الرئيسيةالرايثقافة

رأي- مرة أخرى. صراع الخيمة والقصر

* كتب/ أسامة وريث،

لعل هذا الكتاب، يبدو من عنوانه أنه على وعي بعدد من قضايا السوسيولوجيا الليبية!

ومن يعي فلسفة التاريخ الليبي في مجمل عصوره، سيلحظ بأن ليبيا تعيش ومنذ العصور القديمة وحتى وقتنا هذا ثنائية حضارة– بداوة. وهذه الثنائية تتشكل أحيانا داخل إطار صراع قبلي وجهوي ومدمر.

ليبيا أرض بدون موارد طبيعية باستثناء النفط، وبدون ماء، بدون مقومات اقتصادية تنهض بالبلد خصوصا بعد تدمير الاقتصاد الوطني عبر مشروع الزحف الأخضر في 1978م.

عدد السكان قليل، العمران بسيط، مواضع المدن والقرى متناثرة/متباعدة في رقعة واسعة، وقسم من سكانها بدائيو التفكير.. يجعل من الصعب أن ترى مدنا مزدهرة بأيدٍ أهلية/محلية في مناطق لا تزال حتى مساء اليوم بالقرن 21 بسيطة ونامية بل وأحيانا بدائية ومتخلفة.

هذا التدني الأهلي حتّم من صعوبة قيام دولة مستقلة تهتم بالمدن وإعمارها. فكانت دائما بحاجة لدعم خارجي يتحمل معنا مشقة دعم الاستقرار.

ضف إلى ذلك أن عقلية القبائل والعصبيات والجهويات، يصعب في إطارها قيام دولة مستقرة! وكما يظهر لي تاريخيا فإن الأرض الليبية نفسها تُنبت على الدوام بذور القبلية، وتبعثر باستمرار أي نزعات نحو المدنية. لذا سنلحظ بأن مدن ومدائن وحضارات عديدة ازدهرت على هذه الأرض، وكان مصيرها جميعا الزوال. بينما ظلت القبيلة والقبلية والقبائل تذرع المنطقة وهي تجر خيامها وعيالها وراءها واحدة تلو الأخرى من دون توقف!.

لقد علق ابن خلدون على هذه الظاهرة منذ 7 قرون خلت، وقال بأن البربر في بلاد المغرب (شمال أفريقيا) هم مثل العرب، أهل خيام وكنن وبوادي وجبال، وهم أهل أنساب وقبائل وعصبيات، وقلما تستحكم الدول في وجود العصبيات!.

وهذه العبارة الخلدونية هي تشخيص بليغ لسبب تأخر قيام دولة مزدهرة في بلادنا، بالذات التي تُنبت بيننا جميعا وباستمرار تام بذور القبلية وتغذيها تربتها الرملية.

وهذا التأخر في الاستقرار؛ تغلّب على مفهوم الانتماء إلى الهوية الليبية، أو مفهوم وطن جامع وواحد. بصرف النظر عن ذريعة التدخلات الخارجية، التي لا يمكن أن تجد لها مسلكا في هذا البلد أو ذاك؛ ما لم تجد لها أصلا تربة خصبة لنموها. ولدينا مثلا الجزائر بعد الثورة على بوتفليقة، لم تتمكن أي دولة من اختراقها رغم المحاولات من هنا وهناك.

خلال الفترة الملكية بالستينات على الأقل. كان ثمة تحديث مجتمعي ومؤسساتي وهذا واضح من عدة زوايا وعلى الأقل في المدن الكبرى. ولكن الانقلاب الثقافي والانهيار المجتمعي والسلوكي الذي حصل بعد 69 ومنذ خطاب النقاط الخمس 1973 ساهم في تنمية مفهوم القبيلة وتدمير مفهوم المؤسسة بإلغائها أصلا، وتعطيل الدستور وإدارة البلاد بطريقة شمولية مزاجية واعتباطية.

لقد كان الشعار واضحا ومكتوبا على الطرقات: “وانتصرت الخيمة على القصر!” وهو مشروع واضح ومختصر لما حدث في 42 سنة يفترض فيها أن نترك قبائلنا وزرائبنا وراءنا، والتي تركناها أصلا منذ أكثر من قرن مضى منذ أيام الكروسة والكاراطون والكاليص. وأن ننطلق جميعا نحو التنمية والتمدن إسوة ببلدان الجوار المتقدم. ولكن ها نحن ندفع الضرائب المجتمعية والفكرية والعقلية والسلوكية إلى الآن!

انتصرت الخيمة فعلياً على القصر كما قال صانع عصر الخيام والجماهير.. ثم سقطت علينا وعلى رؤوسنا جميعا! فقد تم عمدا صنع دولة خاوية هشة، تماما كالخيمة تطير في أي اتجاه عند هبوب أول ريح..!

ولأنه جرى (هدم مؤسسات الدولة الملكية الليبية)، وإهمال تطوير خططها وتنميتها وتحديثها، تمت صناعة دولة هشة طارئة مؤقتة تزول بزوال صانعها، فسقطت الدولة الهشة المصنوعة من بيت الشعر عليه، وعلى رؤوسنا جميعا.. وها نحن نحصد النتائج بالجملة إلى مساء اليوم.

ولعل القادم أفضل خصوصا إذا ما تعاضدنا جميعا لحلحلة مشاكلنا وتحسين معيشتنا وتنمية مدننا وقرانا، مع فرض الأمن والقانون والنظام والاستقرار بيد من حديد لكل مارق يسعى الى إفساد حياة الليبيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى