الرئيسيةالراي

رأي- عن الرموز والأقزام … !!!

* كتب/ عطية صالح الأوجلي

 

 

(1)

لم يكن صلاح الدين شخصا منزها عن الأخطاء.. فقد كان بشرا يخطئ ويصيب.. ولكنه كان شخصية تاريخية هامة لعبت دورا مميزا وبطوليا في تاريخنا.. لا نقدسه بل نحترمه ونحترم سيرته ونأسف لتطاول الأقزام عليها.

(2)

 

لم تنشغل القارة الأوروبية بخصم تاريخي لها كما انشغلت بصلاح الدين الأيوبي.. فكُتبت المائات من الكتب والدراسات والروايات التي تحدثت عنه وعن حكمته وورعه ونبل أخلاقه، وتحولت سيرته إلى مصدر إلهام لعشرات الأعمال الأدبية والفنية فمن ملحمة شعبية شعرية في القرن الرابع عشر تصف أعماله البطولية إلى عدد من الأفلام السينمائية في العصر الحديث لعل أشهرها هو فيلم “مملكة السماء” لريدلي سكوت.

كما صارت حياته موضوع بحث لدراسات كبار المؤرخين والدارسين أمثال إدوارد جيبون، هاملتون جيب، وليم الصوري، روزبولت، برثليمي هربولو، ولين بول. وتفسر المستشرقة البريطانية كارول هيلينبراند هذا الشغف الغربي بسيرة صلاح الدين قائلة..

” أياً كان السبب وراء شهرة (صلاح الدين)، فمن الحق القول إنه لم يحدث أن تعلقت مخيلة الأوروبيين بشخص مسلم قدر تعلقها بـ(صلاح الدين). إن تفوقه على معاصريه، من مسلمين ونصارى، أقر به أعداؤه الصليبيون، إبان حياته. وإن صورته، حتى في ظل التعصب الأعمى للعصور الوسطى، قد بقيت نقية، لا بل أضفي عليها عناصر رومانسية، في وقت كان فيه موقف أوروبا من الإسلام مزيجاً مؤسفاً من الجهل والعداء.

” إن انبهار أوروبا بـ(صلاح الدين) عميق الجذور. لقد بدأ بعد وفاته عام 1193 بفترة قصيرة، وتواصل منذ ذلك الوقت. بالتأكيد إن نمو أسطورة (صلاح الدين) قد حدث في الغرب، وليس في الشرق الأوسط، فالصورة التي رسمها له (ليسنغ)، كعنصر من عناصر التنوير في مسرحيته (ناتان الحكيم)، و(والتر سكوت)، في (الطلسم)، ليست إلا لحظتين بارزتين من تقليد عريق عن رومانسية (صلاح الدين).

والمفارقة المثيرة للفضول، أن الشرق الأوسط المسلم اكتشف، أو أعاد اكتشاف (صلاح الدين)، بتاريخ متأخر نسبياً، وعبر طريق دائري، إذ عرف المسلمون عن هذا البطل، في القرن التاسع عشر، ومع حلول عصر الاستعمار، عندما قام النصارى العرب بترجمة الكتابات الأوروبية عن الحروب الصليبية، وعادوا فأخبروا بني قومهم من المسلمين عن مآثر (صلاح الدين). فأقبل عليه العالم الإسلامي. وبالنتيجة أعاد صياغة صورته بهيئة البطل الكاريزمي، الذي سوف يوحد الشرق الأوسط ضد قوى العدوان الخارجي. وتطلع العديد من الزعماء العرب في العصر الحديث لأن يكونوا (صلاح الدين) جديدا.

 

(3)

 

إبان الحرب الصليبية كان صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد قائدين لجيشين متقاتلين على أرض فلسطين، وكل منهما يدافع عن قضيته انطلاقا من عقيدته الدينية، ومع ذلك كانت الفروسية العنوان الأبرز لتلك العلاقة، وقد تجلت في أكثر من موقف لعل اشهرها عندما أصيب ريتشارد قلب الأسد في إحدى المعارك إصابة بالغة فأرسل له صلاح الدين طبيبه الخاص الذي ساعده على الشفاء منها. حتى أن الكاتب البريطاني والتر سكوت أراد أن يخلد هذه المكرمة التاريخية فكتب رواية أسمها “الطلسم” ذكر فيها أن الطبيب العربي لم يكن سوى صلاح الدين ذاته.

(4)

 

ويل لكل أمة تتعامل مع رموزها التاريخية طبقا لتقلبات الرياح السياسية…!!

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* وزير سابق

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى