الاخيرةالراي

“صفقة القرن” لمن هي موجهة؟

 

 

* كتب/ خليفة البشباش

 

فرغت اليوم من قراءة غالب نص صفقة القرن التي أعلنها ترامب ونشرها البيت الأبيض وتقع في 181 صفحة تبدأ بمقدمة وتنقسم إلى فصول إضافة للعديد من الجداول والخرائط التوضيحية، والتي نشرت فقط بالإنجليزية مما اضطرني إلى طلب المساعدة في كثير من الأحيان من الجوجل ترانزليت والكثير من الوقت.

وأحببت هنا أن أشارك ببعض الملاحظات في النقاط المهمة فقط والتي لم تذكرها غالبية وسائل الإعلام التي اكتفت بتحليل تغريدات “ترامب” وخريطته وسأختصرها قدر الإمكان في نقاط، مبتعدا عن المعروف لدى الجميع من القضية.

 

– نص الصفقة الذي نشره البيت الأبيض ليس بنودا نهائية للتوقيع عليها بل هي أشبه بإطار عام، وتوصيات من وجهة نظر “ترامبية كوشنرية”، ينقسم إلى مقدمة تشرح الصراع من وجهة نظرهم، ثم عدة فصول وملاحق تتحلق بالجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية للقضية، لكنها تشدد على وضع النقاط على الحروف في القضايا المهمة، وعدم ترك مجال كبير للنقاش فيها.
– تبدأ عدد من الفصول المهمة بجملة مكررة تقول (ليس من المنطقي أن نطلب من إسرائيل تنازلات قد تخل بأمنها).
– لندخل في الموضوع ونبدأ بما قد يتعلق بليبيا، الجميل في الأمر أن ليبيا لم ترد على الإطلاق في كل هذه الصفحات لا صراحة ولا إشارة بخلاف الكثير من الدول، وبالرغم من ذلك فقد نصت إحدى الفقرات إلى أن اليهود الذين طردوا من (دول عربية) يجب أن يتم تعويضهم في ممتلكاتهم، وليس هذا فقط بل وتعويض اسرائيل عن تكاليف استقبالها لهؤلاء، ومن المعروف أن ليبيا من الدول المعنية بهذا الملف، ولكي لا يكون هذا بندا مزعجا فقد نصت الصفقة على أن يتم تسوية وضع اللاجئين اليهود وتعويضهم في اتفاق منفصل عن صفقة القرن يتم لاحقا.

– قد تعتقد أن ما سبق يعني أن اللاجئين الفلسطينيين حسب الصفقة سيحصلون على نفس المعاملة.. لا، نصت صفقة القرن صراحة وبدون أي مجال للتفسير أنه ليس على إسرائيل تعويض أي لاجئ فلسطيني، ولا يحق لأي لاجئ فلسطيني العودة إلى فلسطين المحتلة، وبدلا من ذلك سيتم توطينهم في بعض الدول بمعدل 5000 لاجئ في السنة، وسيتم إنشاء صندوق لمساعدتهم أو العودة للأراضي الفلسطينية وفق نفس الشروط، باختصار إلغاء فكرة حق العودة، بدون لف ولا دوران.

– توصي الصفقة بتشكيل الـ (“RSC”) أو لجنة الأمن الإقليمي وتتكون من عضوية الدول التالية (الولايات المتحدة، إسرائيل، السعودية، مصر، الإمارات، الأردن، والدولة الفلسطينية المستقبلية) ومهمتها هي الإشراف والتنسيق الإقليمي لمكافحة الإرهاب، والمقصود بالإرهاب هنا هو حركات المقاومة الفلسطينية، استوقفتني الفقرة لأن هناك شيء آخر في ليبيا يجمع هذه الدول نفسها أيضا!..
– يرد ذكر مصر والأردن كدولتين أساسيتين في الصفقة ليس فقط بصفتهما دولتين حدوديتين بل حتى في جوانب أخرى أمنية داخلية، مثلا تنص الصفقة في موضوع المعابر التي تقع بين المناطق الفلسطينية المحتلة أن يتم تشكيل لجنة فلسطينو-إسرائيلية مشتركة، خاصة للإشراف على المعابر تقدم تقارير دورية عن التقييم الأمني لحكومات إسرائيل والأردن ومصر! اضافة لدولة فلسطين الوهمية.
– الأكثر اثارة للسخرية هو قضية المعايير، تشترط الصفقة على السلطة الفلسطينية أن تشدد الأمن في مناطقها لحماية إسرائيل من أي هجمات [إرهابية] لكن كيف؟..

تنص الصفقة على أنه ينبغي على القوى الأمنية الفلسطينية الوصول إلى مستوى المعايير المطبقة في مصر والأردن أو الأشد صرامة بين هاتين الدولتين، بمعنى أن الأجهزة الفلسطينية عليها الوصول لمستوى القمع الذي تتمتع به القوى الأمنية المصرية لمنع أي هجمات ضد إسرائيل، وإلا فسيكون على إسرائيل التدخل مباشرة داخل الأراضي الفلسطينية لحماية أمنها بنفسها.

– لننتقل إلى قصة الأراضي الفلسطينية هذه، نشر ترامب الخريطة المشهورة وهي متلاعب بها عن طريق الألوان الدلائلية والأبعاد لتعطي شعورا بأن الأراضي الفلسطينية في الضفة متصلة وهو غير صحيح، الأراضي الفلسطينية في الواقع عبارة عن أرخبيل من الشوارع والمناطق المفصولة عن بعضها عن طريق المستوطنات التي تنص الصفقة على ضمها للسيادة الإسرائيلية.
– مثلا لنأخذ قصة العاصمة، تنص الاتفاقية على أن القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل ولا مجال لتقسيمها تحت أي ظرف، وبالرغم من ذلك تتنازل إسرائيل وتمنح منطقة ابو ديس وشعفاط وهي مناطق هامشية صغيرة لكن لاحظ عبقرية ترامب، تقول الاتفاقية أنه يمكن تسمية هذين الشارعين بـ “القدس” وهكي يصبح دولة فلسطين عاصمتها القدس فعلا، يعني الأمر أشبه بأنه بدلا من أن تكون عاصمة ليبيا هي طرابلس (نأخذوا منك طرابلس كلها ونعطوكم منطقة السوالم -في أطراف سوق الجمعة- بس عندك الحق في تسمية السوالم بـ”طرابلس” وهكي يقعد فعلا عاصمتك طرابلس بدون ما تحتاج لطرابلس).

– بدلا من حدود 67 يقترح نص الصفقة عملية مقايضة، تحتفظ إسرائيل بالقدس ومناطق من الضفة ومستوطناتها وغور الأردن الخ، وفي المقابل تقايض الفلسطينيين بمناطق أخرى معظمها نائية وصحراوية وعديمة الموارد، وحتى هذا التعويض لا يصل لنفس مساحة اراضي 67 بل أقل لكن المهم (آهو عطينالك حاجة باش ما تعيطش).

– حتى داخل هذا الأرخبيل من الشوارع والبلدات الفلسطينية التي تخترقها المستوطنات، يحق لفلسطين منح أذونات البناء ونحوها لكن وضع المخططات السكنية خصوصا ما يتعلق منها بالمناطق المحاذية -عمليا جلها محاذية- هو شأن إسرائيلي خالص، في الواقع إحدى الفقرات نصت صراحة على أن “مصطلح السيادة هو حجر عثرة لا لزوم له”.

– هذه الدولة المستقبلية الوهمية يجب أن تكون منزوعة السلاح تماما، وهنا تأتي المعضلة “غزة”..
– تنص الصفقة صراحة على أن حماس منظمة إرهابية مسؤولة عن قتل والتنكيل بآلاف الإسرائيليين وأنه يجب تجريدها من السلاح، وكذلك بقية الحركات الموجودة في غزة، لكن انظر إلى الإبداع، يجب على السلطة الفلسطينية أن تقوم بهذه المهمة كشرط لتوقيع إسرائيل عليها، بمعنى فوق كل الإهانة والسرقة والتجريد للسلطة الفلسطينية يجب أن تقوم بمحاربة حماس بدلا من إسرائيل (لأن إقناعها بترك السلاح طوعا مستحيل) وتحرير الأسرى الإسرائيليين وإعادة الجثامين وتجريد غزة كاملة من أي سلاح، على كل حال هذا لا يبدو بعيدا فحماس هي العدو الوحيد لسلطة عباس حاليا والعدو الأول لحلفائها الإقليميين.

– على ماذا يحصل الفلسطينيون في مقابل كل هذا؟ أراض إضافية معظمها عديمة الفائدة، وأوهام اقتصادية طويلة عريضة لم أقرأ معظمها، وصولا إلى الموانئ الإسرائيلية وإنشاء ميناء خاص في المستقبل لكن بشرط موافقة إسرائيل، تظل جميع الحدود خاضعة لإسرائيل، تحتفظ إسرائيل بمقر أمني واحد على الأقل داخل الأراضي الفلسطينية مهمته أمنية استخباراتية وتجريم حركات المقاطعة الخ الخ، من “كل شيء لإسرائيل ولا شيء لغيرهم”..

 

الخلاصة، خطة ترامب للسلام أو ما يطلق عليه “صفقة القرن” ليست في الحقيقة اقتراح سلام، ..هي من وجهة نظري الشخصية غير موجهة في الأصل للفلسطينيين فهي لا تقدم لهم أي شيء لا شعبا ولا حتى حكومة ومسؤولين حيث تشير إليهم إما كإرهابيين (حماس) أو فاسدين (السلطة- فتح)، لكنها موجهة إلى دول أخرى أهمها مصر والأردن ودول الخليج، والتي تضمن الولايات المتحدة موافقتها التامة مقابل نيل الرضا “الترامباوي” الذي سيحمي كراسيهم من شعوبهم، ومن أي ضغط دولي على ممارساتهم وغبائهم.
وهذه الدول قد رحبت بالفعل بالمبادرة بما في ذلك جامعة أبو الغيط، وسينضم إليها كل من يبحث عن الشفاعة “الترامباوية”، وبالتالي ستصبح مرجعية تنطلق بها إسرائيل لمراحل أخرى، فما فعلته سابقا الآن شرعية بنص أمريكي وبمباركة من تلك الدول، وما ستفعله لاحقا قد يكون بمشاركة هذه الدول مباشرة وليس الشرعنة فقط.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى