اخبارالرئيسيةعيون

تمرّد فاغنر.. كيف يؤثر على الأوضاع في ليبيا؟

العربي الجديد-

على الرغم من استمرار عدم وضوح الأوضاع في روسيا بشأن تمرد قوات فاغنر وقائدها يفغيني بريغوجين على القيادة الروسية، فإن الأدوار التي تلعبها مليشيا فاغنر لصالح الكرملين قد تدفع بالعديد من التساؤلات.

ويأتي على رأس هذه التساؤلات، تداعيات هذا الحدث في الساحات الخارجية التي تعتمد فيها موسكو على مقاتلي فاغنر، وأهمها ليبيا، التي تعد قاعدة تحرك روسية في العديد من المجالات الأفريقية المجاورة.

وبعد سلسلة من التصريحات من قبل مسؤولي حكومة الوفاق بدأت في سبتمبر 2019، بإعلانها العثور على مقتنيات مقاتلين روس كانوا في صفوف مليشيات حفتر، التي كانت تشن هجوماً عسكرياً وقتها على العاصمة طرابلس، مروراً باتهام مقاتلي شركة فاغنر بالتورط في عمليات تلغيم الشريط الجنوبي للعاصمة طرابلس، قبل انسحابها برفقة مليشيات حفتر إلى مدينة سرت والتمركز فيها، إثر انكسار حملة حفتر على طرابلس، بعد ذلك، بدأت تتوالى تقارير دولية عن تمركز أعداد من مقاتلي فاغنر في قاعدة الجفرة العسكرية، الأهم في وسط جنوب البلاد، وقريباً من حقول ومواقع النفط المنتشرة في القطاع الجنوبي للبلاد، وحينها برز ملف فاغنر بشكل أكبر في محادثات لجنة 5+5 الليبية العسكرية ضمن ملف إخراج القوات الأجنبية من البلاد.

ورغم إنكار الجانب الروسي لأي وجود عسكري روسي في ليبيا، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أقرّ خلال تصريحات إعلامية في مايو 2022، بوجود فاغنر في ليبيا “على أساس تجاري” بشراكة أمنية خاصة مع السلطات في طبرق، في إشارة الى مجلس النواب.

وفيما عبّرت عواصم أوروبية إلى جانب واشنطن، في عديد المناسبات، عن قلقها من توغل موسكو في ليبيا، وآخرها تصنيف واشنطن فاغنر، في يناير الماضي، كـ”منظمة إجرامية دولية”، فإن ملف فاغنر في ليبيا برز بشكل أكثر جدلاً ضمن الأحداث العسكرية في السودان، والمخاوف من انتقال الفوضى المسلحة في السودان إلى الجنوب الليبي، لكونه مجالاً متصلاً بالسودان عبر فاغنر وغيرها، من حركات التمرد السودانية، إلى جانب وقوع الجنوب الليبي تحت سيطرة حفتر.

تأثيرات محتملة على الملف الليبي

وأدلى عدد من المسؤولين الليبيين بتصريحات تتعلق بالخلافات القائمة بين موسكو وفاغنر، في استشعار واضح لإمكانية تأثرها في الملف الليبي، حيث يرى عضو المجلس الأعلى للدولة، بلقاسم قزيط، أن خلاف فاغنر مع الحكومة الروسية “سيضعفها، إلا إذا انقلبت على السلطة، وهذا أمر بعيد الاحتمال، ولذلك ستبدأ بالضعف ابتداءً من اليوم”.

وقال قزيط في تصريحات صحافية: “إذا فُك الارتباط ما بين شركة فاغنر وجمهورية روسيا الاتحادية فإنها ستضعف وتصبح لقمة سائغة للمعسكر الغربي، خصوصاً إذا رفعت روسيا غطاءها عنها، وستكون في موقف صعب أمام خصومها الأميركيّين والفرنسيّين والإنكليز”.

وعن تأثير الموقف بين فاغنر والقيادة الروسية، يرى عضو مجلس الدولة الآخر، بلقاسم دبرز، أنه حتماً سيؤثر على ليبيا “بطريقة قد تكون غير مباشرة وذلك بردّة الفعل من قبل مجموعة فاغنر، وإن كان من المبكر معرفة مآلات الأحداث هناك في روسيا”.

لكن الصحافي الليبي والمهتم بالشأن الأفريقي، موسى تيهو ساي، لا يعتقد أنه “سيكون هناك انفصال في العلاقة بين فاغنر وبوتين، فالدور الذي لعبته فاغنر على امتداد السنوات الماضية في سورية ودول أفريقية دور مهم على المستوى الجيوستراتيجي”.

وأضاف تيهو ساي أن “الصراع على النفوذ في المجال الأفريقي يجعل انفصال العلاقة بينها وبين بوتين من المستحيل أن تقع، خصوصاً أنها لا تكلف السلطة الروسية الكثير من التبعات السياسية والأخلاقية، وتتيح لها التنصل من أي أمر تنفذه فاغنر خارج الإطار الرسمي للدولة، وتقول إنها لا تتبع لها، وإنما هي شركة أمنية مستقلة”.

ويتابع تيهو ساي قراءته لتأثير الخلافات الروسية مع فاغنر، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “لم نلحظ أي تغير في ليبيا في أوساط فاغنر حتى الآن كالتحركات لإعادة ترتيب تمركزاتها مثلاً، ولذا لا أتوقع أن يؤثر الحدث في روسيا على الأوضاع في ليبيا، بل على كل الوجود الروسي غير الرسمي في أفريقيا، وإن سلمنا جدلاً بحدوث انفصال جذري بين الكرملين وفاغنر، فستعمل موسكو على إيجاد فصيل آخر لرعاية مصالحها، خصوصاً في ليبيا التي لا يزال الوضع فيها يحتاج لوجود خشن بالنسبة إلى روسيا لرعاية مصالحها ووجودها فيها”.

وحول تأثير الحدث في روسيا على أوضاع حفتر، الذي يعدّ أقرب شريك لموسكو في ليبيا، يرى تيهو ساي أن “هذه العلاقة تكاد تكون من طرف واحد، فحفتر مستفيد من دون شك من هذه العلاقة ليقوي من نفسه كطرف سياسي في أي مسار سياسي أو أمني عسكري في ليبيا، في الصراع الليبي، لكن الجانب الروسي أكثر استفادة في هذه العلاقة، لأنها تستفيد من وجود حفتر في تعزيز وجودها في ليبيا الذي امتد أخيراً إلى السودان”.

ويكشف تيهو ساي عن معلومات لديه عن جلب فاغنر لـ”ثمانين عنصراً من عناصر الدعم السريع السوداني كدفعة أولى إلى منطقة محاذية لقاعدة الخادم العسكرية في شرق ليبيا لبدء تدريبهم على أسلحة متطورة”، مؤكداً أن “كل هذا يؤكد أن الوجود الروسي بالنسبة إلى موسكو مهم جداً يتجاوز أي خلافات وقعت وتقع بين القيادة الروسية وفاغنر، وإن حدث شيء، فقد يحدث على مستوى تغيير بعض القيادات في فاغنر فقط ويستمر تأثيرها ووجودها”.

“فرص” لإخراج فاغنر من روسيا

لكن الباحث في الشأن السياسي الليبي، محمد محفوظ، يرى أن الاستفادة من حدوث الخلاف بين القيادة الروسية وفاغنر، يمثل ما وصفه بـ”فرص” إخراج فاغنر من ليبيا، فهي “اليوم أكثر نجاحاً وسهولة”، وقال: “السلطات الروسية أعلنت أن فاغنر خارجة عن القانون، وبالتالي إذا تم أي عمل عسكري ضد فاغنر في ليبيا لطردهم، لا يمكن للسلطات الروسية القول بأن لديها رعايا أو قوات روسية رسمية تم الهجوم عليها في ليبيا وطردهم بالقوة”.

ويلفت محفوظ في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى ما يعتبره “مقاربات قد تلعب دورها في تحقيق إخراج فاغنر، كأن تلعب تركيا دوراً في ذلك، فقد يستعين بوتين بدور تركي وسيط لإخراج فاغنر كطرف يضمن مصالح روسيا في ليبيا، إن حدث قرار نهائي بإخراجهم”.

ويشير محفوظ إلى عوامل أخرى تساعد في إخراج فاغنر من ليبيا، ومنها “تراجع أعداد مقاتلي فاغنر لصالح انسحاباتهم للمشاركة في القتال الدائر في أوكرانيا”، لكنه يؤكد “الضغط الدولي لإيجاد مقاربة ما لاستثمار الحدث بشكل إيجابي لإخراج فاغنر سلمياً من المنطقة”.

وحول تأثيرات الأحداث في روسيا على حفتر، يتحفظ محفوظ من وصف حفتر بالشريك الأقرب لموسكو، لكنه في ذات الوقت يؤكد أن الأحداث ستؤثر على الوضع السياسي لحفتر في ليبيا، بل مجمل التحالفات السياسية في ليبيا.

ويختم محفوظ بقوله: “يبقى الأمر الذي يصعب التكهن به، هو هل ستستمر السلطات الروسية في التعويل على فاغنر كإطار أساسي لنشر نفوذها في عديد الدول من بينها ليبيا، أم أنها ستتراجع عن هذه الرؤية لديها، خصوصاً أن روسيا لا تزال لا تريد إلغاء هذه الشراكة لأنها ستؤثر في إضعاف النفوذ الروسي في العديد من الدول، لكن إن أنهت هذه الشراكة، تسهل مهمة طرد هذه القوات من ليبيا، وإن كان مستبعداً ذلك حتى الآن”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى