الاخيرةالراي

رأي- حتى يرتوي الحمار…!.

* كتب/ حسن الأشلم

انقطعت المياه عن القرية، جف ريق الحنفيات، ولم يعد يسمع منها غير صفير بائس، تفوح منه رائحة الصدأ…

وصول المياه إلى المنازل قبل سنتين أدى إلى طمر معظم الآبار القديمة، ولم يعد هناك من ملجأ سوى حنفية البلدية، المشهورة باسم (الشيشمة الرئيسية)، الواقعة قريبا من سفح القوز، قريبا من المقبرة، تظللها زيتونتان عظيمتان، تقتاتان من بقايا المياه المتسربة من الحنفية.. يوميا… كان يتعين علي أخذ العربة اليدوية، وجالون الماء البلاستيكي الاسطواني، والوقوف في الطابور.. الذي كان طويلا في ذلك الصباح المنذر بصهد الغربي… هرج، ومرج، وهمس، وقلق… فاليوم ليس يوم السعد… لأنه يوم مجيء أبناء الحاج سليمان، وهم عصبة أولو قوة وبأس شديد، يأتون – كالعادة- بعربتهم التي يجرها حمارهم الفتي، الذي تبدو عليه آثار النعمة، والجاه، والعز… يجر عربة خشبية عليها برميل معدني كبير، يسع مائتي لتر، وعلى جانبيه جالونات بلاستيكية وأخرى معدنية… كان علينا الانتظار، مع قرب نفاد الصبر نقوم باستخدام قوانين الفيزياء؛ من خلال احتساب قوة اندفاع الماء إلى الأعلى مقسمة على مساحة الأوعية، في محاولات يائسة لتقدير زمن الامتلاء… كنا نسأل بصوت منخفض أقرب إلى الرجاء:
– قريب وإلا مازال..؟!.
– الربع… النص… نقصت المية… قلق… أهي ولت… هيا قريب خلاص… أخيرا المياه تفيض من البرميل الدائري الكبير… فرجت الحمد لله… دبت الحياة في العربات اليدوية من جديد…
– راجوا… مازال شوية… بنسقوا الحمار…!.
عندهم حق… توفير في محله… تساءلنا: لم يأتوا بالسطل، فكيف سيسقون الحمار…؟!.
وضعوا الخرطوم في فم الحمار مباشرة…. فكرة لم تخطر على بال إبليس… مضت دقائق كالساعات… نراقب فم الحمار المزموم على الخرطوم في أدب.. وبطنه، التي شرعت في الامتلاء شيئا فشيئا… متى سيرتوي الحمار…؟!. كان يمص الخرطوم على مهل، وينظر إلينا في شماتة وخبث… نفد صبر أحدهم:
– باااااك سادّه…؟!.
أجابه أقواهم من فوق العربة:
– اصبر… الحمار يعرف بروحه…
بطن الحمار تكاد تنفجر… علا الضحك.. وعم الفرح… لحظة أن رفع حمار السيد ذيله، وأطلق الريح بقوة، وسقط الخرطوم على الأرض اللزجة، وفاض الماء من فمه…!.
تحركت العربة، تئن بحملها، تلاحقها اللعنات… الشيشمة انقطعت…!.
القادم أفضل بإذن الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى