* كتب/ السنوسي بسيكري،
كان لظهور وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في صورة مع رئيس صندوق الإعمار والتنمية التابع لمجلس النواب الليبي، بلقاسم حفتر، ضجيج كان له صداه في الغرب والشرق الليبي سواء، والسبب معلوم، وهو القطيعة التي استمرت زهاء عقد من الزمان بين أنقرة وجبهة طبرق ـ الرجمة في شرق ليبيا، وكون تركيا حليفا للجبهة الغربية بكل مكوناتها السياسية والعسكرية، والصورة تعني أن تطورا في مواقف الأطراف المعنية قد وقع سيكون له ما بعده.
بالنسبة للأتراك يبدو أنهم يتجهون لتحقيق غاياتهم من التدخل المباشر وبقوة في ليبيا منذ العام 2019م، والذي انتهى إلى حصول أنقرة على موطئ قدم وحضور قوي سياسي وعسكري في البلاد. فقد كانت أنقرة، قبل العام 2019م، بعيدة عن التأثير في اتجاهات الصراع في البلاد، وأدوار القوى الخارجية فيه والتي انحصرت في اللاعبين الإقليميين العرب والأمريكان الأوروبيين، ولاحقا الروس.
منذ العام 2019م صارت أنقرة رقما صعبا في المعادلة الليبية، فقد بررت وجودها العسكري في الغرب الليبي باتفاقية أقرب لاتفاقيات الدفاع المشترك تم توقيعها مع الحكومة المعترف بها دوليا آنذاك، الأمر الذي جعل فكرة السيطرة على العاصمة ومن ثم مفاصل الدولة، من قبل الجبهة الشرقية وحلفائها الخارجيين، أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا. كما وقعت أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني اتفاقا يتعلق بترسيم الحدود البحرية وذلك في نوفمبر 2019م.
لاحقا اتجهت بوصلة الأتراك إلى التقارب مع الجبهة الشرقية لإدراكهم أن تفعيل الاتفاقية البحرية يستلزم مصادقة مجلس النواب الليبي عليها، ويسبق ذلك إذنا من الرجمة، حيث القيادة العسكرية المسيطرة فعليا على القرار في الشرق، لهذا ركز الأتراك على تجاوز العقبات وإذابة الجليد مع طبرق والرجمة، وقد كان للتقارب التركي مع دول الخليج ومصر، الحليفة للجبهة الشرقية الليبية، أثره في الاقتراب من جبهة شرق ليبيا.
ولا نقلل من رغبة الأتراك في حيازة جزء من كعكة مشروعات التنمية أو ما في حكمها، ذلك أن التفاهم الذي وقع مؤخرا بين مجلس النواب والمصرف المركزي وإقرار ميزانية بنحو 180 مليار دينار ليبي سيزيد من حصة صندوق الإعمار والتنمية الذي يترأسه بلقاسم حفتر من الموازنة العامة، وكانت البداية بتوقيع عقود بمئات الملايين في مجال الإنشاءات مع شركات تركية.
بالنسبة لجبهة الشرق، هناك حاجة ملحة سياسيا وعسكريا لتحييد تركيا من الصراع الليبي، وربما تقويض حلفها مع الجبهة الغربية. يضاف إلى ذلك الحاجة للدعم التركي في مسيرة التنمية والإعمار التي اتخذتها قيادة الرجمة وسيلتها لاسترجاع بعض ما فقدته من تأييد شعبي خاصة بعد الهجوم على العاصمة، ومعلوم كفاءة الشركات التركية التي تنافس الشركات الأوروبية في هذا المجال، وتتفوق على الشركات المصرية.
يراد لصندوق الإعمار برئاسة أحد أبناء حفتر، الذي هو أشبه بحكومة مصغرة لما يتمتع به من صلاحيات، أن يكون وسيلة كسر العزلة، بسبب عدم الاعتراف الدولي بالحكومة الموازية في الشرق الليبي، ونافذة للتواصل الخارجي لتحقيق أهداف عديدة، ويبدو أن هذا المسار يؤتي أكله، والتقارب مع تركيا يمكن أن يقود إلى انفتاح أرحب.
الضجيج الذي علا صداه يرجع إلى موقف مكونات عديدة في الشرق تحمِّل تركيا مسؤولية موت المئات من أبناء الشرق في حرب العام 2019م، وتعاديها لدعمها للمتشددين الإسلاميين حسب قولهم.
بالنسبة للجبهة الغربية، فالصدمة ترجع إلى اعتقاد كثيرين هناك أن تركيا وقفت إلى جانبهم من منطلق أخلاقي مبدئي، وهذا الفهم أسست له تصريحات الرئيس أردوغان ووزرائه ومستشاريه التي شحنت بمفردات تتصل بالقيم والمبادئ والأخلاق، وإذا بها تتنكب لتلك المبادئ، وفق تقييم الجبهة الغربية.
والحقيقة أن الموقف التركي الرسمي ارتهن للمصالح التركية، وكانت هي الغالبة في نهاية المطاف، وقد تصالح الأتراك مع أنفسهم في مسألة خدمة المصالح التركية ونجحوا في ذلك نسبيا، وما يعاب على السياسة التركية هو المبالغة في مواقفها ضد من ناصبتهم أنقرة العداء، والتي كان لها تأثيرها السلبي على شريحة واسعة ممن دعمتهم تركيا بعد العام 2013م، ليس في ليبيا فقط، بل في مصر وسوريا وغيرها من المناطق.
وينبغي التنبيه إلى أن أنقرة لن تكتفي بما ستتحصل عليه من عقود بناء وتشييد من قبل صندوق الإعمار، فالأهم هو المصادقة على اتفاقية النفوذ الاقتصادي البحري، وبرغم وعود رئيس مجلس النواب الليبي بالنظر في الاتفاقية من قبل المجلس، إلا أن إقرارها لا يعود إلى الجسم التشريعي الليبي، فإن للقيادة العسكرية في الرجمة كلمتها في المسألة، هذا بالإضافة إلى الثقل المصري الذي يرتهن إلى تفاهمات مع دول شرق وشمال البحر المتوسط، بل هي مسألة تقع ضمن اهتمامات أطراف أكبر هي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، كونها تتعلق بثروة هائلة من النفط والغاز قد تكون سببا لتفجر صراع في شرق وجنوب المتوسط.