الرئيسيةالراي

رأي- ما بين معيتيق وصالح والسراج وحفتر.. من يفوز في الفوضى الجارية الآن في ليبيا؟

* كتب/ عبدالعزيز الغناي،

تعج ليبيا اليوم بضجيج هو أشبه بضجيج يُسمع في وكالات الاتصالات (كول سنتير  call center) حيث الكل يتحدث ولا أحد يسمع.

 

مشاورات في مدينة بوزنيقة المغربية بين مجلس نواب عقيلة صالح وبين المجلس الأعلى للدولة بقيادة خالد المشري، ومشاورات بتنظيم من مركز الحوار الإنساني في جنيف وبرعاية أممية، ومشاورات اقتصادية بين معيتيق وحفتر ووفد في مصر يُقال إن السراج قد أرسله.

 

سبب الوصول لهذه الحالة هو تآكل الشرعيات الليبية وصعوبة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وزيادة حدة الاستقطاب بعد أن شن حفتر حرباً شعواء على طرابلس راح ضحيتها الآلاف من مقاتلي الطرفين والمدنيين، إضافة لدمار كامل لمنطقة جنوب طرابلس، وتدخلات دولية وإقليمية وشركات مرتزقة سيئة السمعة كفاغنر وغيرها.

 

أولاً: حوار بوزنيقة المغربية

تهتم المملكة المغربية المقربة دائماً من الولايات المتحدة الأمريكية بإقامة هذه المشاورات، والتي تضم وفدين من مجلس نواب طبرق برئاسة عقيلة صالح وشخصيات برقاوية نافذة، وبين المجلس الأعلى للدولة وشخصيات محسوبة على الإسلام السياسي، حيث تسعى الولايات المتحدة لدعم هذا المسار للحصول على أساس تُخرج به روسيا من ليبيا دون الاصطدام بها، كذلك ورغم حدة الاستقطاب جاء الوفدان للطاولة لعدة أسباب منها، أن عقيلة صالح يبحث عن دور له ولإقليمه برقة ينهي به الحرب الأهلية والمتاجرة بحقوق هذا الإقليم، وينهي سطوة حفتر على أبناء الإقليم، وعلى الرغم من أن عقيلة صالح قد بارك العدوان على طرابلس وانضم لفريق صقور الكرامة، لكنه مؤخرا تراجع عن دوره وأصبح يلعب بورقة سياسية كهذه المفاوضات، وفد المجلس الأعلى للدولة لا دور له إلا هذه المفاوضات، وهو يبحث عن التجديد لنفسه، والحصول على رئة جديدة يتنفس بها ويشارك في رسم مشهد قادم يكون متواجداً فيه وبشكل أساسي.

 

هذه المشاورات هدفها تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة تنفيذية، على الأرجح أن يكون على رأس المجلس عقيلة صالح ممثلاً لبرقة ومعه نائبان طرابلسي وفزاني عن الإقليمين، وحكومة تنفيذية على الأرجح أن تكون برئاسة وزير الداخلية لحكومة الوفاق فتحي باشاغا وتتمتع بصلاحيات عالية تجعل منه رئيس وزراء لكل ليبيا، وهو عرض لاقى قبولاً بشكل مبدئي باستثناء حفتر والمجلس الرئاسي الحالي برئاسة السيد فايز السراج.

 

ثانياً: مشاورات سوتسي بين أحمد معيتق النائب لفائز السراج وحفتر

بعد أن شعر حفتر أنه غير مقبول أممياً وبرقاوياً إلى حد ما، سعى إلى الاستعانة بروسيا التي تبرر وجودها بأمرين إما ببقاء حفتر أو باتفاق مع الأتراك، فساعده الروس في تنظيم اتفاق بينه وبين معيتيق، مصلحة معيتيق فيه هو بقاؤه في السلطة دون أي مكاسب لإقليمي فزان وطرابلس أو كتلة بركان الغضب المدافعة على مدنية الدولة، بينما جنى حفتر منه الكثير، ومن أهم المكاسب هي فتح المقاصة بين مصارف المنطقة الشرقية ومصرف ليبيا المركزي وتسديد ديون حفتر التي بلغت قرابة 50 مليار دولار، كما أنه سيحصل على رصيد شعبوي جديد بعد أن بدأ رصيده في التآكل، خاصة بعد تردي المعيشة في المنطقة الشرقية بسبب إغلاق النفط وانقطاع التيار الكهربائي وسوء الخدمات.

 

اتفاق معيتيق وحفتر جاء مثل قبلة الحياة التي أرسلها معيتيق لحفتر ليعود حفتر للمشهد ويعيد ضخ النفط، مع رسائل ود في إعلامه لمعيتيق ومصراتة للحصول على هذه المكاسب التي توصف بنصر اقتصادي لحفتر، لم يتمكن من الحصول عليه بواسطة ما يزيد عن الألف غارة وعشرات الآلاف من الجنود، وآلاف العربات العسكرية والمدافع، ومن خلال هذا الاتفاق سيترأس معيتيق لجنة تمتلك اختصاصات رئيس دولة من حيث توزيع الإيرادات وتنظيم عمل المصارف والانفاق عموماً والوصول لإيرادات النفط من المصرف الليبي الخارجي، والأهم أن وجود هذه اللجنة غير محكوم بزمن معين، أي أنها ستستمر بالتعاون مع مندوبي حفتر -بطبيعة الحال- إلى أجل غير مسمى.

 

مبدئياً لاقى هذا الاتفاق رفضاً شعبياً في مناطق غرب ليبيا وجنوبها، خاصة أن مصادر صحفية رجحت أن الاتفاق هو تقاسم لإيرادات النفط بين إقليمي طرابلس وبرقة فقط بنسبة 60٪ و40٪ على الترتيب دون تخصيص أي قيمة لإقليم فزان المنتج للنفط من الأساس.

 

ثالثاً: حوار جنيف

هو حوار يجريه مركز الحوار الإنساني بين الفرقاء الليبيين وضم شخصيات مستقلة، وهو أشبه بمسارات قام بها غسان سلامة وبرناردينو ليون المبعوثان الأمميان السابقان لليبيا، ورغم أن هذا المسار بحسب تقديري هو ورقة ضغط أممية على القادة الليبيين بالمجمل بأن البديل موجود، إلا أنني لا أرى أنه بالإمكان تحقيق أي تقدم ملحوظ خلال هذا المسار، لأن المجتمعين لا يمتلكون الأوراق الفعلية للعب في ليبيا خاصة في وضعها الراهن بسبب التداخلات الإقليمية العاصفة.

 

رابعاً: وفد مُرسل من الرئاسي لمصر

جاء إرسال هذا الوفد الذي ضم شخصيات مُنتخبة ومستقلة أغلبها من مدينة مصراتة من قبل الرئاسي كرد فعل على مشاورات بوزنيقة المغربية المشار لها أعلاه، والتي تبحث تشكيل مجلس رئاسي جديد لا مكان للسراج ونوابه فيه، فأراد السراج بهذا التواصل مع مصر خلط الأوراق، رغم أنها مقامرة خطيرة جداً بالنظر إلى أن السراج حليف تركيا التي لا تتمتع بعلاقات جيدة مع النظام الحاكم لمصر، كما أن السراج خرج في خطاب متلفز في يوم عيد الشهيد الذي وافق السادس عشر من سبتمبر قال فيه إنه يعتزم الاستقالة مع نهاية أكتوبر القادم سواءً توصل وفدا الحوار في المغرب لاتفاق أم لا.

 

المشهد العام

يمتلك السراج شرعية مهمة قد تبقيه في السلطة في حال عدم توافق طرفي الحوار في المغرب، كما أن طرفي الحوار لابد أن يكونا مستعدين لتقديم تنازلات كانت بمثابة خطوط حمراء في الماضي القريب، فعقيلة صالح كان يحرم التعامل مع أقطاب الإسلام السياسي لكنه تنازل عن هذا التحريم، مجلس الدولة أيضاً كان يرى صالح بعين التجريم حيث إنه بارك عدوان حفتر على طرابلس ودعمه سياسياً، وهذا كان في خانة المحظورات لسياسات المجلس، معيتيق يهمه البقاء لأن الخارج من باب السلطة سيكون عرضة للمساءلة وربما الملاحقة، خاصة في قضايا فساد قد تُنسب له، حفتر بنى خلال سنواته الست الماضية مملكة عسكرية مكن فيها أبناءه وأقرباءه من السلطة وبنى ترسانة عسكرية تسيطر على إقليم برقة، وله حلفاء دوليون وتطارده جرائم حرب بالإمكان أن تلتهمه إذا ابتعد عن جنوده وكتائبه ومرتزقته.

 

حالياً حفتر أمر بإعادة إنتاج النفط وبدأت المؤسسة الوطنية في تصدير النفط من الموانئ الآمنة والخالية من مرتزقة فاغنر التي منها ميناء الحريقة ومليتة أقصى الشرق والغرب الليبي، لكن حفتر قرن استمرار الضخ هذا بتنفيذ اتفاقه مع معيتيق – الذي قد لا يمر بسهولة – وإلا فإنه سيعيد الإغلاق في غضون شهر من يوم إعلانه رفع الحظر عن التصدير، حفتر في بيانه قال إن الليبيين قد ملوا من المبادرات في إشارة منه لحراك عقيلة صالح ومشاورات المغرب، أيضاً من جانبه شكل عقيلة صالح لجنة للتحقيق في فساد محتمل للجنة مكافحة فيروس كورونا والتي يترأسها رئيس أركان الشرق عبدالرزاق الناظوري، وهي خطوة شجاعة، وغير مسبوقة لصالح أمام شخصية عسكرية.

 

المسارات كثيرة وقد تُستأنف الحرب مجددا خاصة في حال تهديد حفتر بإخراجه من المشهد، أيضاً ليبيا تتآكل أرصدتها المالية بنفقات مستمرة دون إيرادات، لذلك فهي قد تصل لمرحلة الإفلاس، أيضاً معركة شرقي المتوسط وترتيبات تركية روسية أو تصادمات أمريكية روسية قد تحدث تغيرا في المشهد الليبي واللاعبين بشكل كامل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

*نشر المقال على موقع عربي بوست الاثنين (28 سبتمبر 2020م)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى