الرئيسيةثقافة

هكذا يعاملون مبدعيهم..

 

* كتبت/ فريدة حقيق،

من التقاليد الإيطالية العريقة أنه عندما تنتقل إحدى الشخصيات المعروفة إلى دار الآخرة، يتمّ إلباس الجثمان أجمل الثياب، ويُسجى في تابوت أنيق، ويُوضع في مكان مُتاح للجمهور (كمبنى البلدية أو ما شابه ذلك) ويُترك التابوت مفتوحاً لمدة يوم كامل لإتاحة الفرصة للمواطنين ليلقوا عليه تحية الوداع ..

وعادةً تكون هناك طوابير طويلة للمودعين القادمين حتى من أماكن بعيدة -حسب أهمية الشخصية المتوفاة- والتي قد تتطلب أحياناً الانتظار لساعات لإلقاء النظرة الأخيرة على الفقيد الراحل قبل دفنه .

 

في الأيام القليلة الماضية توفى في روما فنان قدير متعدد المواهب، شاءت الأقدار أن تدركه المنية في يوم عيد ميلاده الثمانين، وهو الفنان (جيجي بروييتي) المشهور بابتسامته المميزة، والذي تفنن كممثل مسرحي وكمخرج ومقدم برامج ومغني، وشارك في العديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية الناجحة عبر مسيرة فنية امتدت لسنوات طويلة ..

ونظراً للظروف الحالية بسبب الجائحة لم يكن ممكناً اتباع التقاليد المعروفة، فالتجمهر والطوابير أصبحت ممنوعة بالقانون، ومع ذلك لم يتخل الإيطاليون عن توديع فنانهم بما يليق به.. فانتشرت على وسائط التواصل الاجتماعي رسالة تدعو إلى التواجد في البلكونات ونوافذ البيوت في تمام الساعة الثامنة من مساء اليوم السابق للدفن؛ للمشاركة في تصفيق جماعي، وذلك كتحية وداع للفنان الذي امتلك حبهم وقلوبهم.. واستجاب الكثير من الناس لهذه الدعوة وكان مشهداً مؤثراً للغاية !

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد..

ففي يوم الدفن شكّلت الشرطة العسكرية الإيطالية موكباً من الموتوسيكلات صَاحبَ السيارة التي كان عليها نقل النعش إلى الكنيسة لإقامة الصلاة، ولم تتجه السيارة مباشرةً إلى هناك، وإنما طافت بالنعش محاطاً بموكب الموتوسيكلات عبر شوارع روما التاريخية، حيث أطل الناس من شرفات ونوافذ المباني لنثر الزهور على النعش وإلقاء النظرة الأخيرة عليه.. وعند وصول الموكب إلى الكنيسة كان هناك صفان من أفراد البوليس ومن الحرس البلدي استقبلوا الجثمان بالتحية العسكرية وكأنه رئيس دولة.. في مشهد آخر مؤثر يزيد من مهابة الحدث !

تابعتُ النقل المباشر لكل هذه التفاصيل على شاشة التلفزيون ولمست مدى حرص الإيطاليين من عامة الشعب ومن السلطات على تكريم المبدعين، حيث لم تقف لا الجائحة ولا غيرها عقبة أمامهم في التعبير عن تبجيلهم واحترامهم للفن وللفنانين.. وتساءلت متى يا تُرى يحظى مبدعونا بالمعاملة اللائقة بهم؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى