اخباراقتصادالرئيسية

إجهاد مائي وسط تجاهل رسمي في ليبيا

العربي الجديد-

أدّت موجة الامطار والفيضانات التي شهدتها ليبيا نهاية نوفمبر الماضي، إلى ارتفاع منسوب المياه في سدود الأودية (غرب البلاد)، إلا أنها غير كافية لمواجهة أزمة المياه التي تعانيها البلاد. وما تزال العديد من المدن تواجه خطر العطش. ونهاية نوفمبر الماضي، كشفت وزارة الموارد المائية بحكومة الوحدة الوطنية عن كميات المياه في أربعة سدود، وهي سدود أودية المجينين وزارت وكعام وغان، وكلها تقع غرب البلاد.
وأوضحت الوزارة أنّ كمية المياه التي وصلت إلى سد وادي المجينين هي أكثر من مليون متر مكعب، لتبلغ المياه المحجوزة فيه مليونين و30 ألف متر مكعب، فيما وصل أكثر من مليون و900 ألف متر مكعب لسد وادي زارت، وهي ذات الكمية المحجوزة فيه.
وفي وادي غان، وصل أكثر من خمسة ملايين متر مكعب من المياه لتتجاوز الكمية المحجوزة فيه السبعة ملايين ونصف المليون متر مكعب. أما وادي كعام، فقد وصلت إليه كمية لا تقل عن المليونين لتتجاوز المياه المحجوزة فيه سبعة ملايين متر. ولم تعلن الوزارة عن كيفية الاستفادة من هذه الكميات وكيفية توزيعها. فهل ستعمد إلى سقي المزروعات أم تعمل على الاستفادة منها في الشرب أيضاً؟
من جهته، يقول الأكاديمي وأستاذ الموارد المائية والبيئية المهدي الشاوش، إن “النسب المنسابة فيها والمحجوزة أكبر بكثير من سعتها الأصلية”. يضيف في حديثه لـ “العربي الجديد”: “لم تبين الوزارة شكل البنى التحتية للسدود الأربعة، وما إذا كانت قادرة على الصمود أكثر أمام أي سيلان جارف للوديان، كما لم تتحدث عن الإمكانات الحقيقية في تلك السدود القادرة على توزيع تلك الكميات والاستفادة منها في أكثر من وجه”.
وتواجه بحيرات السدود في البلاد، التي يفترض أن تكون جزءاً من موارد المياه في البلاد، العديد من الصعوبات التي لا يبدو أن السلطات في البلاد تعمل على مواجهتها. في نوفمبر 2021، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً تظهر جفافاً كلياً في بحيرة سد وادي كعام، فيما عزت وزارة الموارد المائية الأمر إلى قلة سقوط الأمطار خلال عامي 2020 و2021، وعدم فيضان الوادي الذي يغذيها.

كما عزت الوزارة آنذاك الجفاف أيضاً إلى ارتفاع درجات الحرارة صيف 2021، كسبب إضافي لزيادة نسبة التبخر في بحيرة السد وجفافها بالكامل.
وفي البلاد 18 سداً أنشئت في وسط وشرق وغرب البلاد، ألحقت بها بحيرات تهدف إلى تزويد المناطق المحيطة بالسدود بالمياه، لا سيما مياه الري الزراعية، وتبلغ القدرة الإجمالية للسدود 400 مليون متر مكعب من المياه. لكنها تعاني من إهمال كبير. ويتحدث الشاوش عن سوء الإدارة وغياب الصيانة الأمر الذي يؤدي في الكثير من الأحيان إلى إهدار الكميات التي تصل إليها من الوديان المتصلة بها، مؤكداً أن “الكميات التي أعلنت عنها الوزارة في السدود الأربعة لم تكشف عن الوضع الحقيقي لتلك السدود، فلو زادت الكمية لانكشفت حقيقة البنى التحتية لتلك السدود التي ممكن أن تنهار أجزاء منها بسبب عدم وجود صيانة دورية لها”.
وبحسب دراسة أعدتها المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات عام 2017، لا تستفيد ليبيا إلا من 3 في المائة من مجمل المياه السطحية المكونة بفعل الأمطار والمياه المجمعة في السدود سنوياً. وتشير إلى أن كميات المياه المخزنة في السدود في مختلف أنحاء البلاد قد تبلغ 61 مليون متر مكعب سنوياً، ويمكن زيادة كميات تلك المياه في حال نفذت السلطات مشروع الـ 21 سداً الذي ما يزال متوقفاً.
إلى ذلك، يقول الناشط البيئي ربيع دغمان إن أزمة المياه تعود إلى سنوات طويلة، ولا يمكن حلها بالاعتماد على المياه السطحية، عازياً سبب إهمال السدود والبحيرات ومصادر المياه السطحية إلى اتجاه البلاد للاعتماد على المياه الجوفية من خلال مشروع النهر الصناعي.

وتجر ليبيا عبر منظومة النهر الصناعي ملايين الأمتار المكعبة من أحواض في أقصى الجنوب، أبرزها أحواض السرير ومرزق والحمادة، عبر أنابيب تمر في مئات الكيلومترات لتغذية المناطق الساحلية.
ويلفت دغمان في حديثه لـ “العربي الجديد” إلى أن البلاد كانت تعتمد إضافة السدود إلى منظومة واسعة من محطات تحلية المياه، تبلغ 21 محطة موزعة على طول ساحل البلاد، تضخ أكثر من 500 ألف متر مكعب يومياً وتكفي لتزويد مناطق الشمال. ويقول إن “إهمال مصادر المياه السطحية ومياه محطات التحلية بالاعتماد على المياه الجوفية أوقعنا في أزمة العطش، إذ إن مخازن المياه الجوفية في الجنوب مهددة بالنضوب مع مرور الوقت، بالإضافة إلى تهالك أنابيب النقل”. ويشير إلى أن ملامح أزمة المياه باتت واضحة، وأصبحت بعض المدن تبحث عن مصادر للمياه وتلوح بأزمة عطش مقبلة.

وأعلنت العديد من المدن بشكل رسمي عن شح مصادر المياه فيها، وخصوصاً في ظل العجز الذي تعانيه وسائل نقل مياه النهر الصناعي، وآخرها مدينة غدامس أقصى الغرب الليبي. وقال مجلسها البلدي مؤخراً إنه “ليس في المدينة إلا بئر واحدة لم تعد كافية لتغذية المدينة، وباتت عاجزة عن توفير مياه الشرب لسكانها”.
كما أعلنت بلدية طبرق (أقصى شرق البلاد) أكثر من مرة عن تعطل محطة التحلية على شاطئ المدينة، التي تعد المصدر الوحيد لتزويد المدينة بالمياه، بسبب قدمها وتهالك أجزائها. وفي وقت يطالب دغمان بضرورة إيجاد حلول لأزمة المياه، يلفت إلى أن القضية باتت محل اهتمام العديد من المنظمات والجهات الدولية. وعام 2019، أصدر معهد الموارد العالمية تقريراً صنف فيه ليبيا في المرتبة السابعة من بين 17 دولة حول العالم تعاني مستويات عالية من الإجهاد المائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى