اخبارالرئيسيةعيون

رأي- المصادفات الليبية في السياسات الأميركية

*كتب/ أسامة علي،

 

لا يبدو أن للمصادفات مكاناً في سياسات الدول الكبرى التي تقيم خططها في أكثر من مدى، قصير ومتوسط وبعيد.

وفي المدى القصير، دوماً ما تركز القراءات والتحليلات على تصريحات مسؤوليها دونما رجوع إلى ماضي خطواتهم ومواقفهم وتقصيها لبناء قراءة قد تتكهّن بالمتوسّط والبعيد في سياسات هذه الدول. ربما بمثل هذه الطريقة في القراءة يمكن استشراف النشاط الأميركي المحموم في المشهد الليبي. وعلى الرغم من الاعتقاد أنه تراجع في الأشهر الماضية، وعاد لينشط مجدّداً منذ يناير الماضي، إلا أن الأمر يبدو مختلفاً.

قبل أيام، طفت إلى سطح المشهد تفاصيل أخبار شركة أمنتوم الأميركية ونشاطها في طرابلس، ووصول أفرادها إلى قاعدة معيتيقة وانطلاقهم منها للبدء في تقييم وضع عدة قواعد ومواقع عسكرية في طرابلس وغرب البلاد، للبدء في تنفيذ خطّة أميركية للسيطرة على السلاح والمسلحين في غرب البلاد بالتنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسّها عبد الحميد الدبيبة.

اللافت أن هذا الحراك تزامن مع مؤشّرات فوضى مسلحة بدأت في مدينة الزاوية، المحاذية لطرابلس غرباً، التي تضم أهم المنشآت النفطية في غرب البلاد، وامتدّت لتصل إلى المنفذ الحدودي مع تونس في رأس جدير الذي رفض مسلحون يسيطرون عليه قرار وزير الداخلية في حكومة الدبيبة، عماد الطرابلسي، خضوع المنفذ الحدودي لسلطة الحكومة قبل أن يرضخوا للقرار تحت مظهر قبولهم بقوة مشتركة تدير المنفذ.

الطرابلسي هو الظاهر في واجهة تنفيذ خطة السيطرة على السلاح والمسلحين، سواء في طرابلس عندما أعلن عزمه على إخلاء المقارّ الكبرى من مسلحيها ليستجيب المسيطرون على معيتيقة على الفور بإخلائها، أو ضبط وتيرة التصعيد والسلاح في الزاوية، وأخيراً إخضاع منفذ راس جدير، إلا أن خلفيات عدّة قد لا تجعله الفاعل الأهم، فالعلاقة بين “أمنتوم” والدبيبة ممتدّة إلى عام 2008 عندما كان الأخير موظفاً حكومياً بارزاً يشرف على تنفيذ مشاريع الإعمار بالشراكة مع شركة أيكوم التي ولدت من رحمها “أمنتوم”.

ليس من باب المصادفة أن يفطن الوزير الطرابلسي اليوم فقط إلى الفوضى الأمنية والتهريب عبر منفذ راس جدير لفرض سيطرته عليه، وينجح في تشكيل قوة مشتركة لإخضاع كامل القطاع الحدودي لسيطرة الحكومة، ذلك القطاع الذي أشرفت “أيكوم” عام 2018 على بناء نظام المراقبة الإلكتروني المتطور فيه. ليس من باب المصادفة أن تنفذ هذه الشركة النسب الأكبر من طرقات خطّة الإعمار عام 2008 في الخطوط الرابطة بين طرابلس والعجيلات وصولاً إلى الجميل التي تقع في نطاقها قاعدة الوطية، التي لا تبعد سوى 27 كيلومتراً عن منفذ راس جدير، وتُشرف على فضاء البحر المتوسط، وفضاء الصحراء حتى قواعد الجفرة وسرت التي ترابط فيها طائرات الروس وعساكرهم.

قبل يومين، استهدف مجهولون بقذائف صاروخية منزلاً للدبيبة في طرابلس يشغله مستشاره وذراعه الأيمن إبراهيم الدبيبة. وعقبها بساعات معدودة، نشر القائم بالأعمال الأميركي جيرمي برنت صوراً تظهر استضافته إبراهيم الدبيبة في منزله تزامناً مع القصف، وكأنها رسالة ضمنية تشير إلى حمايةٍ من نوع ما إزاء أي سوء قد يهدد مصالح الشريك.

قد يستشف من كل هذه المعطيات أن خطط واشنطن للوجود عسكرياً في ليبيا أقدم من تفكير الروس في الحضور هناك. لكن السؤال الذي قد يطرح: هل من باب المصادفات أيضاً أن تقبل واشنطن بلجوء قائد المليشيات حفتر إليها وتحتضنه 25 عاماً قبل أن يعود ويرتمي في أحضان الروس منذ سنوات قليلة؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

*نشره موقع العربي الجديد (04- 04- 2024م)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى