الرئيسيةثقافة

عن القراءة والوعي المغاير

* كتب/ يحيى القويضي،

هل “ورطّت” نفسك في مأزق القراءة؟

جيد، أهنئك، لكن تذكر أنك ستدفع ثمن ورطتك حتى آخر عبارة قرأتها في آخر كتاب! فبتجريد شديد، ستكتسب وعيا مغايرا، والوعي المغاير: ألم!

هل أخفتك؟ حسنا، لا تتمادى في الخوف، لأني أود إخبارك بأن الوعي المغاير الذي هو مكمن الخوف، هو ذاته الثمن العادل والمناسب لمغامرة القراءة، هو جائزتها التي لا تضاهى، وأزعم أنه الهدف الأسمى لكل قارئ، أدرك ذلك أم تناساه في زحام التفاصيل.
لكن، هل كل قراءة تُخلّق فينا وعيا آخرا؟ بالتأكيد لا، فجزء كبير من قراءاتنا هي استنزاف لنا، مجهود نبيل في اتجاه خاطئ، لكن لا تنكص، استمر في مغامرتك، وستتدرب مع الوقت كيف تنتقى كتابا يُحدث فارقا في ذهنك.
الكتاب الذي يحدث فارقا هو ذاك الذي يجادلك حول رواسخ عقلك، ويجبرك على أن تتحدث مع كاتبه، تناقشه، تحتد معه، وتغضب منه، وحتى تلعنه أحيانا وأنت تلوح بقبضة يدك! هو الكتاب الذي يجبرك أن تعيد قراءة بعض فقراته لتزيل الإلتباسات، وتُؤكد الفهم، هو ذاك الذي يرغمك أن تستدعي كل مخزون عقلك لتقاومه، وترفضه؛ أو لتمنحه صك قبول، وهو ذاك الذي تشعر بعد فراغك منه، أنك غدوت أنت آخر وليس أنت نفسه الذي كنته قبل القراءة!
القُرّاء أمزجة، كلٌ ينتقي ما يوافق هواه، وعن نفسي فهواها الكتب المترجمة، إذ بعد تجربة وجدت أن المؤلف العربي -لا أعمم، لكن النسبة كبيرة- قد يمدك بمعلومات مفيدة، لكنه لا يقدر أو يتحاشى ـ لضعفه أو خوفه ـ أن يستفزك، ولذا تجده يكتب بصيغة تقريرية باردة تضمن له الإنجاز والسلامة؛ السلامة من السلطة، والمجتمع، والنقد، ووجع الرأس؛ فيما الكتاب المترجم ـ إن نجى من سوء الترجمة ـ فستجد فيه غالبا مبتغاك من القراءة المجادلة التي تدفع بوعيك نحو أمدية بعيدة مدهشة، ستجد الثقافة الرصينة، والتحاليل المعمقة، والنظرة الشمولية للنقطة المبحوثة، وجمال الأسلوب، وسترى بعينيك البون المتسع الذي يفصلهم عنا.
هل أبدو كمن ينشر دعاية لهم؟.
ربما، لكن هذه هي تجربتي، التي سألخّصها في القول بأنه:
إذا صادفك كتابان عن نفس الموضوع، وكان أحدهما مترجما، فأفحصهما أولا، ثم مل نحو الكتاب المترجم، لأنه الأجدى والأجدر، وأيضا لأنك تستحق أن تظفر بجائزتك الأثمن :
المعرفة، والحكمة، والوعي المغاير.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى