الرئيسيةالراي

رأي- كلكم يبكي فمن سرق ليبيا؟؟

* كتب/ المهدى يوسف كاجيجي،

الحكاية قديمة من الحقبة الإيطالية، عن أخينا الجبالي الذي نزل من يفرن إلى طرابلس، وبأناقة ووسامة أهل الجبل صعد متبخترا إلى الحافلة العمومية “الكوريرا” وجلس في الكرسي الأمامي فاعترضه قاطع التذاكر “البوليتايو” قائلا: للخلف.. مقاعد العرب للخلف. فرد عليه بخيلاء شديد: أنا لست عربيا، أنا جبالي.. بربري من يفرن. وبصوت مرتفع رد “البوليتايو” :للخلف.. ارجع للخلف “توتي لا ستيسا راتزا” وترجمتها كلكم من عرق واحد.

بلعنا الطعم

” لا ستيسا راتزا” هكذا كان يرانا المستعمر الأجنبي، عندما حكمنا وتعامل معنا. المشهد الليبي لمن يراه من الخارج مختلف. بلد مترامي الأطراف، قليل السكان، متعدد الأجناس والأعراق، كلها تمثل مجتمعة أسباب ضعف. ويري الدكتور جمال حمدان في كتابه “جغرافية ليبيا السياسية” إن ما يعتقده الآخر مكامن ضعف هو في الحقيقة من أسباب القوة، وذلك بفضل التركيبة الفريدة المترابطة للنسيج الاجتماعي الليبي عبر كل العصور، وبالبحث والدراسة عرفوا عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا. وعندما دخلنا في مرحلة الفوضى الخلاقة، كانوا جاهزين للعمل، وباسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، رموا لنا بالطعم، ونحن كسمكة شديدة الغباء ابتلعناه. كان الهدف التركيبة الليبية المتلاصقة كلوحة الفسيفساء، وتفكيك مكوناتها من أقاليم ومناطق وقبائل، التي تشكلت جيناتها الأولى من أجناس وأعراق مختلفة، ليتمزق النسيج المتداخل، ويتنسل إلى أمازيغ وتبو، طوارق وعرب، بدو وحضر، أسود وأبيض، أخضر وأحمر، ملتحي وأمرد. وفي النهاية تحولنا إلى دمى على مسرح للعرائس، توزعت خيوطها على كل عواصم الدنيا، لتحركها حسب مصالحها.

وماذا حدث لليبيين؟

انفرط عقدهم، وتشتت شملهم، وتعددت أعلامهم، وتغلغلت الكراهية في قلوبهم. أنا ابن جيل أدرك نهاية الاستعمار، وعلت عقيرته بأناشيد الاستقلال -وأننا يا ليبيا لن نخذلك- وعند أول اختبار خذلناها.. ولا زلنا..

منذ القدم وأسماؤنا تحمل ألقابا مناطقية، غدامسى، درناوي، جبالي نسبة لجبل نفوسة، عبيدى، غريانى، سوكني، زواري، مقرحي، الخ. رغم اختلاف الألقاب والمناطق، كان ولاؤنا المطلق للوطن الأم الحاضن.. ليبيا. صلينا وراء بعضنا البعض بكتاب واحد ونبي واحد، وتفاخرنا معا بسليمان الباروني، وعبدالجليل سيف النصر، وسيدى أحمد الشريف. أستاذنا سليمان دهان ابن زوارة رحمه الله كان سياسيا نشطا في حزب المؤتمر وكاتبا متمكنا بلغة عربية شديدة الرقي صديق عمرى وزميلي، الراحل أمحمد ساسي أبوعون رحمه الله، الجبالي ابن يفرن، أيام الصبي سجن بتهمة المشاركة في تفجير إحدى معسكرات الجيش البريطاني في طرابلس، احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. سأله المحقق العقيد الصادق خشخوشة رحمه الله: ياولدى انت جبالي، شن دخلك بالعرب ومشاكلهم؟. الحرس الملكي عند الاستقلال، تم اختيارهم جميعا من التبو سكان القطرون. الروائي الليبي المبدع الأكثر شهرة عالميا هو التارقي الليبي إبراهيم الكوني. أسماء كثيرة لمعت في كل مناحي الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، وانصهرت في بوتقة الوطن، لا تملك رصيد سوى جذورها الليبية، دون انتماء عرقي أو قبلي أو مناطقي.

عدوي الاستفتاء وتقرير المصير

بلعنا الطعم وتشرذم الوطن. عين الغنيمة أفقدتنا البصر والبصيرة، وأصبحنا كحافلة بدون سائق وبدون مكابح “فرامل” تسير على طريق جبلي شديد الانحدار، وركابها يتقاتلون. انتهي الفصل الأول من المسرحية، وانتقلنا إلى الفصل الثاني، وعنوانه: “حق الأقليات في الاستفتاء والاستقلال” وما يجرى حولنا قابل للعدوى. الدكتور مالك أبوشهيوة، استاذ العلوم السياسية جامعة طرابلس، حذر علي صَفحته، من استقلال كردستان عن العراق، ومن تداعياته الخطيرة على دول كثيرة من بينهاً ليبيا، وقال: (علمنا التاريخ التزامن أو المحاكاة في الأحداث التاريخية. وطرح أمثلة- نجاح الثورة الأمريكية ساهم في اندلاع الثورة الفرنسية التي انعكست علي كثير من الدول -الثورة البلشفية انعشت الحركات الشعبية في أوروبا- نجاح النازية أعقبه انقلابات فاشية- انقلابات أمريكا اللاتينية عجلت بالانقلابات في إفريقيا والعالم العربي – وانفصال كردستان، سيكون مقدمة لتقسيم الوطن العربي). ونحن في ليبيا جاهزون لكل الاحتمالات.

من سرق ليبيا؟؟

الحسن البصري، الإمام والواعظ والقاضي معجزة عصره، ولد في العام 21 من الهجرة، هو القائل: الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم. قيل إنه كان يبكي عند قراءته للقرآن فيبكي مستمعيه. في مسجده في البصرة خطب فبكى الناس تأثرا، بحث عن مصحفه فلم يجده، التفت إليهم وقال: أيها الناس كلكم يبكي.. فمن سرق المصحف؟. وعلينا أن نسأل أنفسنا: أيها الليبيون كلكم يبكي.. فمن سرق ليبيا؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى