطانية، والأبيار. ووفقاً لتقرير المصلحة، تحتاج 55 مدرسة إلى أعمال صيانة شاملة، فيما تكفي صيانات خفيفة لإعادة تأهيل 59 مدرسة أخرى.
وأصدر وزير التربية والتعليم قراراً بتشكيل لجنة بِرئاسة وكيل الوِزارة لشؤون المراقبات وعضوية مركزي المناهج التعليمية والبحوث التربوية، والمركز الوطني للامتحانات، ومصلحتي المرافق التعليمية والتفتيش والتوجيه التربوي، وذلك لإعداد مقترح خطة دراسية بديلة للعام الحالي في المناطق المتضرِّرة.
وكشف مراقب التربية والتعليم في درنة، عبد الحميد الطيب، في تصريح صحافي، الأحد (24 سبتمبر 2023م)، أن “عدد ضحايا الفيضان من أسرة التعليم في المدينة فاق 300 معلم ومعلمة”، من دون الكشف عن أعداد الضحايا من طلبة المدارس والجامعات.

ولحق بمدينة درنة النصيب الأكبر من الأضرار التي ضربت المؤسسات التعليمية، إذ أعلنت نقابة المعلمين في المدينة، الأحد، وفاة 30 من معلمات مدرسة زهير الابتدائية، و16 معلما ومعلمة من مدرسة الرشيد، بالإضافة إلى جرف أربع مدارس بالكامل.
ويرجح المسؤول بمصلحة التفتيش التربوي، إسماعيل أبو صلاح، عدم استئناف الدراسة بمدينة درنة حتى نهاية الأسبوع المقبل، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أن “كل مدارس المدينة التي لم تتضرر، تحولت إما إلى مراكز لإدارة غرف الأزمة والطوارئ، أو مقار إيواء لمن فقدوا منازلهم، ما يتطلب حلحلة مشكلة القاطنين بمدارس المدينة قبل التفكير في استئناف الدراسة”.
ويلفت أبو صلاح إلى أن “التعثر في استئناف الدراسة يطاول مدينة بنغازي أيضاً، وفيها 17 مدرسة اضطرت البلدية إلى فتحها لإيواء النازحين، وهذا أيضاً يتطلب حلحلة مشكلة النازحين قبل عودة هذه المدارس للعمل. مكتب التعليم في بلدية بنغازي قرر تقسيم الدراسة في بعض المدارس إلى فترتين صباحية ومسائية، حتى تستوعب المدارس جميع طلاب المدارس الـ17، وذلك إلى حين إيجاد أماكن أخرى لإيواء النازحين”.

تمكين التلاميذ النازحين من مناطق ليبيا المنكوبة من متابعة الدراسة

وتداولت حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو تظهر حجم الأضرار التي لحقت ببعض مدارس درنة، وفي إحداها تظهر مدرسة ترتفع عن وادي درنة بنحو 50 متراً، لكن مياه الفيضان بكل ما تحمله من حطام غمرت كامل طابقيها، وحطمت السور وأجزاء كبيرة من الجدران، فضلاً عن تدمير المقاعد والمعامل ووسائل الإيضاح، وامتلاء كل الفصول بالطمي والصخور وبقايا الأشجار.
ويؤكد أبو صلاح أن “هناك عراقيل عدة تواجه عودة الدراسة، سواء في درنة أو المناطق المجاورة لها، ومن بينها إيجاد حلول لتعويض نقص المعلمين بسبب مقتل أعداد منهم، وهذا يستدعي التعاقد مع معلمين جدد، وسيكون لهذا أضرار على العملية التعليمية، خصوصاً إذا لم يكن المتعاقد معهم من ذوي الكفاءات. هناك مشكلة أخرى تتعلق بالوثائق الرسمية التي جرفها السيل، سواء الخاصة بالمدارس ومعلميها وطلبتها، أو وثائق المواطنين من بطاقات شخصية ومدرسية وإفادات بالمستوى الدراسي لأبنائهم، فضلاً عن ضياع كميات كبيرة من الكتب المدرسية التي استلمتها المدارس من وزارة التعليم، وكذلك إمدادات الدراسة والقرطاسية التي أعدها الطلبة خلال الأسبوع الأول من الدراسة. حتى لو تم توفير كل شيء، سيكون موسم هذا العام استثنائياً، فالحزن لا يزال يخيم على المدينة، ولا نعلم كيف سنبدأ العام، أو كيف نواجه الطلبة الذين فقدوا الكثير من زملائهم”.
وخاطبت مراقبة تعليم درنة مدراء المدارس، وطالبتهم بحضور اجتماع، الثلاثاء (26 سبتمبر 2023م) من أجل مناقشة سبل البدء في تنفيذ التعليمات الصادرة بحصر الوفيات ضمن المعلمين والموظفين، وكذلك حصر المدارس المتضررة، مؤكدة في بيان، أن “الوقت قد حان لتجاوز المحنة”.
وخاطبت مراقبة التعليم جميع سكان درنة قائلة: “ها قد مر علينا أسبوعان طويلان. لا يمكن وصف ما حدث، ولا يمكن نسيانه، لكننا سنعود لوضع الزهور على شبابيك فصول مدارسنا. نعود وقد ازدهرت قلوبنا بالأمل. ستشرق شمسنا بعد أن شهد العالم كله مغيبها. نعود وأيدينا متشابكة، تلاميذ ومعلمين ومعلمات وموظفين وموظفات، سنعود وقد كتبنا في قلوبنا كلمة درنة”.

وبالتزامن مع انطلاق الدراسة، تشدد الأخصائية الاجتماعية صفية الهرّام، على ضرورة انتباه إدارات المدارس والمعلمين إلى التصرفات والسلوكيات إزاء الطلبة النازحين، وتقول لـ”العربي الجديد”: “من السلوكيات الخطرة حالياً سؤال الأطفال في مدارس المناطق التي نزحوا إليها عما شاهدوه خلال السيول والفيضانات، فتغيير المنطقة والمكان فرصة تتيح نسيان الطفل بعض ما عاشه من مشاهد مؤلمة، أو بعض معاناته من فقد أقاربه أو أسرته”. وتقترح على وزارة التعليم إعداد نشرات توعية لمعلمي وموظفي المدارس التي أعلنت استقبال التلاميذ النازحين، تشمل شرحاً وافياً لكيفية التعامل مع هذه الأوضاع الخاصة.
وفي شأن متصل، يؤكد مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في ليبيا، أن الأطفال من بين أكثر الفئات تضرراً من الفيضانات الأخيرة، وأنهم الأكثر عرضة لمخاطر تهديدات الصحة العامة والصحة العقلية والاضطرابات النفسية والاجتماعية.
وأوضحت المنظمة أن من بين 43,059 نازحاً بسبب الفيضانات، هناك ما لا يقل عن 17 ألفاً من الأطفال، وأن 114 مدرسة تضررت بفعل الفيضانات، من بينها 4 مدارس دمرت تماماً، و80 أخرى تضررت جزئياً، فيما تستخدم 19 مدرسة حالياً لإيواء النازحين.
ورجحت المنظمة أن عدد النازحين المقدر من المحتمل أن يكون أقل من الواقع؛ لأن البيانات محدودة بالنسبة للأشخاص الذين يستضيفهم أقاربهم، مؤكدة قيام فرقها بعدة زيارات إلى المناطق المتضررة منذ اليوم الثالث للفيضانات، وإجراء تقييمات سريعة شملت جمع المعلومات من الشركاء والسلطات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى