الرئيسيةالراي

رأي- تناقضاتنا

* كتب/ يوسف أبوراوي،

في أحيان كثيرة يكون إصدار حكم أخلاقي قيمي أمر ملتبس شديد الصعوبة لأسباب متعددة؛ فكل حكم قيمي يرتكز بالضرورة إلى إطار مرجعي يحدده الدين أو العادات والعرف الاجتماعي، وبالتالي تختلف الأحكام باختلاف مرجعياتها.

النفاق/التناقض، هو إظهار أمر أو سلوك ظاهري نخالفه ونختلف معه بقناعاتنا ومشاعرنا، وغالبا ما يتم تحت تأثير ضغط من نوع ما، في حالتنا هذا الضغط متعلق بإكراهات المجتمع والتساؤل عن صورتنا في أعين الأخرين.

ما يلجئنا في أحيان كثيرة إلى هذا السلوك هو تضارب المرجعيات وما ينتج عنه من تناقضات قيمية واضحة.

أزعم أن هذا التضارب عندنا واقع في مستويين خارجي وداخلي.

التضارب الخارجي: يتم بين منظومات قيمية كاملة تختلف في فلسفتها ومنطلقاتها ونجبر على تبنيها، فمثلا عندما يكون تركيز الإطار القيمي (الإسلامي/ الشرقي) على إعلاء قيم الجماعة وصلة الرحم والإحسان إلى الجيران، بينما يركز الإطار (العلماني/ الغربي) على الإعلاء من قيمة الفردية والخصوصية واللذة. هنا لن أتورط في إعطاء حكم شامل على صحة أحد الإطارين لما في ذلك من مجازفة وإهمال السياقات الحضارية والاجتماعية التي أنتجتهما، ما يهمني رصده هنا هو مقدار (التناقض/النفاق) الذي نقع فيه نتيجة تبني مزدوج للإطارين.

يبدو الحل البدهي والمريح للموضوع هو أن ندعوا إلى تبني أحد الإطارين وإهمال الآخر، وذلك أمر ممكن نظريا، ولكنه مرفوض تماما عمليا؛ بحكم تعقد المجتمعات وتلاقحها حضاريا مما يستلزم النقل وتبادل المفاهيم والأفكار بالضرورة، مما يجعل الحلول المريحة غير قابلة للتطبيق أصلا !!!!

أما التضارب الداخلي: فيتم داخل المنظومة القيمية نفسها، والتي تعجز أحيانا عن الاستجابة وتحديث نفسها لتستجيب للمتغيرات عبر الزمن، وبالتالي نرصد استجابات وأحكام قديمة يتم تطبيقها على حالات جديدة مختلفة في جوهرها، مثلا في مجتمعات فقيرة الموارد أو صحراوية يكون تقديم الطعام للضيف أمرا محمودا؛ لأنه من باب التكافل والتكامل، فاليوم تقدّم المأوى والطعام لشخص مسافر قد لا تعرفه أصلا، لأنك غدا ستنال نفس المأوى والطعام حال سفرك، كل هذه العملية ستكون بلا أي معنى تقريبا عند توفر الطعام والمأوى بسهولة !!!!!

يبدوا أن الخروج من هذه التناقضات الداخلية والخارجية يمر عبر بوابة الوعي بها أولا، وتفكيكها للخروج من فوضى مشاعرية، والتخلص من الشعور بالذنب عند انتهاك إحدى القواعد التي تناقضها داخليا أو خارجيا قواعد أخرى لا نرى فكاكا عن تأثيرها علينا. ثم تأتي عملية الاختيار الواعي التي تعصمنا من التشويش العقلي والإضراب المشاعري، والتي يجب تحديثها بشكل دوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى