اخبارالرئيسيةعربي ودولي

مراهقو مصر… هجرة سرية إلى أوروبا رغم المخاطر

العربي الجديد-

جلس كيرلس شنودة (14سنة)، إلى جوار محمد زياد (13 سنة)، غريبين في مدينة طبرق الليبية التي تبعد عن بلدتهما في محافظة أسيوط بصعيد مصر مئات الكيلومترات.
غادر المراهقان مصر مع آخرين في طريق يقطع البر والبحر، وكان يفترض أن ينتهي على سواحل إيطاليا التي لم يصلوها، إذ جرى اكتشاف مخزن كانا بداخله مع 287 مهاجرا يحملون الجنسية المصرية، من بينهم 35 مراهقاً، بحسب تصريحات لمسؤولين أمميين في ليبيا.
وشهدت الأشهر القليلة الماضية ترحيل 747 مصرياً من ليبيا، من بينهم مراهقون حاولوا الهجرة السرية، في سيناريو يتكرر بشكل شبه أسبوعي، إذ يتم ضبط مخازن متخمة بالمهاجرين، ومعظمهم قادمون من قرى فقيرة في صعيد ودلتا نيل مصر.
وجاء اكتشاف آخر دفعات المهاجرين في مدينة طبرق، بعد شهور من احتجاز المهربين لهم بزعم الترتيب لعملية هجرة سرية إلى إيطاليا، ووفق مقاطع فيديو متداولة للمراهقين المهاجرين عقب توقيفهم، تضاربت اعترافاتهم حول دوافع الهجرة، فأحدهم يقول إنهم ذاهبون للعمل، وآخر يؤكد أنهم ذاهبون كما ذهب آخرون من قبلهم، من دون أن يعرف ما الذي واجهه من سبقوه بالهجرة.
لا يمكن تخيل أن أياً من هؤلاء المراهقين يمكنه دفع مبلغ 120 ألف جنيه (نحو 6 آلاف دولار) للمهربين مقابل الهجرة، وبالتأكيد فإن ذويهم هم من دفعوا المال، وإن كان يصعب تصديق أن هناك من بلغ به اليأس من تحسن الحال، مبلغ أن يلقي بفلذة كبده في مغامرة مهلكة.
ربما يكمن حل اللغز في إيطاليا، حيث تمنع القوانين ترحيل الأطفال، وتلزم السلطات بإيوائهم في مراكز استقبال وتأهيل حتى بلوغهم 18 سنة، ليجري منحهم حق الإقامة، ويوضح الصحافي المصري المقيم في إيطاليا، معاطي سندوبي، أن “هذه القواعد شجعت راغبي الهجرة على إرسال أطفالهم بدلا من الشباب، للتحايل على قوانين ترحيل البالغين، وفي دور الرعاية يجري تعليم الأطفال اللغة الإيطالية، وإكسابهم مهارات حرفية لها فرص في سوق العمل، وخلال ذلك يتم تخصيص مصروف يومي، مع أوقات للترفيه”.
ويضيف لـ”العربي الجديد”: “اتجاه راغبي الهجرة إلى ليبيا كمحطة مؤقتة سببه حالة التراجع الأمني التي تسهل خروج المهاجرين من السواحل الليبية إلى إيطاليا القريبة، وهناك عصابات تعمل عليها بكثافة، وحينما يصل الأطفال، ويحصلون على الإقامة، يمنحونها لذويهم عبر دعوتهم لزيارة البلاد”.

وقبل أيام، غرق مركب هجرة كان يقل أطفالاً مصريين ضمن ركابه في طريقه إلى إيطاليا عبر ليبيا، بعد أن ضل طريقه في البحر، وتسبب نفاد الطعام والمياه في وفاة كثير من المهاجرين جوعاً وعطشاً قبل غرق المركب، وكان من بين المتوفين خمسة أطفال من “أبنوب” التابعة لمحافظة أسيوط.
يشرح طارق أحمد، وهو مدرس من مدينة أبنوب، حيث مسقط رأس عدد من القصّر المهاجرين الموقوفين في ليبيا: “مع الفقر المدقع، هناك عنصر جاذب للهجرة، وهو عدد من المهاجرين السابقين الذين نجحت محاولاتهم، وبالتالي يسلك اللاحقون نفس السبيل بأهداف أكثر تطوراً، ليس بحثاً عن الأمان المادي فقط، ولكن أيضاً بحثاً عن حياة إنسانية كريمة. من المعتاد في أبنوب سماع الزغاريد تنطلق من بيت ابتهاجاً بوصول أحد الأبناء إلى الشاطئ الأوروبي، وفي الجوار بيت آخر تنطلق منه صرخات الحزن على غرق ابن خلال محاولة الهجرة”.

وحسب اعترافات مهاجرين سريين من مصر، تبدأ رحلة الهجرة بالتواصل مع أحد السماسرة لدفع مبلغ يتراوح ما بين مائة ألف إلى 180 ألف جنيه (الدولار بنحو 19 جنيهاً ونصف الجنيه)، وعادة ما تدفع على دفعات، إحداها مقدماً، والأخرى عقب الوصول إلى إيطاليا.

وتعد محافظات شمال دلتا النيل محطات “ترانزيت” للمهاجرين، إذ يتجمع فيها عشرات من راغبي الهجرة من المحافظات المختلفة، ويتسلمهم صاحب مركب صيد، ويحدد لهم موعد السفر، ثم تنقلهم زوارق صغيرة إلى عرض البحر، وهناك ينتظرهم مركب صيد مرخص لها التحرك في المياه الدولية، ليجري وضع القصّر في مبردات الأسماك، ثم يتجه المركب إلى شواطئ ليبيا، حيث مركز التخزين الثاني، والذي يضم قصّراً من بلدان عدة، ومن هناك إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط، وفي بعض الأحيان ينتقل المركب من السواحل المصرية إلى إيطاليا مباشرة.

يجري إنزال المهاجرين قرب الشواطئ الإيطالية إلى زوارق مطاطية تقوم بتوجيه استغاثة لخفر السواحل بوجود مشكلة في الزورق قد تعرضه للغرق، لتقوم هيئات الإغاثة أو خفر السواحل بانتشالهم، وتستغرق هذه الرحلة الخطرة بضعة أيام، يتعرض المراهقون خلالها لمعاملة عنيفة من قبل المهربين، مع قلة الزاد وانعدام مستلزمات التدفئة.
وبالإضافة إلى مركز أبنوب جنوباً، تعرف عدة قرى في دلتا النيل شمالاً الظاهرة، ومنها قرية تلبانة بمحافظة الدقهلية، وقرية ميت بدر حلاوة بمحافظة الغربية.

وأطلقت مصر مؤخراً أول استراتيجية وطنية لمكافحة الهجرة السرية، فضلًا عن إصدار القانون 82 لعام 2016، والذي يضم عقوبات رادعة، ويجرم كافة أشكال تهريب المهاجرين.
وبالتزامن مع ثورة يناير 2011، انطلقت مبادرات تطوعية لمكافحة الهجرة السرية، منها مشروع “بلدنا أولى بولادنا” لمكافحة هجرة الأطفال تحديداً، وهو مدعوم مالياً من الاتحاد الأوروبي.

وبرزت ظاهرة هجرة الأطفال بعد التضييق على الشباب والكبار في أوروبا، حيث تلزم القوانين المحلية دول الإتحاد الأوروبي باستقبال الأطفال، وعدم ترحيلهم على اعتبار أنهم معرضون للخطر في بلدانهم. ونظراً لكون معظمهم من أسر فقيرة يكون عائلها منتظراً سداد ديونه التي أنفقها لسفر ابنه، يهرب الطفل من دار الرعاية الإيطالية إلى أعمال مشروعة أو غير مشروعة، وربما يقع ضحية عصابات الاتجار بالبشر أو تجارة الأعضاء، بحسب متطوعين عملوا في منظمات لإنقاذ الأطفال المهاجرين.
ورغم هذا المصير الغامض، يرى ذوو هؤلاء الأطفال أن بقاءهم في مصر ليس أقل خطورة، وأن أقصى ما سينالونه، هو العمل في حرفة تكفي بالكاد الطعام والشراب.

وناشدت رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر، السفيرة نائلة جبر، الأسر عدم تعريض الأطفال لأهوال ومخاطر الهجرة السرية، أو الوقوع فريسة لشبكات تهريب المهاجرين، وأكدت في تصريحات صحافية، تعديل “قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية” لتغليظ العقوبات على المهربين إذا كان المهاجر طفلاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى