اخبارالرئيسيةثقافة

عن “سنواتي”. مذكرات الدبلوماسي الليبي السابق “عبدالرحمن شلقم”

* كتب/ بشير زعبية،

بين يديّ نسخة مبدئية لكتاب أعتبره حدثا، وأعتقد أنه سيكون الأهم ضمن قائمة الكتب السياسية التي ترصد محطات مهمة في مسار الدولة الليبية منذ استقلال البلاد العام 1951م.

إنه الكتاب الأول الذي يحاول التوثيق لإحدى أهم المراحل التي السياسية في بلادنا على امتداد أربعة عقود من خلال مذكرات وزير خارجية ليبي كان طوال تلك الفترة لصيقا بدائرة القرار السياسي، بل أحيانا في قلب المطبخ السياسي، «شاهد ملك» على حقبة مازال الليبيون يعيشون تداعياتها، ومازالت الكتابة عنها منقوصة، بين يديّ كتاب «سنواتي – مذكرات» للأستاذ، عبدالرحمن شلقم، وزير الخارجية الليبي، مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الأسبق إبان النظام اليسابق، والذي شغل أيضا عديد المواقع في الجهاز التنفيذي الليبي أنذاك، منها سفير ليبيا في روما لعشر سنوات، وأمين الشؤون الخارجية بمؤتمر الشعب العام، ووزير الإعلام، ومدير وكالة الأنباء الليبية، وقبلها تولى مناصب قيادية في مجال الصحافة، وهو مجال اختصاصه الذي درسه في جامعة القاهرة، منها رئيس تحرير صحف الفجر الجديد، والأسبوع الثقافي، والأسبوع السياسي.

وتقديري أن أهمية مذكرات الأستاذ عبدالرحمن شلقم تتركز في أمرين، الأول أنه أول وزير خارجية، بل أول مسؤول ليبي رفيع ليبي يكتب مذكراته، إذا ما استثنينا كتابي رئيسي الوزراء الراحلين، محمد عثمان الصيد (1960-1963)، ومصطفى بن حليم(1954 – 1957)، وقد كنت وغيري ينتظر منه كـ«شاهد على عصر» كما يقال كتابا غير كتابية السابقين عن رجال القذافي ونهايته، لما تضمنا من ردود فعل عاطفية فرض الظرف الموضوعي في فترة إصدارهما، وهو ما يقره، ويبرره أيضا، أما الثاني فهو المحتوى الذي يرصد من الداخل أهم المحطات التي عاشتها ليبيا خلال حكم العقيد معمر القذافي، أو ما يمكن أن نطلق عليها العشريات الأربع، بل أن الكاتب كما قلت كان في أوج تجليات تلك المرحلة في قلب المطبخ، وربما الأقرب إلى صانع القرار، ورأس النظام، وأنا أتحدث عن المطبخ السياسي، وأزعم أن العقيد معمر القذافي لو قيض له أن يكتب مذكراته لما كان بعيدا عن التفاصيل التي سنجدها في هذه المذكرات، وإن لم يكتب القذافي مذكراته، فقد كتب شلقم شيئا مهما منها، لذا فالتصفح الأولي لفصولها يكاد يوحي إليك بعنوان آخر للكتاب، هو «أنا والعقيد معمر القذافي» فقد كان الأخير هو المحور، والمنطلق في جل الوقائع التي تضمنتها المذكرات،

وربما أراد الحرص على تنبيه القارئ إلى ذلك في مقدمة الكتاب، إذ يقول:« وقد عملت في مواقع كانت قريبة جدا من الأخ العقيد معمر القذافي، وفي مراحل حساسة وهامة، بل خطيرة في عمر وطننا»، ولعلي أزعم أيضا أن السيد، عبدالرحمن شلقم اجتمعت فيه الشروط الكاملة لكتابة هذا النوع من المذكرات، فهو الدبلوماسي، والصحفي، والكاتب المثقف الذي ربطته علاقات وثيقة مع نخبة من الشخصيات العربية، والأجنبية رفيعة المستوى في مجالات الفكر، والسياسة، والصحافة، وذو رؤية شاملة في قراءة وتحليل الأحداث التي يراها دائما مرتبطة، وليست معزولة عن بعضها، مثلما يشير في مذكراته حين يقول: «أنا ابن مرحلة ليبية، وإقليمية، وعالمية»، وفي هذه المذكرات وعلى امتداد أكثر من 500 صفحة يوثق لنا شلقم بالرصد، والتفكيك، والتحليل، الذي لا يخلو من الرأي أحيانا، خيوط، وخطوط مسارات العشريات التي يتناولها بدءا من سبعينيات «الشعارات القومية الكبيرة»، وثمانينيات «المواجهة والصدام مع الولايات المتحدة»، وتسعينيات «لوكربي»، ثم ما بعد الـ2000 عقد «المراجعات ومشروع ليبيا الغد».

وفي هذه المذكرات أيضا، سيطلع القارئ الليبي، كل من يعنيه الشأن الليبي على تفاصيل تعلن لأول مرة تتعلق بأسخن، وأخطر الملفات التي عاشتها الدولة الليبية عبر العقود الأربعة من نظام العقيد، معمر القذافي، (الوحدة مع مصر، وتونس، حرب تشاد، أزمة لوكربي، إلغاء البرنامج النووي، قضية الممرضات البلغاريات، والتوجه الأفريقي، اللجان الثورية، العلاقة بين القذافي وجلود، قضية موسى الصدر…» وغيرها من الملفات الساخنة.

وربما سنجد فيما تطرق إليه بشأن «حجة القدس» تفاصيل تعلن للمرة الأولى على لسان سياسي ليبي شاهد على الحدث..

هذه ليست قراءة للمذكرات لكنها لمحة خاطفة رأيت إدراجها لأهمية الكتاب الذي أعتقد أنه سيكون له صدى واسع في الأوساط الليبية، وغيرها، سيما وأن بعض من استحضر الكاتب أسماءهم مازالوا على قيد الحياة، وأعتقد أن سياق ردود الفعل سيكون بين فريق يجادل من منظور التشكيك، أو التدقيق، أو إثارة الأسئلة، وربما المديح، وفريق قد يقتنص ما جاء على لسان صاحب المذكرات من تفاصيل تتعلق بالمسميات، والمصطلحات التي استخدمها، وهو ما انتبه إليه الكاتب مسبقا في مقدمة كتابه بالقول: «سيلاحظ القارئ أنني استخدمت بعض المصطلحات التي تختلف عن تلك التي استخدمتها في الكتابين السابقين، أشخاص حول القذافي، ونهاية القذافي، وذلك أمر طبيعي جدا، أولا لأن موضوعات الكتب الثلاثة مختلفة من حيث المضمون، ولكل زمن وعاؤه التعبيري، ومصطلحاته، ودرجة حرارة كلماته».. شكرا للأستاذ عبدالرحمن شلقم على هذا الإسهام المهم في رصد مفاصل مهمة من مسار الدولة الليبية، وشكرا لـ«دار الفرجاني» العريقة التي تولت طباعة هذه المذكرات، وهي التي اعتادت على إتحافنا بمثل هذه الإصدارات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*صحفي ليبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى