الرئيسيةالراي

رأي- هل يتجاهل المجتمع الدولي إنقاذ ليبيا؟**

إننا نقف عند نقطة تحول أخرى في مسار هذا البلد الهش وسكانه المحاصرين

* كتبت/ ستيفاني ويليامز،

بينما كانت قوات القذافي تتقدم نحو مدينة بنغازي في ربيع عام 2011، استخدم المجتمع الدولي مبدأ “المسؤولية عن الحماية” (R2P) للتدخل في ليبيا لمنع ارتكاب إبادة جماعية محتملة.

ويتعين على هذا الواجب الأخلاقي الذي دفع بهذا التدخل أن يوجه أفعال المجتمع الدولي في أعقاب الفيضانات التي دمرت شرق ليبيا وأسفرت عن وفاة الآلاف من الليبيين والمهاجرين الأبرياء.

وكان عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم في ليبيا خلال أربع وعشرين ساعة فقط أعلى بكثير من أعداد القتلى في أي من الصراعات التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية.

وكان الحجم المروع للكارثة التي وقعت في مدينة درنة الساحلية هو الحصاد المرير للعوامل الكارثية كتغير المناخ، وعقود من الإهمال المؤلم للبنية التحتية، وسنوات من الصراع الوحشي والعنيف، وفوضى وتقسيم إداري، وقدر كبير من عدم الكفاءة.

وكان من المشجع أن نرى تدفق المساعدات الليبية والدولية لضحايا هذه الكارثة؛ إذ تلاحم الليبيون بشكل غير مسبوق، وتوجهت قوافل المساعدة من المنطقة الغربية للبلاد باتجاه الشرق، وكرست المؤسسة الوطنية للنفط إحدى سفنها لنقل المساعدات الملحة. وقدم أوائل المستجيبين للأزمة، وبالأخص الهلال الأحمر الليبي، أداءً بطوليا؛ حيث وقع الكثير من كوادره أنفسهم ضحية للعاصفة وتوابعها.

“وضع المسؤولون المتصارعون في طرابلس وبنغازي نزاعاتهم التافهة حول شرعية مؤسسات البلاد جانبا (بشكل مؤقت) لتنسيق جهود المساعدة

بل إن الكارثة شهدت حتى انتشار بعض التشكيلات العسكرية من غرب ليبيا إلى الشرق (وهي خطوة لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات فقط عندما كانت القوات الشرقية تهاجم طرابلس). ووضع المسؤولون المتصارعون في طرابلس وبنغازي نزاعاتهم التافهة حول شرعية مؤسسات البلاد جانبا (بشكل مؤقت) لتنسيق جهود المساعدة. ومن جانبه، وقف المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأمم المتحدة، إلى جانب الشعب الليبي.”

يستحق كل هذا الزخم والتضامن الوطني والدولي التقدير ويجب دعمهما، والأهم من ذلك، يجب العمل نحو استدامتهما، إذ ستؤثر آثار عاصفة دانيال على ليبيا لسنوات قادمة. وهناك فرصة لاغتنام المبادرة وتكريم ذكرى ضحايا عاصفة دانيال من خلال استغلال صوت مجلس الأمن وخبرة ووزن المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على سبيل المثال، لتشكيل لجنة ليبية/ دولية مشتركة لتوجيه صندوق الإنعاش. ومع ذلك، فإن الوقت يشكل أهمية بالغة، نظرا لميل الطبقة الحاكمة الليبية للاستفادة من ذريعة “السيادة”، و”الملكية الوطنية”، لإدارة مثل هذه العملية بمفردها وبطريقة تخدم مصالحها الشخصية.

ومن الجدير بالذكر أن رئيس مجلس النواب الليبي قرر في 14 سبتمبر من جانب واحد تخصيص 12 مليار دينار ليبي (2.5 مليار دولار) للإغاثة من الكارثة، وهي آلية لن تتمتع بلا شك بأي شفافية أو كفاءة.

وسبق للبنك الدولي تقديم الخبرات والمساعدة القيمة في سياقات ما بعد الكوارث وما بعد الصراعات، بما في ذلك في لبنان وهايتي واليمن؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للبنك الدولي إجراء تقييم سريع للأضرار لتحديد المدى الكامل للأضرار التي سببتها العاصفة دانيال والفيضانات التي تلت ذلك. ويمكن للبنك أيضا أن يساعد السلطات الليبية في توجيه المساعدات النقدية الطارئة بطريقة شفافة وفعالة.

وعلى نطاق أوسع، يستطيع البنك أن يوظف ثقله وخبرته في تشكيل صندوق إعادة الإعمار والتعافي لجنةً وطنية/ دولية مشتركة. ويمكن أن يرأس اللجنة خبير ليبي يتم اختياره بعناية، وتستطيع السلطات الليبية توفير الأموال الأولية اللازمة بمشاركة الشركاء الدوليين الذين يخصصون تمويلهم الخاص. ويمكن إجراء مثل هذه العملية بطريقة شفافة تماما.

“الحقيقة المحزنة أن ليبيا ستشهد كوارث مستقبلية تتعلق بالتغير المناخي، وهناك حاجة ملحة إلى اتخاذ تدابير وقائية لتجنب المزيد من البؤس.”

 

ويمتلك البنك الدولي بالفعل خبرة قيمة في ليبيا: ففي مايو، نشر البنك مجلدا مطولا يحدد التحديات العديدة التي تواجهها ليبيا، بما في ذلك فصل يتناول التغير المناخي. وبنظرة إلى المستقبل، توقع التقرير أنه “بحلول عام 2020، سترتفع درجات الحرارة بمقدار 1.02 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة عام 1880 (ناسا 2021).

وكانت درجات الحرارة في جنوب البحر الأبيض المتوسط قد ارتفعت بمقدار 1.5 درجة مئوية (الاتحاد من أجل المتوسط 2019)، وهو ارتفاع أسرع من معدل اتجاه الاحترار المتوقع استمراره. وبحلول عام 2040، من المرجح أن تبلغ الزيادة في درجة الحرارة 2.2 درجة مئوية، وتصل إلى حوالي 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ 2021).

ولا تؤدي درجات الحرارة المرتفعة بالضرورة إلى تقليل هطول الأمطار، حيث إن المناخات الأكثر دفئا تسبب المزيد من التبخر ويمكن للهواء الدافئ أن يحمل المزيد من المياه، مما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة (إبراموفيتش وبيشوب 2015)”. والحقيقة المحزنة هي أن ليبيا ستشهد كوارث مستقبلية تتعلق بالتغير المناخي، وهناك حاجة ملحة إلى اتخاذ تدابير وقائية لتجنب المزيد من البؤس.

وقبل اثني عشر عاما، حشد المجتمع الدولي جهوده لصالح الليبيين، لكنه انسحب بعد ذلك، تاركا الأعمال الحيوية- المتمثلة في بناء الدولة وتعزيز المؤسسات وتنفيذ نزع السلاح وتمكين حماية حقوق الإنسان وإنشاء آليات المساءلة- غير مكتملة. إننا نقف عند نقطة تحول أخرى في مسار هذا البلد الهش وسكانه المحاصرين. وإن على العالم واجبا لرعاية الشعب الليبي، ومسؤولية لحمايته من الكارثة القادمة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

**نشر على موقع “المجلة” السعودي

*سبق وأن قادت البعثة الأممية في ليبيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى