الرئيسيةالراي

رأي- جيب المواطن المصدر الرئيسي للدخل في ليبيا…!!

* كتب/ خالد الجربوعي،

يعتبر النفط مصدر الدخل الأساسي والوحيد في ليبيا وهو يدخل لخزينة الدولة كل سنة ما يقارب 99% من الدخل القومي استمر هذا الحال طيلة عقود وسنوات دون أن يهتم كل من تقلد أمور السلطة في البلاد طيلة عقود أن يعمل على البحث عن بدائل حقيقية تكون داعما لهذا الدخل، لكي يمكن أن يتم الاستغناء عنه يوما، ولا تقف البلاد بحثا عن مصدر دخل جديد يعوض دخل النفط عند حدوث أي ظروف طارئة عاجلا أو آجلا، وهكذا كان الحال واستمر طويلا..

لكن في السنوات الأخيرة يبدو أن عباقرة السلطة والكراسي وجدوا البديل بعد أن انخفض دخل النفط لأسباب متعددة، بسبب الحروب والإقفالات المتكررة والمتعددة لحقول وموانئ النفط، إضافة إلى نزول أسعاره في بعض السنوات إلى أدنى حد، فكان أن أثر كل ذلك على دخل الدولة وخزينتها الأمر الذي استدعى البحث عن وسائل بديلة تعوض تلك الخسائر والفاقد من الأموال، والتي ارتفعت أرقامها بسبب الفساد والإهدار غير المسؤول من ناحية أخرى.. ولم يتطلب الأمر كثرة بحث أو تفكير ممن بيدهم الأمر، فكان الحل لا يتجاوز إصدار قرار أو عدة قرارات ورقية، وتتغير الأحوال وتزداد قيمة الأموال “بالعملة الليبية طبعا”، ويرتفع الدخل القومي ليحقق أرقاما غير مسبوقة “رقميا طبعا لا أكثر” ولو وهما، لتزداد المصاريف وترتفع أرقامها.. فمن كان ضحية كل ذلك ومن الذي عوض خسائر النفط ومن الذي أصبح مصدرا أولا وأساسيا للدخل القومي..؟؟!!

ليتراجع دخل النفط إلى المرتبة الثانية وبنسبة قد لا تتجاوز 30 او 35 % لا غير رغم عدم اعترف كل الجهات المعنية بذلك، والتي مازالت تخبرنا أن النفط هو المصدر الأول للدخل وبنسبة تفوق 95%، وهو أمر أصبح لا حقيقة له ولا واقع، بعد تحول المصدر الأساسي للدخل القومي وبنسبة تصل إلى حوالي 70 % هو (جيب المواطن) لا غير، وخاصة في سنة 2021 بعدما أجبر على دفع الفرق في تغير أسعار الدولار من جيبه، ليعوض كل الخسائر والإهدار والفساد طيلة السنوات الماضية وبأرقام تتجاوز كل منطق ومعقول.

صحيح أنه في كل دول العالم عندما تعجز الدولة في توفير فائض أو دخل جديد لخزينتها فإنها تلتجئ إلى مواطنيها للمساهمة في تعويض جزء من ذلك العجز، لكن كل ذلك يتم عبر فرض ضرائب جديدة أو رفع قيمة ضرائب سابقة، لكن كل ذلك يكون علنا وبوضوح، وبنسب محددة لا تتجاوز نسبة ضئيلة، قد تصل في أسوأ الأحوال إلى ما لا يفوق 5 %، ولا يتم ذلك إلا بعد تفاوض ومفاوضات وموافقات دون أن ننسى ما يصاحبها من مظاهرات شعبية رافضة لكل تلك الزيادات، التي ربما فرضتها ظروف تلك الدولة..

لكن في ليبيا ما حدث يكسر كل تلك القواعد الدولية ويقدم وقائع لا سابق لها ولا مثيل، بحيث يتم فرض تلك الضرائب أو الزيادة من أجل تعويض تلك الخسائر دون أن تدخل السلطة في أي مفاوضات أو تفكر في خروج أي مظاهرات، وكل ذلك يتم بجرة قلم، وقرار من قبل السلطات المعنية ألا وهو فرض ضريبة على الدولار تقترب من 200% كما حدث منذ 2018 أو تغير سعره بنسبة تتجاوز ما سبقها، كما حدث في سنة 2021 ليكون المواطن هو المتضرر الأول والأخير، ومن يدفع كل هذه الفروقات والأموال من جيبه الخاص بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال رفع الأسعار لكل السلع والخدمات، ويدفع مقابل الحصول عليها أضعافا مضاعفة لما كان يدفعه سابقا، ولتفقد أمواله قيمتها من دخول ومرتبات وغيرها، وتصبح لا تساوي إلا ثلث قيمتها السابقة، ليكون هو من يدفع كل الضريبة وكل هذه الزيادة، ويتحول من خلالها إلى المصدر الأول للدخل القومي دون منافس، بل ودون أن يشعر أو يعلم ذلك، حيث يستمر كل أصحاب السلطة في تكرار أسطوانة أن النفط هو المصدر الأول للدخل القومي في كذبة لا مثيل لها، لترتفع أرقام الأموال بالعملة المحلية على أساس أنه ارتفاع في دخل النفط وتبقى كما هي بالعملة الأجنبية دون زيادة إلا فيما يحدث نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالميا أو زيادة الإنتاج محليا، وكل ذلك لم يصل بعد إلى الأرقام التي كانت تدخل في سنوات ماضية، ولا تتجاوز نسبة ال50% مما كان يحدث بعض تلك السنوات.. وحتى إن تمت محاولة تعويض ذلك برفع المرتبات ودفع بعض المنح وغيرها، فإنها لن تعوض المواطن فيما دفعه إلا بنسبة لا تتجاوز نصف ما أخذ منه في أحسن الأحوال، ليكون هو الخاسر وهو من يتحمل نتائج كل ما حدث ويدفع ثمنه شاء من شاء وأبى من أبى للأسف.

أما حول ما يقال من أن مصاريف الدولة الليبية في السنوات الأخيرة هو أقل من كل السنوات السابقة فهو أيضا أمر غير صحيح، ويجافي كل الحقيقة، فرغم محاولة أصحاب السلطة اليوم تبرير ذلك بمقارنة الأرقام بالعملة الأجنبية “الدولار” ومقارنة ذلك عبر أسعارها المختلفة بين ما كانت عليها يوما وما أصبحت عليها اليوم، فالأمر لا يستقيم بهذه الطريقة بل من يريد المقارنة الحقيقية عليه أن يوحد الرقم عند القيام بتلك المقارنة، فإما أن يقارن ما صرف سابقا بالعملة الليبية بسعر الدولار الحالي، أو يقارن ما صرف اليوم بسعر الدولار السابق، وعندها سنكتشف الحقيقة ومدى ارتفاع حجم المصاريف وقيمة الإهدار بشكل لا سابق له.. وسنفعل ذلك بطريقة واحدة منهما، وهي تغير مصاريف إحدى السنوات الماضية ألا وهي سنة 2021 حسب سعر الصرف السابق ليتم مقارنة ما قيل أنها مصاريف تلك السنة (85 مليار دينار) بسعر صرف لا يتجاوز ال 1.4 دينار ليبي، وعندها سنكتشف أن ما تم صرفه فعلا بالعملة الأجنبية الدولارية والتي تتم بها المقارنة لإثبات قلة الصرف، وعندها ستكون النتيجة أكثر من “60 مليار دولار” وليس كما يخبروننا اليوم أنها لا تتجاوز (ال20 مليار) وهكذا دواليك في بقية السنوات الموالية والتي ارتفع فيها الصرف اكثر من الرقم المذكور..

وللأسف أن من يدفع الفرق بين الرقمين هو المواطن لا غير، والذي أصبحت أمواله هي من تغطي مصاريف الدولة وتضع كل هذه الأموال في خزائنها دون أن ينال منها حقه حسب متغيرات كل الأرقام، بل حتى حقوقه السابقة وديونه على الدولة من أموال توقف دفعها طيلة سنوات لم تدفع له حتى اليوم، وإن كان دفعها بمتغيرات اليوم سيفقدها ما يوازي ثلثيها تقريبا حسب الأرقام في زمن إقرارها، وفي مقدمتها تراكمات منحة الأبناء والزوجة والتي توقفت منذ عدة سنوات وتحولت إلى ديون على الدولة مازالت تماطل في دفعها حتى اليوم (وهي السنوات قبل إعادة دفعها من جديد وبانخفاض بقيمتها عن السابق بحوالي ثلث قيمتها) رغم أنها حق لا يمكن أن يسقط بالتقادم، رغم فقدانها لقيمتها الحقيقية كما قلت سابقا، والأمر يشمل غيرها الكثير من مرتبات متأخرة ومتراكمة كانت تساوي رقما لا تساويه اليوم.

وطبعا ورغم كل هذه الزيادة في المصاريف لم يستفد منها المواطن، ولا حتى دفعت من بينها ما تراكم من دين عام تجاوز 100 مليار وزيادة، رغم الوعود بأنه سيكون من أولويات الدفع عند تغيير الأسعار وفرض الأرقام الجديدة، ليصبح المواطن هو الضحية وهو من يتحمل كل ما أهدره أصحاب السلطة والكراسي طيلة السنوات الماضية، رغم أنه كان آخر المستفيدين من كل ذلك الإهدار والفساد.. فهل بعد كل هذا يمكن أن نصدق حقا أن النفط هو المصدر الأساسي والوحيد للدخل في ليبيا وليس المواطن وجيبه كما هو واقع عمليا وفعليا؟؟!!

إقرأ المزيد:

رأي- 17 فبراير أصحبت جزءا من تاريخ ليبيا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى