الرئيسيةالراي

رأي- صناعة الجريمة

* كتب/ أنس أبوشعالة،

يعتقد البعض أن الأمن والسلام الاجتماعي يأتي من القوانين الصارمة والزاجرة والقوية، ويتم وصف الدول المتقدمة بأنها تمتلك منظومة تشريعات متطورة وفاعلة.

هذا الاعتقاد خاطئ بلا شك، فآخر مرحلة من مراحل بسط الأمن وتحقيق السلام الاجتماعي هي مرحلة الاستعانة بالقوانين لتنفيذها في حالات يجب أن تكون شاذة لأنها تمثل خروجاً “يُفترض” أنه غير مألوف عن الأصل الذي هو الاستقامة والاعتدال في الفعل والقول واحترام حقوق الغير.

الجريمة تبدأ وتُخلق وتُصنع بيد السلطة، فحينما ينتشر الفقر وتتسع الهوة بين أبناء المجتمع بين أغنياء مترفين أثرياء حد التضخم، وآخرون يتجرعون مرارات العوز والحاجة حتى صار رب الأسرة يتجرع علقم القهر، لا لشيء عظيم بل لتوفير رغيف أو كيس طحين، فما بالك بكسوة أولاده وبناته، فتكون الأثواب بالية ومرقعة لدى هؤلاء بينما ترى الحرير الناعم والكشمير الدافئ لباساً لأولئك الأثرياء الأغنياء الذين صاروا يعيشون في أبراج اجتماعية شاهقة لا يكادون يرون من خلالها إلا نظراءهم الأغنياء الوجهاء، أما الآخرين فيصبحون ويمسون على مشاعر من الحقد تشتعل في صدورهم تجاه السلطة والدولة والأغنياء الذين يزدادون غنىً على حساب الفقراء الذين يزدادون فقراً و غِلاً و قهراً.

بهذه المعطيات يكون مصنع الجريمة جاهزاً ومؤهلاً للإنتاج، سترى منتجات إجرامية متنوعة، سرقات تقليدية واختلاسات نخبوية، ومخدرات منتشرة جلباً واتجاراً وتعاطياً، والذعارة كذلك تكون مسلكاً اضطرارياً من مسالك الارتزاق، والتي قد تحظى بمباركة الآباء والأمهات، فكما يقال الضرورات تبيح المحظورات، وبهذا الحال فلا نستغرب انحدار الأخلاق و شيوع الرذيلة والكذب والنفاق والعفن والفساد في الشوارع والأسواق، مما سيؤدي بطبيعة الحال لخلق نماذج تحاول مكافحة ومناهضة هذه الانحرافات وتتم مواجهة هذا التطرف بالتطرف، ويكون الدين سلاحاً فتاكاً لمحاربة تلك الظواهر المنحرفة فتنشأ أفكاراً دينية متشددة ومتطرفة، فترى الطين فوق منه بلة وبلات تجلب المصائب والويلات.

والحال كذلك، يكون المجتمع أشبه بمستنقع في إحدى الغابات الاستوائية، ومن يعيش في هذا المستنقع سيكون عائماً وهائماً بين التماسيح المفترسة أو الأفاعي المتوحشة، أو الحشرات الناقلة لكافة أنواع الحمى والعدوى، وسيكون كل فرد في المجتمع يتأرجح بين أحد خيارين، جاني أو مجني عليه، وتكون الجريمة نمطا طبيعيا من أنماط المجتمع وتفاعلاته، وفي تلك الحالة لا يكون ثمة قانون سارٍ ونافذ إلا قانون واحد ذو المادة الواحدة والنص الواحد ألا وهو: (حوت ياكل حوت.. قليل الجهد يموت)!

للكاتب أيضا: 

رأي- المرض الهولندي. ناقوس

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى